مناظير _ نحن والعرب ! _ زهير السراج
احتج البعض على مقالي امس بعنوان (موتوا بغيظكم يا عرب) الذى انتقدت فيه الحضور الهزيل للدول العربية في مؤتمر الشراكة السودانية الذى دعت اليه الحكومة السودانية بالتعاون مع الحكومة الألمانية للتفاكر حول الشراكة السودانية الدولية وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي والمعنوي للسودان وفك العزلة الدولية التي أدخلنا فيها النظام البائد بسبب دعمه للإرهاب الدولي واحتضان الجماعات الارهابية وتقديم التسهيلات التي ساعدتها على ارتكاب جرائمها، ومحاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك لتي اتخذها ذريعة لاحتلال مثلث حلايب وضمه فيما بعد لمصر، وجرائم دارفور وما تلاها من تدخل دولي واسع في شؤون السودان وفرض مجموعة من العقوبات الدولية عليه لا نزال نعانى منها، فضلا عن جرائم السلب والنهب للمال العام وتدمير البنية التحتية وكافة المشاريع الاقتصادية مما ادى لانهيار الاقتصاد السوداني بشكل كامل جعل الحياة في السودان شبه مستحيلة لانعدام الخدمات والغلاء الفاحش وانتشار الفقر والعطالة ..إلخ !
لمعالجة هذه الاوضاع المعقدة اتفقت عدة دول على إقامة شراكة اقتصادية مع السودان، وانعقدت عدة مؤتمرات لهذا الغرض منها المؤتمر الاخير في برلين الذى انعقد عبر تقنية الفيديو بسبب انتشار وباء الكورونا، وشاركت فيه حوالى خمسين دولة ومنظمة لتقديم الدعم للسودان، وقفت فيه بعض الدول العربية موقفا سلبيا من السودان وهو امتداد لموقف اتخذته منذ حل المجلس العسكري الحاكم واستبداله بمؤسسات يشارك فيها المدنيون لتحقيق اهداف الثورة واصلاح مؤسسات الحكم والاتجاه نحو الحكم الديمقراطي ولكن يعجبهم ذلك فقرروا مقاطعة السودان وحكومته، في إشارة واضحة لنا إما ان نعمل وفق السياسة التي يقررونها وإلا اتخذوا موقفا سلبيا منا، فضلا عن العمل مع اعوانهم في الداخل لتهيئة الاوضاع لاقامة نظام حكم تابع لهم، فكان لا بد من كتابة مقال لتشريح هذا الموقف وانتقاده، ومما ساعد على كتابته وحدته مشاركتهم الهزيلة فى المؤتمر الاخير، ليس من حيث عدم مساهمتهم بالمال كما فهم البعض، ولكن لمستوى التمثيل الهزيل والعبارات التى جاءت فى بعض المخاطبات بتقديم مساعدات سابقة للسودان لم تكن لائقة!
غير ان البعض راى في المقال نكرانا لجميل العرب الذين ساعدونا في كثير من الاوقات، بالإضافة الى توفير فرص العمل لعشرات الالاف من السودانيين واعالة اسرهم ومساعدتهم على مواجهة شظف العيش في السودان، والكلام الكثير الذى قيل عن أفضالهم علينا !
صحيح أنهم قدموا مساعدات للسودان في فترات مختلفة وأتاحوا فرص العمل لكثيرين .. ولكن هل يعنى ذلك أن نخضع لهم وننفذ إرادتهم، وإلا قاطعونا واتخذوا منا موقفا سلبيا؟!
أكبر دليل على ذلك أنهم اوقفوا تسديد باقي الوديعة المصرفية التي تعهدوا بها خلال فترة حكم المجلس العسكري بعد تكوين الحكومة المدنية، رغم الظروف الحرجة التى يعانى منها السودان وهى ليست منحة كما يظن البعض ولم نطلبها منهم، فهل يجب علينا ان نكون خاضعين لحكم عسكري تابع لهم يذلنا ويهيننا ويسلب حقوقنا حتى يتحمسوا للتعاون معنا او قاطعونا، ام ماذا؟!
اما عن فرص العمل التى اتاحوها لنا، فلمن يكون الفضل الاكبر .. للذى يعلم ويبنى ام الذى يعطى الاجر مهما كبر حجمه، كما انه من الممكن جدا ان تقضى حياتك كلها في خدمتهم، ثم يفصلوك وينهوا إقامتك بكل سهولة، ولقد حدثت مع خمسة مدراء جامعات (اعرفهم بشكل شحصى) هم الذين أسسوها، مات أحدهم بالحسرة من الطريقة المهينة التي فصلوه بها واخطاره بالقرار بواسطة موظف صغيرا يعمل تحت امرته!
واخيرا .. هل يجب علينا ان نخضع لارادتهم او نتذلل لهم مثلما كان يفعل المخلوع حتى ننال رضاءهم وإلا اداروا وجههم عنا، وهل هذا ما يريده لنا البعض؟!
الجريدة