حكى احد المعتمدين السابقين لمحلية القِرّيشَه بولاية القضارف وهو من ابناء الولاية انه عندما كان معتمداً للمحلية كانت تجرى بعض الاجتماعات واللقاءات بخصوص أمن الحدود بين الطرفين الإثيوبي والسوداني، وفي احدي المرات كان هناك لقاء ميداني بينه وبين الوفد الإثيوبي على التخوم، وعندما ذهب بوفده وجد ان نظيره الإثيوبي في التفاوض ووفده ينتظرونه في منطقة ( قلع اللبان ) وهي منطقة داخل الحدود السودانية وان الوفد الإثيوبي ذبح الذبائح واعد الطعام وانتظر المعتمد ولكن الرجل عندما وصل رفض الجلوس مع الوفد الإثيوبي ورفض حتى الضيافة التي قدمت له وقال ( انا لا احد يضيفني في بلدي وداخل ارضي انتم الضيوف عندنا ونحن من نقدم لكم الضيافة).
وكانت رسالة قوية تجسدت فيها كل معاني الوطنية والشجاعة والكرامة ولاشك انه وموقف يحسب للرجل لن ينساه التاريخ وهو لايقل كثيرا عن المواقف المشرفة للزعماء السودانيين الذين كانت لهم بطولات ومواقف وطنية خارجية وداخلية فالرجل بالرغم من ان حكومته كانت سببا في التفريط في كثير من الاراضي السودانية وان ارض الوطن كانت لا تعني لهم اكثر من كونها ذرات تراب لا قيمة لها الا ان الموقف يحسب كموقف شخصي مشرف لرجل سوداني يغير على وطنه وأرضه.
وهو الموقف الذي لا يشبه بالتأكيد موقف الفريق عبد الرحيم محمد حسين في رواية الرجل السوداني الاخر الذي قال انه كان مدير لادارة الاستخبارات البرية وكنت اقدم تنويراً يومياً للقيادة في غرفة العمليات بإدارة العمليات عن الشرق بحضور وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين ورئيس الأركان حاج أحمد الجيلي وتحدثت عن توغل الاحباش في الفشقة الكبرى والصغرى واستيطانهم في تلك المناطق ليس بقصد زراعتها فقط، بل يهدفون لخلق واقع ديموغرافي جديد في المنطقة ليسهل ضمها لهم مستقبلا، وحتى بدأوا في إيجاد علامات جديدة للحدود، غير تلك المتعارف عليها منذ الاستقلال وهي علامات واضحة على رؤوس الجبال فرد على وزير الدفاع عبد الرحيم و قال لي بالحرف الواحد ( لو الاحباش ديل دخلوا القضارف زول بسألهم ليك مافي) وساد صمت في القاعة ولكن فجأة تكلم الفريق حاج أحمد الجيلي رئيس هيئة الأركان وقتها وقال مخاطبا عبد الرحيم (لو أنتو ياسيادتك كسياسيين بعتوها ليهم كلمونا عشان نحن ما نموت ساكت)
وفي قراءتك للموقفين تجد ان هنالك فرق كبير بين وطنية المعتمد وعبد الرحيم وبين من يعني له الوطن والأرض شيئا ، وبمن من كان يمكنه ان يبيع الارض او يمنحها هديه لمن لا يستحقها، وعبارة عبد الرحيم محمد حسين تجعله متورطاً في الماضي والحاضر لما لما حدث من إهمال في القضية وحسمها وما يدور في الفشقه هو وحكومة المخلوع التي عندما اشتكى بعض المواطنين السودانيين بولاية القضارف من نهب محاصيلهم وطالبتهم بالذهاب الى ديوان الذكاة حتى يعطيهم تعويضا تخيلو سوداني في ارضه تنهبه عصابات من دولة اخرى يشكو الى حكومته وكله عشم في نصره تصفعه بهزيمة اخرى وبخزي اخر، ليس لانها لم تسترد له حقوقه ولكن لبثها بشعور اللامبالاة بالقضايا الوطنية، كيف لها وهي مهووسة بهواية التفريط في اراضي الوطن وسيادته وعزته وكرامته حكومة مجوفة فارغه من هذه المعاني العظيمة.
وحتى لا يتكرر سيناريو الجريمة ضد الوطن يجب ان تكون الحكومة الحالية أكثر وعياً اننا شعب لن يفرط مرة اخرى في ذرة تراب واحدة ونطالب ان يكون الجيش السوداني اكثر حسما مع هذا الملف، وان تنتشر قواته بصفة دائمة على الحدود الدولية بين السودان وإثيوبيا وان هذه الهجمات التي تعد موسمية وتطل علينا في كل موسم زراعي يجب ان يكون حسمها نهائيا وجذرياً بحراستها وحمايتها من قبل الجيش طوال العام، وبتعزيز فكرة ان تكون تتحول لمناطق سكنيه بعد توفير كافة سبل العيش والحماية حتى لا تكون عبارة عن مساحات فارغة ( تغري) كل من ضاقت به ارضه وسولت له نفسه طمعا في اراضي شاسعة ممتدة يرى وهماً في نفسه انه المُصلح المناسب لها اكثر من اهلها ، بالتالي يجعل استباحتها شيئاً ممكناً ليخلع قادة الجيش الجلباب السياسي الذي شغلهم عن دورهم المنوط بهم ويتوجهوا الي الحدود السودانيه لحراسة الارض التي لا تعلو عليها قيمة او مصلحة وان يخرجوا من قاعات الاجتماعات المغلقه ويكفوا عن تجسيد دور الحاكم المثالي ، وكأنهم يحكمون (كيريباتي) ويقلعوا عن عادة اهل السياسة في حب الاجتماعات وفضها وفنون الاختلاف فيها وينتبهوا الى حدود الوطن حتى لا تكون مشرعة (مرحبا بكم) كما يجب ان ينأى الكباشي ورفاقه عن تبادل التصريحات السياسية والجدل على شاكلة (هلال مريخ) ويتفرغوا لحماية الوطن، كما تقع المسؤلية ايضا على أهلنا هناك ان لاتهاون في الارض وان نجعل كل عاداتنا السمحه المتعلقة بالكرم والطيبة والعفوية جانباً عندما يتعلق الامر بالحقوق
فنحن في السودان كرماء نعم.. إلا في (الأرض والعِرض)
وعندما نشدد ونطالب بحراسة وحماية حدودنا هذا لا يعني ابداً اننا نقف على خط إشعال نار الفتنة وفتح شهية التعارك اي كان نوعه سياسيا او عسكريا او دبلوماسياً بيننا وبين اصدقاء السودان مثل إثيوبيا الدولة الشقيقة الصديقة التي وقفت داعمة للسودان والثورة، لن ننسى فضلها ولن نكون مطية لأطماع الدول الاخرى التي تقف خلف تعميق هوة الصراعات وتحويلها وتحويرها سياسياً خاصة في هذا التوقيت بالذات فقط لتحقيق أهدافها وغاياتها المعلومه والمعروفة وأطماعها الآنية
اما بقايا النظام الذين يتباكون الآن على ما يحدث في الشرق فكل واحد منهم قبل ان يتحدث عن الفشقة يجب ان يتوارى خجلاً لأن لا فرق بين الفشقة وحلايب وجنوب السودان وكل ذرة من ارض هذا الوطن وان حملتها الرياح بعيدا ماهي الا نتيجة أفعالهم وأخطائهم وتفريطهم في هذا الوطن العزيز وقضية الفشقة منذ العام ٩٨ اين كانت مشاعر الوطنية الجياشة عندهم لاكثر من عشرين عاماً عندما كان حكمهم يتمدد وأراضي السودان تنكمش كل هذا لن يجعلنا نغض الطرف عن تقصير حكومتنا الحالية وتحميلها ما حدث في الشرق والجيش ماهي مهمته وفائدة وجوده وما قيمة التغيير إن كانت ومازالت هناك اراضي سودانية تستغيث ، ولو انتهت القضية الآن في الفشقة فمسألة الكرامة وحساب الوطنية يبدأ الآن ويستمر غداً وسيبقى مادام الوطن باقياً ولن نسأل ابداً (كان بعتوها كلمونا) لان زمن البيع ولى وجاء زمن الوطنية الخالصة لا بيع فيه ولا مقايضة، زمن الأثمان فيه دُفعت (كاش) أرواحاً من شهداء الثورة ليشتروا هذا الوطن .
طيف أخير :
خليك بالبيت
صحفية الجريدة