ما يتميز المجتمع السوداني بصفة خاصة دون غيره من المجتمعات هو أنه يعتبر مجتمع ذكوري من الدرجة الأولى وذلك لأن الرجل يستطيع أن يتدخل في جميع ما يتعلق بشؤون النساء فيما يمس الحريات على كل مستويات و درجات علاقة الرجال بهن إبتداءً من الأم ومروراً بالأخت ثم الزوجة ثم البنت وما يساعد في ذلك هو سيطرة العقل الذكوري السوداني التي جعلت المجتمع يسن كثير من القوانين واللوائح التنظيمية التي تؤيد تلك الفكرة .. ومثال لذلك أن الأم لا تقدر على إستخراج جوازات سفر لأبنائها وكما لا تستطيع المرأة على كل مستوياتها و درجاتها من أن تطلب لنفسها تأشيرة خروج دون الرجوع إلى وليها من والد أو زوج أو أخ .. فإذا سلمنا بتدخل الشرع في كراهة سفرها بدون ولي أو محرم و لا نريد أن نخالف الشارع في ذلك .. ولكن ما هو ذنب الام التي تريد فقط أن تجدد جوازات سفر أبنائها وهي صاحبة حق أصيل مع زوجها في بنوتهم .. و لكن برغم ذلك فإنها لن تستطع من ذلك نهاهيك عن إستخراج جوازات جديدة لهم أو أذونات أو تأشيرات سفر*
و قس علي ذلك ما يتمتع به موظف الدولة من امتيازات وظيفية تجعله أن يتفوق تفوقاً نسبياً على بقية أفراد هذا الشعب بمختلف المهن التي يمتهنونها ، ومن ثم حق لهذه الشريحة الحكومية أن تتسيد على بقية الشعب لأنها لا تتأثر بالإسقاطات السالبة الناتجة من أي قرار يتم إتخاذه من الدولة ، و هو عادة ما تخدمهم كثير من القوانين و اللوائح المنظمة للعمل ومثال لذلك ما أثبته قرار الحظر بسبب جائحة كرونا لأنهم هم أصحاب القرار .. و هم الجهة المسؤولة عن تحديد زمن الحظر وفترته، إن طالت أو قصرت .. و هؤلاء الموظفون يتسيدون على زمام الأمور ولا يشعرون بألم أحد غيرهم .. لأن شريحتهم لا تتأثر بسلبيات هذا الحظر ويعتبر بالنسبة لهم نوع من أنواع كسر الروتين وإجازة تكاد أن تكون ترفيهية بكامل مخصصاتها و إمتيازاتها الوظيفية من رواتب وبدلات .. ولهذا ليس لديهم الإحساس الذي يجعلهم يحسون بحجم الدمار الذي أحدثه هذا القرار الأرعن في حق القطاع الخاص و موظفيه .. والذي سوف يخرج به معظم موظفي القطاع الخاص من سوق العمل وذلك لخروج كثير من مؤسساتهم التي يعملون بها من سوق العمل لفداحة الخسائر التي تعرضوا لها بسبب هذا القرار .. أما شريحة موظفي الدولة فهي تجلس في منازلها بكامل مخصصاتها وشريحة موظفي القطاع الخاص معظمهم يجلسون بدون أي مخصصات مادية .. وقليل منهم تتحمل بعض مؤسسات القطاع الخاص عنهم جزء يسير من رواتبهم بدون أي إمتيازات أو بدلات
المصيبة الكبرى التي لن يتخيلها متخذي هذا القرار هو تراكم الإلتزامات المالية على كل شريحة هذا القطاع وأكثرها إزعاجاً هي بدل القيمة الإيجارية .. فإن معظم مقار مؤسسات القطاع الخاص مستأجرة وأغلبها نظير قيمة إيجارية عالية تراكمت عليهم الإلتزامات لتوقف الإنتاج بسبب هذا القرار الذي لم يدرس دراسة وافية قبل الخوض فيه.. و لأن من قام بإتخاذه لا يهمه ما يحدث لغيره على قول المثل الشعبي (جلداً ما جلدك جر فوقه الشوك) أو على قياس فعل القوة المرابطة بنقطة إرتكاز أبوحمامة التي قامت بقتل صاحب الركشة لخوفها عليه من موته بالكرونا .. وكل تلك الأفعال تتم بهذه الإحداثيات العجيبة لأن المجتمع تتحكم فيه شريحة القطاع الحكومي التي يعتبر إليها هذا القرار عبارة عن رحلة ترفيهية*
هنالك أزمة حقيقية تبحث عن علاج سوف تكلف الدولة كثيراً إذا تم إهمالها.. وسوف تضج بها المحاكم بعد رفع هذا الحظر إذا لم تبحث الدولة من الآن في حلها وتقريب المسافات بين المتخاصمين قبل وقوع الفأس على الرأس
فهنالك آلاف من الشعب عاجزون عن دفع إيجارات عقاراتهم بسبب تراكمها عليهم وهنالك آلاف من أفراد هذا الشعب قد قاموا بإستجار سيارات وركشات يترزقون من ريع إنتاجها وعملها وهنالك آلاف من الشركات والمحال التجارية عاجزة تماماً عن دفع القيمة الإيجارية العالية لمؤسساتهم .. وهنالك آلاف من العمال الذين يعملون بنظير اليومية أو بالإنتاج قد تراكمت عليهم الإلتزامات المالية التي لن يقدر أحد منهم على تداركها مهما كان الفرد ماهراً في إستحداث مسببات الأرزاق وفوق كل ذلك يجب ألا ننسى أصحاب العقارات و الوسائل الذين ينتظرون هذه القيمة الإيجارية بفارق الصبر لحلحلة إلتزاماتهم المالية لان لمعظمهم مستحقات أقساط علي البنوك واجبة السداد ..
يجب علي الدولة وضع هذه المشاكل حيز الدراسة المستعجلة للوصول إلى حلول توافقية ترضى جميع الأطراف قبل فك الحظر .. وكذلك يجب على البنك المركزي إصدار قرارات للبنوك تتعلق بوقف إجراءات النقاط السوداء التي تتعلق بالشيكات المرتدة لعدم كفاية الرصيد والتي يتم بموجبها قفل الحسابات البنكية.. وكما ننتظر قراراً رشيداً من السيدة وزيرة التعليم العالي يتم بموجبه إعفاء جميع الطلاب الذين يسكنون بداخليات الصندوق القومي لرعاية الطلاب من القيمة الإجارية وخصوصاً الطلاب الذين يقيمون في المدن السكنية الحديثة التي تتبع للصندوق والتي تصل القيمة الإيجارية للسرير الواحد مبلغ فيها مبلغ 2500 جنيه أو يزيد .. ولانهم ليس لديهم ذنب في تراكم هذه المبالغ عليهم
و أما بالنسبة للدعم المباشر المزعوم من الحكومة أو الامم المتحدة لشريحة الأسر المتأثرة بقرار الحظر والتي يصعب تحديد المحتاجين لهذا الدعم إلا عن طريق ملتوي عبر وسطاء و سماسرة وطنيين في الأحياء على شاكلة بعض الفاسدين من اللجان الشعبية في العهد السابق ، وبرغم ذلك لم ينقطع عشم الشعب السوداني في صدق الحكومة و تصريحاتها التي فتقت به آذان الجميع .. وجميعهم لم يصلهم شيئ ولكن حسن ظنهم تجاه غيرهم الذي يحسبون به انهم إستفادوا من ذلك الدعم و ما أجمل حسن النية أن يظن المرء في ذلك العشم المعدوم وجميعهم لم يصلهم دعم برغم من أن الدعم خرج من وزارة المالية ولكنه ضل طريقه إليهم وأخشى ان يكون قد أصبح غازاً وتبخر أو على قول المثل (فص ملح و ذاب) أو قام بأكله فئران كبري كوبر أو نمل سكر المخازن*