بعد اربعة ايام فقط من فتحه لاستقبال العالقين بالخارج صدر قرار بقفل مطار الخرطوم مرة أخرى مما ترتب عليه استفحال المعاناة الفظيعة التي يعيشها العالقون في الخارج منذ أكثر منذ ثلاثة أشهر، وكأن المواطن السوداني خلق ليعاني منذ مولده وحتى موته بسبب غباء المسؤولين وأزمة الإدارة التي يعيشها السودان منذ استقلاله وحتى اليوم !
الكثيرون، ومعظمهم من المرضى وكبار السن والنساء والاطفال يفترشون الأرض خارج مطار القاهرة أو يتسكعون الآن في الشوارع بدون نقود أو طعام أو جهة يلجؤون إليها بعد أن اخلوا الفنادق والشقق والمعسكرات واتجهوا نحو مطار القاهرة حسب مواعيد سفرهم، وعندما وصلوا فوجئوا بقرار اغلاق مطار الخرطوم وإلغاء سفرياتهم فلم يدروا ماذا يفعلون غير رفع الأكف بالدعاء على المسؤولين وصب اللعنات على أنفسهم وجنسيتهم التي ذاقوا منها الهوان !
بررت سلطات الطيران المدني ممثلة في مديرها (ابراهيم عدلان) إيقاف الرحلات الجوية للعالقين بإتاحة الزمن الكافي لوزارة الصحة لإكمال الفحوصات المتراكمة، قائلا “ان فحوصات العالقين، كانت أكبر من طاقة المعامل الموجودة في الخرطوم”!!
تخيلوا .. “فحوصات العالقين كانت أكبر من طاقة المعامل الموجودة في الخرطوم”، وكأن طاقة هذه المعامل كانت في علم الغيب لم يتعرف عليها السادة المسؤولون إلا بعد وصول العالقين من الخارج، فعلى أي أساس تمت برمجة الرحلات اذن .. هل هي مسألة رياضية معقدة، أم غلوتية، أم ماذا يا سادة .. ورونا!
للعلم فقط، فإن تحليل العينات لا يحتاج الى أكثر من اربع وعشرين ساعة في أقدم المختبرات، بينما يأخذ في المختبرات الحديثة ما بين 4 – 6 ساعات، أما أخذ العينة فلا يستغرق أكثر من 4 دقائق وهى عبارة عن مسحة قطنية من الانف أو الحلق، ومعنى ذلك أن طاقة المعامل ضئيلة جدا إذا عرفنا ان عدد الذين وصلوا البلاد (950 ) شخصا فقط من جملة عشرة آلاف عالق، أحدثوا كل هذه الفوضى وكان بعضهم يحمل شهادات خلو من المرض تسمح لهم الدخول بدون إجراءات !
دعونا الآن نتعرف على السبب الحقيقي لإيقاف رحلات العالقين في الخارج والجحيم الذى يعيشون فيه !
أصدرت السلطات في الاسبوع الماضي بعض الضوابط لعودة العالقين، وهى الحصول على شهادة خلو من المرض من جهات معتمدة في الخارج صادرة في غضون 48 ساعة من موعد السفر للدخول الى البلاد، أو العزل في مراكز تحت اشراف وزارة الصحة الى حين تحليل العينات واطلاق سراح من تثبت براءته من تهمة المرض وحبس المصابين !
بصراحة ليس هنالك وصف لهذه الضوابط سوى انها عبثية تنم عن عدم معرفة، فليس هنالك مبرر لتتحمل الدولة عبء فحص القادمين وعزلهم وتكدسهم الى حين التأكد من خلوهم من المرض بدون وجود الإمكانيات اللازمة وتعطيل وصول الاخرين، فالمرض موجود بل تجاوز مرحلة العدوى المجتمعية، وتخطى عتبة العشرة آلاف إصابة فى السودان حسب الإحصائيات الرسمية، بينما يقدر العدد الحقيقي بعشرة أضعاف ذلك، فما الذى يضير إدخال بضعة آلاف مسجونين في الخارج بدون ذنب ارتكبوه!
القرار السليم الذى اتخذته معظم الدول هو نصح القادمين بعدم مغادرة منازلهم لمدة 14 يوما (أو ما يعرف بالعزل الاختياري) لحماية أنفسهم وغيرهم، بالإضافة الى إجراء فحص درجة الحرارة قبل صعود الراكب الى الطائرة، ولم نسمع بدولة من الدولة المتقدمة رغم امكانياتها العالية قامت بفحص القادمين او وضعهم تحت العزل الإجباري أو حتى أخذ عناوينهم وأرقام هواتفهم قبل مغادرتهم للمطار، بل إن قرار (العزل الذاتي) الذى فرضته بريطانيا على القادمين إليها من الدول الأخرى (ما عدا جمهورية ايرلندا وفرنسا) يواجه معارضة شديدة لتأثيره الكبير على شركات الطيران والسياحة، وأكرر (عزل ذاتي) في المنازل وليس عزلا إجباريا في مراكز تشرف عليها الدولة!
وما يؤكد خطأ وعبثية عزل الوافدين إجباريا وإخضاعهم لفحوصات لمعرفة حالتهم الصحية، السماح لمن يحملون شهادة خلو من المرض بالدخول بدون الخضوع لأى إجراء، فما الذى يؤكد عدم التقاطهم للعدوى بعد إجراء الفحص المطلوب والحصول على شهادات الخلو من المرض، ومن ثم نشر العدى بعد دخولهم الى السودان ؟!
لا ادرى بصراحة من الذى يدير ملف الكورونا في السودان .. وزارة الصحة، أم وزارة البطيخ ؟!
صحيفة الجريدة