مناظير _ وماذا بعد كوشيب ؟! _ زهير السراج
لا يختلف (على كوشيب) لونا وشكلا عن ضحاياه في دارفور، بل هو نسيج التمازج السوداني الذي لا تخلو منه اسرة، وإذا طالت التهمة على عثمان محمد طه أو البرهان أو عبد الرحيم محمد حسين فكل هؤلاء لن يختلفوا عن (كوشيب)، فالملامح ذاتها والدماء نفسها تجري في شرايينهم ولا يمكن أن يزعم أي منهم صفاء عرقه، عربيا كان أو زنجيا!
إذن خلف هذه النزعة الشريرة للقتل دافع اخر ولا نقول الدين أبدا، ولكن للأيديولوجيا المتدثرة بالدين أكبر الأثر في توهم أولئك السفاحين أنهم يتقربون لله زلفى بقتل الناس وتدمير الحياة بشكل منهجي، وما جرى في دارفور يبرهن على ذلك .. فمثلا كوشيب وجماعته كانوا يقتلون دونما تمييز بين المرأة الحبلى والصبي الرضيع والشاب النضير والشيخ البالغ من العمر عتيا، فضلا عن الإغتصاب .. والطرفان يقولان لا اله الا الله بل أن القتلة كانوا يهللون ويكبرون!!
لم يقفوا عند ذلك بل قطعوا الأشجار المثمرة وبتروها بترا، أما الغابات الطبيعية فقد عمدوا إلى إحراقها ولم تسلم ابار المياه فقد تم تسميمها وتم رمي الجثث فيها لجعلها غير صالحة.. أي تدمير هذا !
وما يؤسف له أن هذه الجرائم المركبة تمت باسم حكومة السودان، حتى أن احدى الصحفيات الأمريكيات اقترحت نقل هؤلاء الضحايا إلى أي مكان أمن في العالم طالما عجزت الإنسانية عن حمايتهم في وطنهم بعد أن هالها منظر تلك الفظائع 2004م.
مسئولية الحكومة السودانية خلال النظام البائد عن الجرائم كاملة وشاملة، فهي من أعطت الضوء الأخضر لارتكابها بالسلاح والمال والعتاد، والأهم بالغطاء السياسي مما جعل المجرمين في مأمن.
تساؤل ظل يقلقني وتزداد حيرتي معه، وهو أن كل هذه الجرائم لم تهزنا نحن مواطني السودان بل نزع بعضنا إلى كلام فارغ باتهام أهل دارفور بالتحدث دون روية عن الاغتصاب كأنهم لا يخشون العار على بناتهم….حتى أن كبيرهم المعزول ذهب إلى مقولته اللئيمة تلك التي رواها شيخه في العلن، بأن اغتصاب نساء دارفور بواسطة من اغتصبوهن هو شرف لهن .. الحديث ليس عن الاغتصاب كجريمة فقط، ولكن كونه صار نوعا من العقاب الجماعي والاهانة تحت بصر ورعاية الحكومة الإسلاموية في الخرطوم.. الحكومة التي تدعى تطبيق الدين وشرع الله!
لم يتناول أي منبر هذه الجرائم .. القضاة الساسة المحامون الباحثون، كلنا اثرنا السلامة ولم يصدر إلا هتاف خجول أثناء المظاهرات سرعان ما انكشف زيفه في تسجيلات وسائط التواصل الاجتماعي!
السودان الماثل أمامنا اليوم غير قابل للحياة واستدامة البقاء والتطور الطبيعي مهما أبقيناه في الإنعاش .. دولة لا تملك ذاكرة التوثيق والتدوين، وأتساءل ما هو الانطباع الذى سيخرج به أي متابع للحالة السودانية حيث الحديث عن مئات الالاف من القتلى وملايين المشردين والاف البساتين المحروقة والمدمرة والاف مؤلفة من المواشي المسروقة لم تنجح الحكومة السودانية ولا مرة واحدة في استردادها أو إعادة تأهيل ما دُمر منها .. طبعا الموتى لا يعودون للحياة، ولكن المجرمين مازالوا مقيمين بيننا طلقاء أحرار .. وأعيد التساؤل بشكل اخر ومرة أخرى، ما الذى يغرى بالبقاء في هذه الدولة البائسة؟!
هل سيستيقظ ضمير (كوشيب) بعد استسلامه واعتقاله شأنه شأن بعض القتلة المأجورين وهم يواجهون مصيرهم، هل سيبوح بكل ما ظل يضمره سنين عددا .. ويوحد جبهة الداعين لعدم التعامل مع الجنائية خوفا على أنفسهم التي يؤثرونها على بقاء الوطن متماسكا موحدا؟
هل سيتوحد البرهان مع البشير وعلي عثمان والصادق المهدي، ونعيد تشكيل أولاد البحر واولاد الغرب مرة أخرى، أم ستمضى النخب والأحزاب بعد سقوط الإسلامويين إلى نهاية الخط، وتعمل على سن قوانين تساوي بين الجميع أم تظل القوانين تميز بين أولئك وهؤلاء، وأذكركم بأن الفكر الإسلاموي لم يمارس القتل والإبادة في دارفور فقط وإنما في جبال النوبة والنيل الأزرق والشرق والعديد من مناحي السودان، فهل سيجد هؤلاء الإنصاف في وطنهم أم يجب أن يتدخل الأجانب مرة اخرى ومرات لكى يشعروا بانهم آمنون في وطنهم من عداء بني وطنهم؟!
كوجاك إيل
مواطن سوداني
الجريدة