المرة الثانية خلال شهر تعتدي مليشيات إثيوبية غير نظامية على حدود السودان الشرقية آخرها أمس الأول على معسكر الأنفال الخاص بالجيش السوداني وإصابة بعض الجنود ما دفع الأخيرة لصد الهجوم بالمدفعيات الثقيلة، وفي المرة التي سبقتها استشهد احد الضباط السودانيون وانتهى الأمر بالتوضيح من حكومة أديس أبابا كما أوضحت القوات المسلحة الأمر عبر بيان لها . وربما لأن ذات الهجوم تم بالصيغة الفائتة لم تخرج علينا هذه المرة بتوضيح واكتفت برد الهجوم.
لكن كلتا الحادثتين فتحت الباب واسع للتكهنات كل من وجهة نظره وامنياته وربط بعض هؤلاء الواقعة بسد النهضة الذي تجري الإجتماعيات فيه بصورة راتبة وتنتهي بعدم الاتفاق، ومن خلال متابعتي لما يدلو به مرتادي الميديا عبر النقاشات سيما الهجوم الأخير بأن ثمة أيادي خفية ذات غرض بالتعاون مع واحدة من الفصائل والعشائر باثيوبيا من تلك التي لا تتفق مع حكومتها حرضت على هذا الفعل لجملة أسباب منها إفشال اي تفاهمات وتقارب بين إثيوبيا والقائد “حميدتي” وإظهاره أمام الرأي العام بمظهر غير لائق عزز من هذه الفرضية زيارته الأخيرة لاثيوبيا ووقوع الهجوم في اليوم التالي من وصوله. أيضا إلهاء وإشغال “آبي أحمد“ بالمشاكل الداخلية والحدودية مع السودان بغية الضغط عليه فيما يخص مفاوضات السد، إلى جانب السودان حتى لا يقف في صف إثيوبيا.
بيد ان الراجح هو أن الخلافات الداخلية في الجارة إثيوبيا ألقت بظلالها على السودان والمثل الشعبي يقول (البتجي من السماء تتحملها الأرض). وما ينبغي أن يفهم وهو أقرب للحقيقة بأن الهجمات والتعديات ليست من قبل الجيش الإثيوبي، إنما مليشيات وقوات إقليم الامهرة والمؤسف ان الجيش الرسمي غير قادر على السيطرة عليهم لاعتبارات سياسية، حيث يرى مراقبون ومحللون ان “آبي أحمد” لا يريد أن يخسر حليفه الوحيد وسنده في الانتخابات القادمة التي كان مقرر لها أن تقام في شهر أغسطس القادم لكنها وبدعوى وباء (كورونا) اجلت لمدة عام ما اغضب القوميات والاحزاب المعارضة وعبروا عن ذلك بمظاهرات واحتجاجات تجري بين فينة وأخرى، هذا بخلاف المشاكل والصراعات الاثنية الأخرى.
والمعروف لدى الجميع الخلفيات التي يرتكز عليها ما يحدث ببلوغ “آبي” الذي ينتمي ل(اورمو) الأكثر تعدادا للحكم بتحالفه مع قومية ( الامهرا) عقب الاحتجاجات التي قادوها ضد (التقراي) وانتهت بإزاحة “ملس زناوي”. بيد انه وبعد هذا التحالف لم يقبل (الامهرا) بقسمة الثروة والسلطة، وترسخ لديهم اعتقاد ان “أحمد” إنما يعمل لصالح نفسه وقوميته ويتجاهلهم. وحيث ان اقليمهم مجاور لحدودنا وعاصمتهم (بحر دار)، إضافة لاعتقادهم الشعبي التأريخي بأن أراضيهم وحدودهم (حتى آخر شجرة في هجليج)، فضلا عن اعتقادهم الديني الراسخ لدى اليهود الفلاشا الاثيوبيين بأن أرض (الفشقة) هي أرض (الطور)، وفوق كل هذا وذاك نكاية في الرئيس “آبي احمد” وعلمهم بأنه لا يقوى على تحريك الجيش لمواجهتهم، وكنوع من الاستغلال والابتزاز ظلوا يوجهون اعتداءتهم المتكررة على الحدود السودانية.
صحيح ان السيد القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان” قام بزيارة مطلع أبريل المنصرم للحدود الإثيوبية عند منطقة (دوكة) ووعد المزارعين والمواطنين بحماية الجيش لهم والتصدي للهجمات وهو فعل مقدر وعظيم، لكن اعتقد ان لابد من حل جزري يرعوي هؤلاء من خلاله بأي من السبل المناسبة لأن الهجوم بات متكرر وفي اوقات متقاربة.