دمعة علي آخر الخيبات
.هاتفني عقيد معاش بالجيش،أحالته الإنقاذ باكرا إلي المعاش، وباغتني بأن لديه سؤال يريد أن يطرحه علي فتوقعته عن السياسة أو الاقتصاد أو سؤالا ناقدا للبشير فهذا شأنه كلما قرأ لي مقالا ، ولكن سعادة العقيد هذه المرة ارسل بالسؤال وكأنه يسقيني كأسا من الملح الصافي :- مهما أخطأ أبنك وتعدى علي إخوانه فهل تسمح لأحد من جيرانك بتوقيفه وتسليمه لجارك الآخر لتأديبه أيا كان هذا الجار برا أم فاجرا؟ صمت صديقي العقيد برهة وكأنه يعطى الملح فرصة التدلي بكامله في حلقى ثم عاد للصعق بالكهرباء .. ستسمح لهما في حالة واحدة ، إن كنت عاجزا خائبا ..ثم أغلق الهاتف وكأنه أغلق علي بئر سحيق
ـ وانا في بئري تلك تساءلت لماذا لم يؤلمنا ذهاب كوشيب إلي لاهاي؟ أم أنه حقا ( ما لجرح بميت إيلام ) ؟
ّـ كوشيب في لاهاي وكأنها المرة التى تقع فيها أقدام الجيش السودانى العريق والعتيق في الفخ بفعل أبنائه ،وكأن صراع المجموعات السياسية السودانية طيلة هذه العقود هو الوصول لهذه النقطة ،إخراج الجيش من منطقته الحيويه وشل تفكيره وجعله معلقا في قفص ( مساعد طبي) كشيب كلما هم بعملية لحفظ حدوده أو رد تمرد او سحق إختراق
ـ والجرح هذه المرة في القلب ولو أنه في الرأس كنت ضمدته لكنه في القلب لا في الرأس .
ـ والجيش السوداني الذى حملنا كل هذه العقود واحتمل خلافاتنا السطحيه والفكريه ، الحقيقيه والمفتعله. كل هذه السنوات فشلنا الآن في حمايته والخواجه في لاهاي يستعد لتلاوة قائمة الإتهامات الطويله والمعده بمكر ودهاء فماذا فعلت بنا ياكشيب؟ وماذا فعل بنا من يقف خلفك والطعنة النجلاء تخترق هيئة الأركان وهيئة القيادة إلي صف الضباط، الماضين والقائمين واللاحقين إلي مؤسسة القضاء السودانية والنائب العام، ووزارة العدل .
ـ أسقطت عنا القوامة فنحن الآن آمة عاجزة عن كتابة صحائف الإتهام ووزن البينات ورد الحقوق وكل هذا تقوم به نيابة عنا محكمة الفرنجة بعقد ربا لم نوقع عليه في لاهاي فلماذا تركت هذا البلد وعورته في الفضاء الفسيح والمايشتري يتفرج
ـ وهل تدرى ماهى قائمة الاتهامات يامسكين؟ إنها ستبدأ بالتحري عن محرقة الباشا اسماعيل في أرض الجعليين واين كان جدك يومها، وتمر بمهلكة هكس باشا في غابة شيكان ،وعن معركة اللواء الأبيض ،وفصيلة دم عبد الفضيل الماظ ، وكم يبلغ طول عبدالرحمن النجومى بالأقدام والسنتمترات ، عن انتصاراتنا في كرن ومعارك جبل بوما وصد معركة غزو الخرطوم، فكيف ستجيب أيها الشقي؟
ـ ان لاهاي لاتبحث عن ادانة شيخ طاعن في السن بغي علي أبناء عمومته حينا وبغوا عليه. أحيانا ولكنها تبحث عن ادانة جيش ظل يقاتل الفجار منذ منتصف القرن الثامن عشر دون أن ينكسر عوده ودون أن ينيشه الأعداء في ظهره وهو مدبر فأي قيد وضعته في قدميك أيها الغافل؟
ـ ومع كل هذا دعنا نسرب لك اسئلة المرافعه التى ستكتب في صحيفة الدفاع . وهي اسئلة مرسلة للتاريخ والجغرافيا والضمير والمنطق ، فأسألهم عن عصبة الدول التى كتبت ميثاق المحكمة الجنائية لماذا ‘(عورت) عين دارفور وجعلتها سوقا للسلاح الأعمى ، لماذا استباحت مافيا الأسلحه التى لها قول وفعل في (صعود الروؤساء في امريكا وأوربا) دارفور منذ حرب القذافي وحسين هبري وجعلت السلاح أرخص من التراب ؟ ومن الذى يريد ان يحول دارفور الي مزرعة كبيرة للبنقو؟ويحبس مياهها الجوفيه العذبة للضفادع والشقوق ؟ ومن الذى. كان يحشو طائرات الإغاثة بالسلاح والذخيرة وقليل من لبن البدرة الفاسد ولا حول ولاقوة إلا بالله ، اسألهم بعينين دامعتين وصدر يهزه النحيب من الذى أطلق شيطان الحرب في دارفور عشية توقيع نيفاشا ؟ ومن الذى يدفن الخنجر في النار الآن .. ليغرزه تحت كتفنا في الشرق وبغض النظر عن الحاكم في الخرطوم ؟ اسألهم في خطبة دفاعك عن قرية وادعة اسمها (أبو كرشولا ) كانت قرية خارج سجالات الحرب والاقتتال اجتاحتها قوات التمرد منطلقة من أراضي الدولة التى وقعت علي نيفاشا وبسلاح نقلته طائرات الإغاثة الدوليه فهل كان مطلوب من الجيش السودانى أن يضع يديه في جييه حتى ينال وسام الخصي والهوان ثم أين هم الذين اجتاحوا (أبو كرشولا) في ذلك الفجر الحزين لماذا لاتلاحقهم مذكرات التوقيف وأصابع الاتهام ام أن هذا الفتيل معد فقط بمواصفات الاحاطة بدبابير الجيش السودانى وجنوده وصقوره وأسيافه ونجومه ، ثم أسالهم لماذا ترعي مؤسسات المجتمع الدولي انقسامات الجيوش في العراق وليبيا واليمن وسوريا وافغانستان والسودان والصومال وماهو القاسم المشترك بين كل هذه الدول وحروباتها الداخليه ؟ وهل حقا العالم يشفق علي ضحايا هذه الحروب ام أنه فعليا يزيد اوارها بتقريب السلاح وتدريب كل من أعلن الخروج ؟
ـ اسألهم عسي أن يتأخر السيف عن العزل هذه المرة
ـ ولكن هل الذنب ذنبك وحدك ؟
. ونحن منذ عقود ندخل الحرب بالعنوان الخاطئ ونجلس للتفاوض والسلام فنجلس في المقاعد الخاطئة .هكذا ظننا أن الجنوب يقاتل من اجل محاربة الفقر (وهو الأغنى) حتى إذا إنفصل وأخذ موارده وذهب ترنح كل السودان من خلفه واكتشفنا أننا بلاموارد وأننا الاشقي والأفقر، والخواجة يضع فمه في كمه ويضحك ثم يمسك دارفور ويعلقها في الشنكل ونحن .. نعد المشرفية والعوالي ثم نسلمها في لاهاي
ـ عزيزى كشيب أنت الآن فى زنزانة أبي فراس الحمدانى الذى أسره الروم قبلك منذ عقود فهذا الشرك منصوب مذاك .. تلفت وأقرأ من أبيات قصيدته التى تركها تذكارا علي حائط السجن ثم نح حيث شئت
ـ مصابي جليل والعزاء جميل
وظنى بأن الله سوف يديل
جراح وأسر واشتياق وغربة
احمل إني بعدها لحمول
وإنى في هذا الصباح لصالح
ولكن خطبي في الظلام جليل
ومانال مني الأسر ماتريانه ولكننى دامى الجراح عليل
وأسر أقاسيه وليل نجومه
أري كل شئ غيرهن يزول
تطول بي الساعات وهي قصيرة
وفي كل دهرك لايسرك طول
تناساني الأصحاب إلا عصيبة
ستلحق بالأخرى غدا وتزول
ومن ذا الذى يبقي علي العهد إنهم
وإن كثرت دعواهم لقليل
أقلب طرفي لا أرى غير صاحب
يميل مع النعماء حيث تميل
وصرنا نرى أن المتارك محسن
وإن صديقا لا يضر ( خليل)
وليس زمانى غادر بي وحده
ولاصاحبي دون الرجال ملول
تصفحت اقوال الرجال فلم يكن
إلي غير شاك في الزمان وصول
فكل خليل هكذا غير منصف
وكل زمان بالكرام بخيل
ـ عزيزي كشيب .. أنت لم تستخر في البدايات ولم تستشر في النهايات ، اخترت العدو الخطأ والناصح الخطأ والقاضي الخطأ ( شكوى الجريح إلي الغربان والرخم ) .. ولو كنت فعلت لوضعت هذا البيت مسندا تحت رأسك ونمت
فإما حياة في فناه عزيزة
وإما ممات في ذراه جميل
إيييه ياكوشيب فأنت لم تحسن حتى اختيار المقبرة