خلط الزميل والكاتب الصحفي الكبير (حيدر المكاشفى) بين حرية التعبير كحق دستوري لأى مواطن سواء بالكلام او النشر او أية وسيلة مشروعة اخرى وبين القبض على الطيب مصطفى، ويبدو أنه لم يتأن ليعرف السبب الذى اقتيد به الطيب مصطفى الى الحراسة ولم يقرأ المقال الذى نشره على عموده وتخطى فيه حدود الاخلاق والمسؤولية المهنية التي تحتم عليه الا يشين سمعة احد وإلا وقع تحت طائلة القانون، بالإضافة الى ضرورة استخدام عبارات تليق بالنشر الصحفي وتحترم القارئ، يجوز ان تكون في منتهى الحدة، فلكل شخص أسلوبه، ولكن بدون الغوص في الإساءات والشتائم والعبارات المسيئة!
لا يمكن ان يترك الشخص (لأنه صحفي) ليشتم الناس ويسيئهم ويكتب ما يريد بدون أن تطاله يد القانون، وتعاقبه على الجرم الذى ارتكبه كأنه فوق القانون وفوق الجميع، يكتب ما يشاء وينجو بفعلته وجريمته وهو آمن على نفسه، وإلا صارت الصحف منابرا لتبادل الشتائم والاساءات ومواخيرا للتعريض بكرامة وشرف الناس، وعمت الفوضى والخراب وانهارت الاخلاق وانحط المجتمع!
بل يجب أن يحرص الصحفي على الابتعاد عن اللغة الجارحة والاسلوب القبيح والعبارات المنفرة حتى ولو لم يكن يعاقب عليها القانون، باعتباره مصدرا للمعرفة في مقام المعلم والمرشد وامام المسجد، لا بد ان يتخير لغته وعباراته ويكون القدوة الصالحة حتى تصل رسالته الى الناس بشكل صحيح، بعيدا عن الاسفاف والابتذال الذى يمكن ان يعادى به الآخرين ويؤثر سلبا عليهم من خلال المنبر الذى يطل منه عليهم كل حين وينقل إليهم ما يتوقون لمعرفته وفهمه وحل ألغازه!
كما خلط (حيدر) بين الحبس بحكم قضائي، وبين القبض على شخص بموجب أمر قبض يصدر من الجهة المختصة سواء الشرطة أو النيابة وهو امر مشروع قانونا في كل بلاد العالم إذا اشتكاه احد ورأت الجهة الرسمية أو من يمثلها أنه ارتكب فعلا يجرمه القانون يستوجب توجيه تهمة إليه والقبض عليه واتخاذ الإجراءات القانونية تجاهه حسبما ينص عليه القانون، بغض النظر عن الموقع الذى يشغله أو المهنة التي ينتمى، حتى لو كان أحد المتمتعين بأي نوع من الحصانات الدستورية او القانونية ، ولقد شاهدنا كيف أُرغم رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) وهو في منصبه على الخضوع للتحقيق أمام الشرطة والنيابة، وارغم مؤخرا على المثول أمام المحكمة بشخصه للرد على التهم الموجهة إليه، ولم يمنع من ذلك كونه رئيس الوزراء والحصانة الدستورية التي يتمتع بها .. هكذا يجب ان تكون العدالة والمساواة أمام القانون حقيقة واقعة، وليست مجرد شعارات جوفاء نرددها كالببغاوات وعندما نرتكب جرما نستنكر وندين تطبيق القانون علينا !
وخلط أيضا بين أمر القبض بناء على توجيه تهمة أو اتهامات معينة، وبين الاعتقال بدون توجيه تهمة وهو ما لا ينطبق على حالة الطيب مصطفى، ولا يعنى أمر القبض إدانة المتهم حسب القاعدة القانونية المعروفة (المتهم برئ حتى تثبت إدانته)، ولكنه إجراء قانوني طبيعي تتخذه السلطة المختصة إذا كان هنالك ما يستدعى ذلك، ومن الممكن جدا ان تبرئه المحكمة او تشطب النيابة التهم الموجهة ضده قبل أن تصل الى القضاء، وهى تفاصيل قانونية ليس هذا مجال الحديث عنها!
تحدث (حيدر) في مقاله عن تعهد رئيس الوزراء عند توليه المنصب بألا يتعرض صحفي في السودان الجديد للقمع والسجن، ومرة أخرى اقول بأن (حيدر) خلط بين السجن وبين القبض، وأساء فهم حديث رئيس الوزراء!
حتى حديثه عن الصحفيتين اللتين تعرضتا للاعتقال والتهديد بمدينة الفاشر بسبب عملهما الصحفي مما استدعى تدخل وزير الاعلام واصدار بيانات الشجب والادانة ضد ما جرى لهما لم يكن سليما، فلا يجب ان تكونا في مأمن من القانون إذا ارتكبتا فعلا يعاقب عليه القانون، بشرط أن يتم تطبيق الإجراءات القانونية الصحيحة عليهما، وليس مواجهتهما بالتهديد والاعتقال وهما انتهاك واضح لحقوقهما الدستورية وجريمة يعاقب عليها القانون، ولكن لا يجب ان تكون هنالك حصانة لصحفي أو أي شخص آخر في مجتمع ديمقراطي يجب ان يكون فيه الجميع سواسية أمام القانون !
الجريدة