مناظير _ الأمر جلل !! _ زهير السراج
قد يبدو مفهوما غياب الأعضاء العسكريين في مجلس السيادة عن الوقفة الرمزية لأعضاء المجلس أمام القصر الجمهوري في الثالث من يونيو الجاري بمناسبة مرور عام على جريمة فض الاعتصام، باعتبار أن غالبية الشعب توجه لهم اصابع الاتهام بارتكابها خلال فترة حكمهم للبلاد بواسطة المجلس العسكري بعد سقوط النظام البائد، وكلنا نذكر ذلك المؤتمر الصحفي الشهير الذى اعترف فيه احد قادة ذلك المجلس بإعطاء الاوامر بفض الاعتصام قبل ان يُعدل حديثه بان المقصود كان مداهمة منطقة (كولومبيا) التي يتمركز فيها بعض المتفلتين ومرتادي الاجرام، وليس ميدان الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة الذى تقع منطقة كولومبيا على مقربة منه، إلا أن بعض القوات تجاوزت الاوامر ودخلت ميدان الاعتصام و (حدس ما حدس) ـ حدث ما حدث ــ من مقتل واصابة واغتصاب وفقدان المئات من المعتصمين في كارثة انسانية وجريمة بشعة أدانها العالم كله!
ولكن من الغريب ان يغيب عن المؤتمر الصحفي للجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد الذى انعقد امس رئيس اللجنة، عضو المجلس السيادي وعضو المجلس العسكري السابق الفريق (ياسر العطا) الذى شكل حضورا افتراضيا في المؤتمرات السابقة بتوقيعه على القرارات الصادرة من اللجنة باعتباره رئيسها، إلا أن القرارات التي اُعلنت في مؤتمر الأمس (2020 /6 / 9 ) حملت توقيع عضو مجلس السيادة والرئيس المناوب للجنة (محمد الفكي سليمان) بدلا عن توقيعه كما جرت العادة، مما يجعلنا نتساءل عن السبب وترجيح وجود خلاف، رغم حرص كل اعضاء اللجنة الذين تحدثوا في المؤتمر على التأكيد بأنها تعمل بوفاق وانسجام بدون أن يسألهم أحد، وهو ما يزيد الشكوك بأن (غياب العطا) ناجم عن وجود خلاف، ولكن هل هو خلاف يخصه وحده فقط أم يشمل كل الأعضاء العسكريين في مجلس السيادة، خاصة مع الاخبار التي ترد كل حين عن زيادة حدة الخلافات بين العسكريين والمدنيين في السلطة الانتقالية حول الكثير من القضايا، وبين بعضهم البعض!
أشير هنا الى الحوار التلفزيوني لنائب رئيس المجلس السيادي، قائد قوات الدعم السريع ورئيس اللجنة الاقتصادية ورئيس الوفد الحكومي في مفاوضات السلام ونائب رئيس المجلس العسكري السابق الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتى) مع قناة (اس 24 ) قبل اسبوعين الذى عبَّر فيه عن غضبه إزاء الكثير من القضايا منها على سبيل المثال عدم تقديم قادة النظام البائد الى المحاكم رغم المدة الطويلة التي مكثوها في السجن، وتساؤلاته عن مصير الاموال الضخمة التي اودعت في بنك السودان بعد سقوط النظام البائد، واتهاماته للبعض بافتعال صراعات قبلية مسلحة في الاطراف لإبعاد قوات الدعم السريع من العاصمة والمدن الكبرى بغرض إحداث فوضى في البلاد، وهو ما يدل على وجود خلافات حادة رغم الجهود التي يبذلها الدكتور حمدوك لرأب الصدع وتصريحاته المتكررة عن تفرد نظام الحكم بصيغة التحالف القائمة بين العسكريين والمدنيين!
بل إن الموقف الأخير الغريب للمجلس السيادي الذى يسيطر عليه العسكريون إزاء قراري مجلس الأمن بالتجديد لبعثة اليونيميد في دارفور والموافقة على طلب الحكومة بإرسال بعثة دولية للسودان للمساعدة في تحقيق اهداف المرحلة الانتقالية، بالموافقة على القرارين والتحفظ عليهما في الوقت نفسه ــ وهو أمر أشبه بـ(المطاعنات أو المغارز) التي تلجأ إليها بعض النسوة والفتيات للإدلاء برايهن في موضوع بحيث يصعب على المستمع ان يدرك هل هن راضيات عنه ام غاضبات ــ يجعل أي شخص مهما كانت بساطته يدرك حجم الخلاف بين مكونات السلطة الانتقالية والطريق المسدود الذى وصلت إليه المرحلة الانتقالية التي تحتاج الى معجزة حقيقية لتجاوزها بسلام، خاصة مع انتظار الجميع لتقرير لجنة التحقيق في جريمة فض الاعتصام الذى ربما قاد الى ثورة شعبية عارمة، أو الى تغيير جذري في جوهر وشكل السلطة الانتقالية بمكونيها العسكري والمدني حسب النتيجة التي يصل إليها التحقيق، وفى الحالتين فإن الأمر جلل !
الجريدة