في تبرير عجيب للغلاء الطاحن وانفلات الاسعار، وصف رئيس تجار الجملة بسوق ام درمان فتح الله حبيب الله هذا الانفلات بالطبيعي، اذ قال ان التاجر يحدد تسعيرته للسلعة بحسب السعر اليومي للدولار في السوق الموازي خوفا من تآكل رأس المال والخسارة، وكأني بهذا التاجر يجتهد ل(شرعنة الغلاء) واكسابه تبريرا اخلاقيا مستحيلا، ولكن بحسبة برمة ذاتها التي اجراها هذا التاجر، فالسلعة التي يرتفع سعرها مع الارتفاع اليومي للدولار لا تنخفض عنده في اليوم الذي ينخفض فيه سعر الدولار بل هي كل يوم في زيادة وارتفاع ، ولا يحسبن اهلي التجار انني متحامل عليهم، فأنا ابن تاجر وترعرعت في هذا الوسط، ولكن في النهاية لا يصح الا الصحيح رأفة بهذا الشعب المكلوم في نخبه وتجاره وسياسييه وعساكره، ولا نعمم فنقول الا من رحم ربي، وما قاله هذا التاجر هو تكتيك تجاري معروف لم ينفك التجار عن ممارسته ولن ينفكون، فالتاجر كما يقول عنه الفرنجة (Profit maximizer)، وبالعربى الفصيح هو معظم لأرباحه متى ما وجد الى ذلك سبيلا، ما تفرض عليه جباية من هنا إلا ومررها عبر جيب المستهلك بل وزاد فوقها كيل بعير، ليس ذلك فحسب بل حتى اصحاب السلع والخدمات المحلية جدا التي لا علاقة لها ابدا بالدولار لا من قريب أو بعيد، ارتفع الى عنان السماء أو انخفض الى الحضيض، تجدهم يجارون أيضا هذا التكتيك التجارى ويغالون فى اسعارهم تمشيا مع الموجة، مع اختلاف حجتهم مع حجة تاجر الاجمالي اعلاه، فهم لا يتحججون بالدولار مباشرة وانما بالسلع الاخرى التي يشترونها من السوق فـ(يجبرون الفرق فى سلعتهم)، فماسح الاحذية مثلا يزيد من سعر مسح جوز الحذاء كى يواكب الطفرات السعرية في احتياجاته الحياتية الأخرى، ولا تغيب عن الذاكرة حكاية بائع الأزيار الفخارية المصنوعة من الطين عندما وجد أن الأسواق قد تحررت من أي رقيب والأسعار من أي ضابط، لم يتخلف عن ركب الهوجة السعرية وزاد السعر بلا مبرر، وعندما سئل عن السبب لم يحر جواباً ورد ببديهة حاضرة وقال إجابته التي جرت مثلاً (هو في طين) وعلى ذلك قس..وهذا باختصار هو التكتيك السائد الذي يطبقه صاحب أي سلعة أو خدمة يبيعها للناس..
فماذا يترى سيفعل أصحاب الاجور والمرتبات من جمهرة المستهلكين الذين لا يملكون سلعة معروضة للبيع تمكنهم من ركوب الموجة حتى (يضاحوا) المسافة الفارقة جدا بين مرتباتهم في مارثون فورميلا الاسعار، فهولاء المغلوبين على أمرهم لا حيلة لهم ولا تكتيك سوى اعلان المقاطعة وتطبيق شعار (الغالى متروك)، ولعل ذلك كما جاء في الأنباء ما دفع بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم حملة لمقاطعة بعض المنتجات، حددوها مبدئيا في ثلاثة سلع تشمل البيض حتى يتراجع سعره إلى 150 جنيها للطبق الواحد، واللبن حتى يتراجع سعره إلى 25 جنيها للرطل الواحد، والدجاج حتى يتراجع سعره إلى حوالي 200 جنيه للكيلو للدجاجة متوسطة الحجم، واجدني على كامل الاتفاق مع هؤلاء الناشطين باعتبار المقاطعة ثقافة وممارسة شعبية جمعية مطلوبة لاستنهاض روح النفير لفعل الخيرات أو دفع الشرور، ولكن بعض التجارب السابقة لا تبشر بالنجاح المأمول..مع ملاحظة اخيرة هي اننا لم نأت على ذكر الحكومة في هذا السجال، وان كان لنا من (نكزة) لها فلن نزيد عن قولنا لها (اصحى يا بريش)..
الجريدة