متى يرفع حمدوك الراية البيضاء؟ _ حسين خوجلي
١/ لأول مرة في تاريخ السودان الحديث يرى السودانيون (مجاعة سنة سته) تمشي على ساقين ويرون مكيال (عيش القبضه) ويدركون معنى اللغوي للكفاف والمعنى الشعبي لاقتسام (النبقه).
ولأول مرة يشاهد السودانيون فريق الدولار الامريكي وهو يتغلب على فريق الجنيه السوداني المتواضع الأداء بمائة وخمسين نقطة في العدو والوثب العالي، ويمسك العالم أنفاسه عن نتيجة مباراة الرد القادمة.
٢/ ولأول مرة تصبح مهمة الطبيب الوطني المنزوع السلاح هي البكاء والنشيج على صدر مريضه المنزوع الارادة، وتصبح آخر كلمات المحتضر
غدار دموعك ما بتفيد
لزول (كلاهو) اتحجرت
٣/ ولأول مرة يشاهد السودانيون بقية عقابيل حملة توشكي والقائد المغلوب على أمره عبد الرحمن النجومي يتقهقر بالعالقين من أسوان إلى شلاتين ومناضلي الانتقالية (فرّاجة).
٤/ ولأول مرة يشاهد السودانيون رئيسهم وهو يعلق القانون المدني والجنائي لصالح محاكم (العمد) البلشفية للتنكيل والاستبداد على الخصوم والمعارضين.
٥/ ولأول مرة يُفجع السودانيون في معتقدهم على رؤوس الأشهاد ودهشة الأغلبية فيصبح أغلب القرآن عند القراي غير صالح لإنسانية القرن العشرين ومن بعد الألفية الثالثة، ويصبح ربهم الأعلى (الإنسان الكامل) وتصبح رسالتهم هي الرسالة الثانية وتصبح عبادتهم في الصوم والصلاة طلاسم غير مرئية وحركات غير مفهومة
٦/ ولأول مرة سيشاهد السودانيون المستعمر يٌطلب، والغاصب يستدعى، والصليبي يُستفتى. ولأول مرة تستقبل أم درمان الأوباش بأكاليل الغار وتسجد حافية تحت اقدام كتشنر الجديد.
٧/ ولأول مرة في تاريخ السودان تستبدل آداب المعاملات الثوابت بحقوق الإنسان الصهيونية العوابر، ومكارم الأخلاق والعفاف باتفاقية سيداو المعادية للأديان، ويسود ذوق الأزياء بخلع الثوب السوداني الساتر والحجاب لصالح التعري والسفور.
٨/ ولأول مرة في تاريخ السودان يحكم على الثقافة الحية والخالدة بعقوبة (ستموت في العشرين)، ولأول مرة في تاريخ الفن الراقي تعاقب الكلمات الشفيفة والأغنيات المرفرفه بعقاب الأشعار السراب وأغنيات الراب العابثة.
٩/ ولأول مرة في تاريخ السودان تفتح زنازين الاعتقال للإمام المهدي والشهيد ود تورشين والسلطان تاج الدين وعبد القادر ود حبوبة والفكي علي الميراوي وأبو المجاهدين عثمان دقنة وعلي عبد اللطيف وعبد الفضيل ألماظ وأحمد القرشي طه وعلي عبد الفتاح ودكتور بابكر انتظارا لأحكام التجاهل وفرض النسيان والتغييب.
١٠/ ولأول مرة في تاريخ السودان تصبح حاكمية الدين تخلفا وتحكيم العلمانية تحضرا، وإشاعة الاستبداد عدالة، وظلم الخصوم والمعارضين ثورية.
١١/ ولأول مرة في تاريخ العلاقات الدولية يشهد السودانيون الضحية وهي تتضرع للجاني وأن المظلوم يدفع أتاوة الظالم، ويبذل المقهور دمه لتعويضات القتلى المغدورين بأيدي الشيطان الأكبر والاستعمار الامريكي القذر.
١٢/ ولأول مرة يصبح ذبح الضحية بالمدية الصدئة عدالة دولية، ويصبح صراخ المظلوم تحت جراح السفاكين جرما يستحق الإعدام. وتظل محكمة الجنايات الدولية مقصورة على عواصم الضعفاء، وقاصرة عن نيل عواصم الأقوياء المستبدين.
وأخيرا لم يبقى لهذا الشعب الأسير والجائع والمريض واليائس إلا أن يطلقها بمنتهى الجرأة والصراحة بأنه ما عاد يطيق مزيدا من الضحايا والشهداء، فقط يريد أن يخرج عليه رئيس وزراء القحاطة باعتراف صريح يِعلنُ فيه الميقات والمدى الذي يطلبه من الشعب حتى يرفع الراية البيضاء.