حتى بالنسبة للعنوان .. لم أجد عبارة أكمل بها ما بدأته .. فتركتها هكذا
.. علامات استفهام وعلامات تعجب .. وهذا التاريخ هو كذلك .. يثير من علامات الاستفهام أكثر مما يقدم من إجابات .. ويثير من علامات التعجب أكثر مما يقدم من تفسيرات .. حتى الآن لا يستطيع أحد على وجه جازم .. أن يخطرنا بمن حدد الثلاثين من يونيو 1989 يوما لتنفيذ الانقلاب العسكري الآيديولوجي على الديمقراطية في السودان .. وفي المقابل لن يحدثنا أحد عن ذلك العبقري الذي اختار ذات يوم الخصم ..
أي يوم الانقلاب على الديمقراطية .. ليكون هو ذات اليوم .. 30 يونيو
2019 .. الذي ينتزع فيه السودانيون مبادرتهم .. ويعيدون لثورتهم
ألقها وبريقها .. وديمقراطيتها الموسومة بحق التعبير وحق التجمهر وحق التظاهر .. لا ديمقراطية العمد والمشايخ والأحلاف أو حتى ديمقراطية السيسي .. الامتداد الطبيعي لديمقراطية السادات .. كان السادات يعتبر كل شيء في مصر ملكه .. حتى المعارضة .. فكانت
كلمته المفضلة في كل خطبه .. معارضتي..!
تحويل 30 يونيو من يوم للانقضاض على الديمقراطية .. إلى يوم لاسترداد الديمقراطية وقيمها العليا .. يذكرني دوما برائعة ود بادي الموسومة بـ .. سياحة في حي العمارات .. حيث يقول فيها ..
ماعون الويسكي الأحمرْ
عِلبْ البيرة الصايدر
مُصوا الخَبّث الراكد فيهن
سماً يعشرق ونحنا أدونا الفاضي هدية
يقعد في شمس الله تلات أيام
تطَهِر منو السيئة
نسلخ منو الدمغة الوصفت عينتو والكمية
تمشي أم أحمد تغسل بطنو وضهرو
ما لازماها وصية ..
وهكذا .. كما عادت قوارير الويسكي أو علب البيرة .. مبرأة من كل عيب صالحة لكل الاستخدامات .. الحلال .. كما قال ود بادي في رائعته تلك .. فإن يوم الثلاثين من يونيو قد عاد يوما للحرية والانعتاق وضد الارتهان .. كما أراد لها صانعو ذات التاريخ .. ولكن
في العام 2019 ..! فماذا عن 30 يونيو 2020 .. تماما كما يتضح من تاريخ هذا اليوم ..
أنه كان متاحا على الشيوع .. لليمين ولليسار .. وما بينهما على حد سواء .. فيبدو أن يوم الغد أي التاريخ الجديد .. سيكون هو الآخر كذلك.. أو بالأحرى .. وللدقة .. فثمة سعي محموم لجعله يوما للجميع .. فقط الفرق هنا .. أن المعنى لا يفضي لدلالة للعبارة .. بل ربما لنقيضها
تماما .. ونعني عبارة .. يوم للجميع .. والتوصيف الصحيح .. أنه يوم يتكالب عليه الجميع .. لا إجماعاً .. بل كلٌ بأجندته وأهدافه .. وربما بأسلحته .. فلئن كان البعض يتنادى وينادي لجعل الثلاثين من يونيو يوما لدعم الثورة وحكومتها للمضي قدما في إنفاذ شعارات الثورة .. وهؤلاء هم صناع الثلاثين من يونيو 2019 .. فثمة من
يتنادى وينادي لذات اليوم ولكن لإسقاط الحكومة وتغيير النظام ..
والمعنى واضح .. فلن تجد كبير عناء لتجد أن هؤلاء هم الأسرى لذكرى الثلاثين من يونيو 1989 .. ثم الفصيل الثالث الذي يتنادى وينادي بتصحيح مسار الثورة .. كما يروجون .. وهؤلاء وإن كانوا يتظاهرون بأنهم من صناع يونيو 19 .. ولكن .. أعد البصر كرتين .. لتجد سمات يونيو 89 على الجباه ..!
يبقى السؤال .. هل من الممكن إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء ..؟
التاريخ نفسه يقول .. لا ..! إذن .. هل في وارد الاحتمال أن يتنازل من انتزعوا حقوقهم في الثلاثين من يونيو 2019 عن تلك الحقوق بهذه
البساطة ..؟ أيضا .. المنطق يقول لا ..!
لذا فالثلاثين من يونيو 2020 لن يكن إلا امتداداً للثلاثين من يونيو2019 تكريساً للديمقراطية .. لا انقلاباً عليها .
صحيفة السوداني