مواكب ما بتتراجع تاني، ودرس بليغ لقنه الشعب السوداني لقوى الثورة المضادة وأصحاب الأجندة الداخلية والخارجية ولكن من أراد التلاعب بمصير البلاد، رسالة قوية وصارمة جدا أوصلها شباب وشيب الوطن يوم أمس لحكومة الفترة الإنتقالية بشقيها المدني والعسكري، ولفلول الحزب المحلول، وللعالم أجمع، مفادها أننا الثورة والثورة لا تموت.
معظم مدن السودان خرجت في مواكب إحياء ذكرى ال 30 من يونيو للتذكير بمطالب الثورة التي كاد أن يطويها النسيان أو هكذا ظنَ الواهمون.
المواكب دفعت بمذكرتها المطالبة بتصحيح مسار الثورة في تحقيق العدالة الغائبة والقصاص للشهداء، والذي لن يكون إلا باصلاح المنظومة العدلية والشرطية، تحقيق السلام، تعيين ولاة للولايات من المدنيين، الإسراع في تكوين المجلس التشريعي، إكمال بقية المفوضيات، الإسراع في القاء القبض على رموز النظام البائد، وعدم التلكوء في محاكمة من يقبعون داخل السجون بما في ذلك المخلوع وبقية المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية، هذه وغيرها من مطالب مشروعة تأخر تنفيذها كثيرا وأوصل الشارع لأن يزأر مجددا بهذا الشكل المرعب والمفرح في آن.
عيون الشباب ظلت ساهرة ومنتبهة لعامل الزمن الذي يمضي من عمرهم دون تحقيق ولو اليسير من مطالبهم والتي يتحكم فيها المكون العسكري بقصد إحراج المكون المدني وإنقلاب الشارع عليه ومن ثم سيطرتهم على الاوضاع بشكل كامل ووضع البلاد أمام الأمر الواقع بحد الدوشكا والسيف، وما دروا ان هذا الجيل بلغ من الوعي والإيمان بقضيته ما يجعله قادرا على أزاحة الترسانات العسكرية عن طريقه ولو أدى ذلك لإبادته بشكل كامل.
خرجت المواكب التي قادها شباب المقاومة هذه المرة بعيدا عن لافتات أي أجسام حزبية او مهنية، رغم مشاركة جميع هذه الأجسام بشكل غير مباشر من خلال عضويتها بضخ خبراتها التراكمية في الرصد والتأمين وتصحيح مسار المواكب جنبا إلى جنب مع شباب المقاومة. وهذا في حد ذاته رسالة قوية لكل من يعتقد ان مفتاح البلد في جيبه.
الشارع أثبت انه قادر على تحمل الجوع والعطش وشظف العيش على البقاء تحت رحمة حكم عسكري باطش او حكم مدني ضعيف رافعا لشعارات غير مؤمن بها.
الشعب في هذه المرحلة تحديدا يطمح في قيادة قوية صاحبة كاريزما عالية وخلاقة، لا قيادة تقليدية ديبلوماسية تعمل على الطبطبة والوعود البراقة بلا عمل حقيقي، فالمرحلة حرجة ولا تحتمل التراخي، لأنها مرحلة النظافة والفلترة لكل ما علق بالبلاد من دنس وتخريب لثلاثين عاما.
الثوار هم من يقودون ثوراتهم ويحافظون عليها، وبالتالي هم الأجدر بالتعيين في قواتهم المسلحة وفي أجهزتهم الشرطية وجهاز أمنهم، وأي حديث يتعلق بإعادة هيكلة هذه الأجهزة بذات الوجوه القديمة والمؤدلجة لن يكون سوى مجرد مسكن أشبه بوضع الرماد على النار، لذا فالحكمة تقول ضرورة إعادة النظر في هذه الأجهزة الحساسة بشكل جدي وحقيقي على أن يكون ذلك تحت قيادة شرفاء هذه الأجهزة من ضحايا الصالح العالم وليس من القيادة الموجودة حاليا بأمر النظام السابق.
على حمدوك استغلال الدعم الشعبي اللا محدود ليخرج بالبلاد من هذه اللَجة، وان يكون اكثر صرامة وحسما بدلا عن المثالية الزائدة التي يتعامل بها، ومهلة الإسبوعين التي منحها سيادته في خطابه للإيفاء بإلتزامات الثوار، لن تكون بالسهولة التي يتصورها البعض إن سار بذات إيقاعه البطئ والهادئ، فالشارع لن يتمهل مجددا ولن يصبر، وينتظر على أحر من الجمر ليرى مطالبه تُنفذ في وقتها بعد أن (لآك الصبر والقرضة).
الكرة في ملعب حمدوك وقوى إعلان الحرية والتغيير وبقية القوى السياسية قبل أن يحسم الشارع أمره ويشهر لهم الكارت الاحمر.
رسالة أخيرة : كل من يفكر في الإنقلاب على السلطة مرة أخرى عليه أن يتحسس رأسه ألف مرة قبل الإقدام على هذه الخطوة الإنتحارية.
الجريدة