تحاشيت قدر الامكان الكتابة عن ذكرى فض الاعتصام ..كنت اعتقد انني بذلك اجنب نفسي بعض الألم ..حاولت واجتهدت ..لكني فشلت ..لاحقتني الصور والذكريات ..واقضت نومي ابتسامات محجوب ورفاقه الأطهار (لماذا كانوا جميعهم يبتسمون ؟ بلا استثناء؟)..طاردتني تلك الوجوه الصغيرة الممتلئة املا …قلت في نفسي ربما كانوا يبتسمون لأنهم مازالوا شباب ..كانوا ينظرون الى الأفق وفي مخيلتهم الكثير من الاماني الجميلة ..كانوا يحلمون بذلك الغد الذي لم يأت ابدا.
لكني وجدت سببا آخر للابتسامة ..كانوا جميعهم واثقين بان ما قدموه لن يذهب هدرا ..وأن دماءهم الطاهرة الزكية لن تصير مجرد ذكرى ..يجتمع فيها القوم ليذكروا محاسنهم ويتغنى المغنى بعدد من الأغنيات ومن ثم ينفض سامرهم ..هل كنا على قدر تلك الثقة ؟ ..هاهو العام ينصرم دون ان يتم تقديم اي شخص للمحاكمة ..حتى هذه اللحظة ..محاكمة شنو ؟!!..حتى تاريخه لم تعلن اللجنة عن (الفاعل) والذي يرمز له بضمير مستتر تقديره (هو).
في بلاد العم سام ..فيديو واحد كان كفيلا باقالة أربعة من أفراد الشرطة وتقديمهم الى المحكمة في غضون اسبوع لتحكم عليهم جميعا بالقتل العمد من الدرجة الثانية ..اسبوع واحد فقط كان كافيا ..فما بال الايام والاسابيع والشهور تترى ..واللجنة المنوط بها الكشف عن احداث ليلة الثالث من يوليو ..لا تحرك ساكنا؟ ..ما الذي ينقصهم ؟ شهادة شهود ؟ افلام فيديو ؟ تسجيلات صوتية ؟ صور ثابتة ؟ ..لا اعتقد ..فالاسافير تضج كل يوم بالفيديوهات والصور والتسجيلات والذكريات المؤلمة …شهادات تدين جهات واشخاص بعينهم ..فما الذي ينتظره النائب العام لكي يقوم بتوجيه الاتهام لهم ؟
هل يظن البعض ان الناس ستنسى ماحدث بمرور الأيام ؟ لو حدث ذلك .. ..هل سينسى ذوي الشهداء ؟ هل ستنام ام قصي ؟ والدة محجوب ؟ ام بابكر ؟..والدة مطر ؟هل ستغمض اجفان الفتيات المغتصبات ؟ هل ستجف دموع الآباء والاخوة ؟ هل يخبو ذكرى المفقودين ؟ الم يكن في مشهد اخ الشهيد احمد الخير ..وهو يبكي فرحا بحكم القصاص على قتلة اخيه ..الم يكن ذلك المشهد كافيا لكي يعرف الكل ان ليس كل الآلام يمكن تجاوزها؟ ..وان عبارة (قديم الجرح يغري بالتناسي) لا تنطبق هنا ؟
لحظة القصاص تنتظرها اسر الشهداء منذ ذلك اليوم المشؤوم ..وسيدفعون الغالي والنفيس من مال وجهد ووقت لكي تعلق المشانق في رقاب الذين غدروا وقتلوا الصائمين العزل ..حينها فقط ستشفى صدورهم وستنام أعينهم ..حينها فقط نستطيع ان نرفع اعيننا في وجوه الشهداء ونرد على تلك الابتسامة الواثقة بمثلها ..فقد كنا على العهد كما كانوا ينتظرون منا ..
القصاص ..ولا شئ غيره ..
فالدم قصاصو الدم
ما بنقبل الدية
صحيفة الجريدة