لو نفذت الحكومة شعار الثورة .. حرية، سلام وعدالة لما كانت فى حاجة لاستنفار الجيش واغلاق الكبارى بالمدرعات وتأمين الطرق والميادين بالعربات المصفحة واعلان حالة الاستعداد القصوى بين كافة القوات النظامية واغلاق الاسواق والمتاجر واصدار البيانات للتحذير من المؤامرات واعمال الشغب والفوضى المتوقعة خلال مسيرة الغضب الجماهيرية اليوم!
وما كانت الجماهير فى حاجة الى الخروج من اجل استكمال اهداف الثورة المجيدة وتحقيق شعار حرية، سلام وعدالة الذى خرجت نطالب به فى ديسمبر 2018 وفى 30 يونيو 2019 !
خرجت الجماهير تطالب بالحرية لانها كانت فى سجن كبير طيلة ثلاثين عاما ذاقت فيه كل انواع القهر والظلم والمعاناة … كانت تنام وتصحو على الخوف والذل والمهانة واصوات الرصاص وفرقعة السياط وهى تلهب ظهور النساء قبل الرجال لاتفه الاسباب .. وتختنق بالغازات المسيلة للدموع اذا طالبت بابسط الحقوق .. فهل حصلت الجماهير على الحرية التى خرجت تطالب بها ومهرتها بالدم بعد سقوط النظام البائد ؟
لا لم يحدث ذلك، فقد ظلت الحرية بعيدة المنال .. قوانين القمع لا تزال كما هى، ما عدا بضعة مواد لا تذكر بالنسبة للحجم الكبير من القوانين التى تنتهك الحقوق وتذل آدمية الانسان، فعقوبة الجلد لا تزال حتى الان موجودة فى معظم مواد القانون الجنائى العام، وليس فقط فى مواد الحدود، وذلك كنوع من الاهانة والمذلة والتحقير للانسان السودانى، والمادة 152 التى اهينت بها على مدى الثلاثين عاما الماضية النساء بالمطاردة فى الاسواق والشوارع والجر الى المحاكم والجلد بتهمة الزى الفاضح لا تزال موجودة رغم الغاء قانون النظام العام، والمادة 126 (الردة) موجودة، والمادة (57 ) التى تعاقب بالجلد والغرامة والسجن حتى 10 اعوام على التظاهر موجودة ولم يحدث بها اى تعديل يتناسب مع حق المواطن فى التجمع السلمى والتظاهر من اجل المطالبة بحقوقه، والكثير من المواد القمعية فى القوانين الاخرى سواء قانون الامن او غيره.
الشرطة لا تزال تتستخدم العنف المفرط والغازات الخانقة ضد الاحتجاجات والتظاهرات بدون اى مبرر موضوعى، ولقد تعرض الكثيرون منذ نجاح الثورة وحتى بعد تشكيل الحكومة للكثير من اذى وعنف الشرطة، ليس فى الشوارع فقط بل فى اماكن عملهم … فاين الحرية التى رفعوها شعارا للثورة، واين الثورة التى سقوها بالدم ؟
اين السلام الذى تبعثر بين المماحكات والمسارات ومفاوضات العبث التى تدور فى جوبا وكل هم المشاركين فيها الحصول على نصيب فى الكيكة وليس تحقيق السلام وايقاف نزيف الدم الذى ظل يقتل الانسان السودانى ويعيق نمو الوطن .. وكأن الجماهير عندما خرجت تطالب بالسلام وقدمت من اجله اغلى التضحيات، فعلت ذلك من اجل ان تجلس حفنة على كراسى السلطة، تزعم انها ناضلت ضد النظام البائد بالسلاح ولا بد ان تحصل على نصيبها، وكانها كانت تناضل من اجل المنصب وليس الوطن والمواطن !
اين العدالة .. ويكفى القول للتاكيد على عدم تحقق العدالة التى خرجت تطالب بها الجماهير ان الوحيد الذى حصل على حكم قضائى منذ نجاح الثورة وحتى اليوم هو راس النظام البائد الذى حكم عليه بالسجين عامين بتهمة الفساد بقضيهما فى اصلاحية، فى محاكمة عبثية هزلية وتمثيلية سخيفة القصد منها ابعاده عن قبضة العدالة الدولية والاقتصاص لضحايا دارفور .. وظهرت الان ملامح مسرحية هزلية اخرى بعد ان اوشكت سنوات حكمه على الانتهاء بالتحضير لمحاكمته على تقويض النظام الدستورى والانقلاب على نظام الحكم فى يونيو 1989 .. ولا يدرى احد متى تبدأ ومتى تنتهى وماذا يحدث فيها، ومتى تطال العدالة باقى المقبوضين، مع مهزلة السماح لغالبية القتلة والفاسدين من اركان النظام البائد بالهروب وتهريب اموالهم من البلاد !
أين الحرية واين السلام واين العدالة، واين الثورة نفسها فى بلاد لا يزال العسكر يحكمونها ويتحكمون فيها وينعمون باموالها وخيراتها فى وجود حكومة غالبية وزرائها ضعفاء تنقصهم الخبرة والمعرفة والروح الثورية !
الجريدة