كنا نظن انه وعقب إنجلاء الثورة التي توجت بالتغيير والإطاحة بالنظام السابق، ومن ثم تشكيل الحكومة التنفيذية ان يسير الوضع ووتيرة الحكم كيفما اتفق، وان يضطلع كل بدوره ومهامه وفقأ للصلاحيات المطلقة التي منحت له (طبعا بالتشاور والرجوع للجهات العليا)، وأن ينتهي دور الثوار بنهاية هذا التشكيل الذي أجري على يديهم وبمشاركتهم للأختيار ثم يتنحوا بعيدا ويكتفوا بالمراقبة والتدخل مجددا ان استدعى الأمر لاحقا. لكن ما حدث هو أن الحكومة وجدت نفسها واقعة تماما تحت تأثير إبتزاز الشارع _ أعني شارع الثورة _ وان قدر لها وقالت (بغم) يتم تذكيرها فورا بأن الشارع هو من أتى بها وقادر على إزاحتها لذلك فقد خضعوا كليا لهم واسلموهم مقاليد الرأي وهم بعد (زغب سياسة) وباتوا يأتمروا بأمرهم لا بل انبروا لفعل كل ما من شأنه جلب الرضا لهم وخطب ودهم حتى وان استدعى ذلك مخالفة الأعراف الإدارية والقوانين والشرع، وليتهم مع كل ذلك نالوا الرضا! بل كان حليفهم السخط واللعن والسبب والتهديد والخروج عليهم. وكم هو صادم المقطع الذي تم تداوله أمس ووزير ديوان الحكم والي ولاية الخرطوم المكلف الأستاذ (يوسف الضي) يخرج من اجتماع له مع لجان المقاومة تشيعه لعناتهم وهتافاتهم الفجة مع المطالبة بسقوطه وهو ما لم يحدث طيلة الحقب الفائتة لشخصية قيادية اعتبارية لها وزنها.
ما يهم في كل ذلك انه ومن اسف أن العدالة التي تذبح صباح كل يوم جديد وعلى رؤوس الأشهاد اضحت واحدة من أدوات الاستمالة وكسب الرضا وإظهار البطولة، كيف لا وفي كل يوم جديد نفاجأ بقانون جديد يخول لصاحبه فعل كل ما يريد في ظل غياب المجلس التشريعي ودونكم ما تقوم به لجنة التمكين التي وبطريقة أو بأخرى حلت محل (جهاز الأمن) السابق الجهاز الذي قلصت صلاحياته لتنحصر في التخابر مع بعض الصلاحيات القديمة ليس بينها الإعتقال وهو لعمري قرار صائب لكن ما حدث هو إعادة ذات النهج وبصورة ابشع من ذي قبل بترويع الصحفيين وتهديدهم وسن قانون باعتقالهم لعشر سنوات ما أدى لتدخل عدد من الكيانات والأجسام الصحفية الدولية وهي تستهجن وتدين.
بل يبدو أن دولة العدالة شعار الثورة شوهت بطريقة بشعة والعدالة تسيس لصالح غبن سياسي وحزبي لا يعني الشارع العام في شيء والا فكيف يحبس قادة النظام السابق لأكثر من سنة دون محاكمات أو إطلاق سراحهم وان كان ذلك من أجل إظهار بطولة النائب العام أمام الشارع بأن هانذا انتقمت لكم منهم وتركتهم هكذا يعانوا الأمرين بلا محاكمة وصفق له بعض سابلة الوسائط بينما العقلاء من الشركاء مستاءون بما فيهم قانونيون عظام أمثال مولانا “عبدالقادر الحبر”، بالمقابل فاليعلم انه بذا إنما يخسر الكثير فمن جهة وان ظل الحال كما هو عليه فمن المؤكد وحال انتهاء الفترة الإنتقالية (ان اكملت مدتها) فسيخرج هؤلاء لان ليس هنالك ما يدينهم، ومن جهة فإن حبسهم هكذا وما تعرضوا له من أمراض خطيرة وغيره، فضلا عن استخدام الكيزان كفزاعة لتعليق اي فشل استفزهم وهو ما أكده نائب رئيس السيادي الفريق أول “محمد حمدان دقلو” بأن اتفاقهم مع الإسلاميين ان لا يسببوا ازعاجا ووافقوا كما وافقوا على محاكمة المفسدين لكن هذا ما لم يحدث، حبس عشوائي بلا محاكمات وتحرش واضح بهم ما جعلهم يناوشون في وضح النهار مضافا اليهم المتمردون على كافة الأوضاع من لدن الثورة نفسها وبذأ اضحت الحكومة كالمنبت لا أرضا قطعت ولا ظهرا ابقت.
الشعب يا سيادة النائب العام يتوق لمحاكمة المفسدين واستعادة ما نهب من أموال الشعب لكن حتى الآن نسمع جعجعة ولا نرى طحينا وكل ما يحدث (زوبعة في فنجان) . فضلا جدوا في عملكم حاكموا المعتقلين أو أطلقوا سراحهم، واكشفوا نتائج فض الاعتصام التي صارات ك(حجوة أم ضبيبينة).