همس الحروف _ (كش ملك) _ الباقر عبد القيوم علي
(كش ملك) أو (check mate) عبارة متعارف عليها في لعبة الأذكياء (الشطرنج) تم أخذها من مصطلحات اللغة الفارسية وهي (شاه مات) و هذه العبارة تعني أن الملك في خطر أو في وضع سيئ للغاية يتوجب على اللاعب إنقاذه ، و كلمة “مات” ليست بالضرورة تعني الموت كما يتم تعريفها في اللغة العربية ، و لكنها تعنى في اللغة الفارسية الانهيار و الدمار الذي يسبق الموت … ويعتبر إطلاق هذه العبارة إنذار مبكر يحدد إحداثيات الخطوة التي تسبق الخطوة الأخيرة في هذه اللعبة التي تسمى بلعبة الأذكياء .. فإذا كان اللاعب محترفاً ويمتلك زمام أمره في التحرك بين تلك المربعات بفكرة مدروسة وبخطة محكمة، و قد نفذ كنان خصمه حتى وصل به الحال إلى محاصرتة .. و تم إنذارة بعبارة (كش ملك) .. ففي هذا الوضع يكون الملك مهدداً في الخطوة التي تليها إذا لم يحسن الخصم التصرف .. و لهذا يتحتم عليه أن يكون محور تفكيره الذي يسبق حركته هو إزالة هذا التهديد التي تعرض له الملك إما بتغيير موقعه أو بحمايته مستخدماً قطعة أخرى .. وغالباً عند هذه الحالات وبعد سماع هذا الإنذار الخطير الذي يفزع سكون الخصم الذي يتوجب عليه عمل كل المستحيل و الممكن لتدارك هذا الخطر .. وإن كلفه ذلك تضحية غالية بقطعة ثمينة ليقطع بها مسار جهة التهديد التي تمثل نهاية اللعبة .. فإذا عجز الخصم عن حماية الملك و اصبحت كل الخطوات غير ممكنة فعندها تنتهي اللعبة ويعلن موت الملك و إنتصار من قام بالتهديد
لا شك أن الشعب السوداني و منذ فترة الديمقراطية التي أعقبت نظام النميري وحتى الآن يبدو و كأنه غائب الذهن عما ستؤول إليه الأحوال (كما قال السيد الصادق المهدي أن الخرطوم مدينة مسطولة) و التي كانت تسوء تدريجياً يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام .. فحينما أتت الإنقاذ على الدبابة وحكمت السودان 30 عاماً ، و إستخدمت في هذه الفترة كل أدوات القمع المتاحة والغير متاحة و أعدمت بذلك كل مظاهر الحريات و معاني الإنسانية مع خصومها التقلدين وغيرهم دون أدنى مراعاة لحقوق الإنسان وكان ذلك وفق أدوات قمعية ظالمة كتلك التي راح ضحيتها رجل الأعمال الشاب مجدي و مساعد الطيار جرجس وكان ذلك في حقوقهم الشخصية إذ أنهم لم يتدخلوا في الشأن السياسي أبداً .. فكانت هذه هي حلول الإنقاذ الإقتصادية .. لم يكن لديها حلاً خلاف إستخدام الحلول الأمنية لإرهاب الخصم وظلت على هذا المنوال إلى آخر يوم من عمرها فلم تنفعها بوليسيتها عندما قرر الشعب التغيير لانه ضاق ذرعاً عندما توقف عنهم ذلك الشريان الذي كان يضخ الضروريات في حياة الشعب اليومية (قمح و وقود و دواء )
بعد الثورة تم تشكيل حكومة التكنوقراط ولكن كانت التركة عليها ثقيلة جداً و لهذا وقعت في نفس فخ الملف الإقتصادي الذي فشلت فيه الإنقاذ في آخر أيامها.. و لم تفلح في حل أي معضلة من معضلاته خلاف أنها إستطاعت أن تكسب ثقة الشعب في إقناعه بتجدبد الثقة في النظام المصرفي و قد إستطاعت وهذا يعتبر في حد ذاته عمل جبار
تم تشكيل (آلية عليا) لإدارة الأزمة الاقتصادية عقب مباحثات كثيرة في إجتماع طارئ مشترك ضم مجلسي السيادة والوزراء والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وتم إختيار سعادة الفريق أول محمد حمدان دقلو رئيساً لها لمعالجة الأزمات الإقتصادية التي يمر بها السودان وتعيين الدكتور حمدوك نائباً للرئيس
عكفت هذه اللجنة شهرين متتاليين و بعد ذلك ظهرت بكامل تكتوقراطها بقيادة الفريق أول دقلو نائب رئيس المجلس السيادي و نائبه سعادة الدكتور حمدوك و د مانيس و د البدوى و بقية الطاقم الإقتصادي في مؤتمر صحفي أعلن فيه أن ضبط قيمة الجنيه أمام العملات الحرة سوف يكون عبر القبضة الأمنية والشرطية والتي فشل فيها نظام الإنقاذ برغم أنه قام بإعدام شخصين لإرهاب بقية الشعب و برغم من ذلك فشلوا، لا سيما وان القبضة كانت حديدة أكثر من الآن .. و ما يدهشني أن اللجنة كلها من نائب رئيسها إلى أصغر فرد فيها من طاقمها يعلمون تمام العلم أن معالجة مشكلة إنهيار الجنيه أمام الدولار يرجع علمياً إلى ندرة العملات الصعبة بسبب تدني الانتاج والطلب الحكومي الزائد للعملة و أن الدولار يعتبر مخزن يخزن فيه المواطنون العملة المحلية للمحافظة عليها أمام التضخم .. و هم يعلمون تماماً أن الحلول الأمنية لا تقدم أي نفع لأنها فقط عبارة عن مسكنات قد تخفف من حدة الأزمة لحظياً ولكنها لن تفلح في معالجة المشكلة أبداً .. و كما كنا نرجو من هذا الطاقم المتخصص حلول اقتصادية بحتة و ليس بوليسية بحيث يتم ذلك وفق المعايير الإقتصادية التي تحديد سعر صرف العملات الحرة مقابل الجنيه بإعتمادهم على آلية السوق المتمثلة في مسألة الطلب والعرض
سيدي رئيس الحكومة الإنتقالية د حمدوك : أن السيل قد بلغ الزبى وأن الأمر قد بات شديد الصعوبة على الشعب .. و أن المواطن قد حار به الدليل وسرحت الأسعار بأسواقها بدون رسن وتاه الشعب في دهاليزها مابين شح إنتاج الكهرباء و غلاء الأسعار و جنون قطاع النقل و إرتفاع أسعار المحروقات إلى 5 أضعاف الشيئ الذي إرتفع معه كل شيئ و كذلك إنعدام الدواء و رجوع الجباية المسعورة كما كانت في السابق وبل أسو ، ولقد بان ذلك من خلال حملات شرطة المرور الجائرة في هذه الأيام و التي لا تعرف الرحمة البته تجاه المواطنين الذين أنهكهم الحظر .. و حالة السيولة الأمنية وإرتفاع معدلات الجريمة بسبب الجوع .. و تدني الخدمات الصحية في كل المرافق .. سيدي الرئيس إني أرجو أن تتدارك هذا الفشل في ما تبقى من أيام للحظر قبل نزول الناس إلى أعمالها وفتح الجامعات والمدارسوبكون ذلك بجدية تامة و بعلم مدروس .. و كما أرجو ألا تعتمد على القبضة الأمنية أو الخطاب البوليسي الذي لن يرعب إلا العارفين بخبايا الإقتصاد لأن هذا الخطاب سوف يقتل فيهم بصيص الأمل الموجود عندهم و سوف يضعف إيمانهم في ثورتهم التي عجزت عن حل الضائقة المعيشية عبر طاقم التكنوقراط .. سيدي إن لم يكن في جعبتك غير هذا الحل الذي يعرف بحل البصيرة أم حمد فإني لك من الناصحين وأقول لك : (كش ملك)