في سنواتنا الأولي بصحيفة ألوان الغراء فوجئت بمن يقول لي إن الأستاذ حسين خوجلي يطلب حضورك إلي مكتبه .. ولمكتب حسين رهبة في أمسيات ألوان الجميلة فعنده تجد العطر الفواح .. والشاي الصاموتي وكثيراً من شهي الطعام .. وشهي الكلام .
وقبل كل هذا كانت الدعوة لدخول مكتب حسين وفي الأمسيات خاصة فرصة للتعرف علي رموز السياسة ونجوم المجتمع وأقماره في ضروب الحياة كافة .. في مكتب الحسين قابلت وللمرة الأولي قاماتٍ سامقة في دنيا السياسة .. كان الحسين يقدمنا لهم بلطف لم أجده في غيره .. يقول لضيفه : دة أخونا الصغير فلان الفلاني .. جاءنا بكامل موهبته الصحفية من أركان النقاش بالجامعة .. إلي صالة التحرير بألوان !!
كانت أمسية تلك الدعوة مختلفة ..عند دخولي المكتب وجدت الحسين مندمجاً في الحديث مع ضيف المساء .. فاجأني رئيس التحرير بأن أتفضل بالجلوس دون أن يطلب مني السلام علي ضيفه كما جرت العادة وفي ذات اللحظة قال لمحدثه : دة أخونا الصغير عبدالماجد .. أنا عايزو يحضر معانا الجلسة الخطيرة دي ويسمع كلامك ..
كان ضيف تلك الأمسية أحد رجال الأعمال المعروفين في قطاع هندسة الاتصالات .. وكانت لديه معركة ساخنة مع المهندس الطيب مصطفي والذي كان وزيراً للدولة بالاتصالات في تلك الأيام ..قدم الرجل كل نقاط خلافه مع خصمه المفترض .. ومما فهمته من نبرات وطريقة عرضه لما بين يديه من وثائق ومستندات أنه يريد أن تخوض ألوان المعركة مع الطيب مصطفي نيابة عنه ..
طيلة فترة حديث الرجل وعرضه لأوراقه ونقاط خلافه كان حسين خوجلي يستمع ويتابع باهتمام دون أن يهتم بتسجيل كلمة واحدة من حديثه وهو ما أثار استغرابي الأمر الذي دفعني لتقديم رزمة من ورق ال4 وقلم للأستاذ .. لكنه فاجأني بقوله : ما محتاج للورق والقلم !!
عندما أكمل الضيف عرضه سأله حسين : كملت كلامك؟ .. أجاب الرجل أن نعم .. عندها انطلقت كلمات الحسين في وجه الرجل مثل الرصاص .. قال له : شوف يافلان .. أنا سمعت كل كلامك واتهاماتك للطيب مصطفي .. وبعد دة كلو قناعتي إنو الرجل علي حق .. وإنت علي باطل !! .. هنا هممت بالخروج .. انتهرني الحسين : أقعد ياعبد الماجد عشان تكون شاهد علي الكلام دة .. وأضاف .. أقول ليك حاجة يافلان .. لا أنا ولا إنت عندنا سهم في الإنقاذ دي زي ماعند الطيب مصطفي من سهم .. يكفي الرجل إنو قدم ولده وفلذة كبده شهيداً في سبيل مشروع الإنقاذ الكبير .. ولايمكن لرجل قدم ابنه شهيداً أن يتواطأ مع آخرين ليظلمك أو يهضم حقك .. الواضح من روايتك دي في نقطة عايزة توضيح من ناس الاتصالات .. والقضية دي في جزء منها فني وآخر يتعلق بشبهة فساد محتملة .. وعليه أنا ماعندي وقت أستمع لمعركة في غير معترك .. أنا بكلف أخونا عبدالماجد دة يتابع التحقيق في هذه القضية ويقابل الطيب مصطفي وبعدها ننشر المواجهة بيناتكم !!
هنا صمت الرجل .. وقال والذهول يملأ وجهه : ( خلاص يا أستاذ .. سيب الموضوع ) .. رد عليه صاحب الألوان بسرعة : طيب أقول ليك حاجة .. علي الطلاق تمشي تفتح الموضوع دة في أي صحيفة تانية .. أنا أفتح كل صفحات ألوان للطيب مصطفي !!
لم يذهب الرجل لأي صحيفة وأنتهت معركته مع الطيب مصطفي منذ تلك الأمسية الغريبة من أمسيات ألوان ومعاركها غير المنشورة !!
هذه المقدمة الطويلة أعني بها التيار الإسلامي العريض عامة .. وجموع الإسلاميين خاصة .. سقت هذه المقدمة لأذكرهم بأن الطيب مصطفي من الذين ظلوا واضحين وصادقين في قيادة معاركهم وخلافاتهم مع الآخرين .. اختلف الناس معه أو اتفقوا إلا أنهم لا يختلفون علي مبدئية الرجل ووضوحه الصارم في كل موقف ..
ومن وضوح الطيب مصطفي معركته مع حكومة الثورة المصنوعة التي اطاحت الانقاذ .. معركة لا علاقة لها بسقوط نظام .. أو زول حكم رئيس .. كل المشتغلين بكواليس السياسة والصحافة في السودان يعلمون أن والد الشهيد أبوبكر كان علي خلاف مبدئي مع حزب المؤتمر الوطني .. خلاف لم يمنعه المشاركة في مواجهة العلمانيين واليساريين ودوائر الاستخبارات العالمية عندما تكون القضية ذات صلة بقضايا الأمة المركزية ..
لا أتوقف كثيراً في دواعي هيجان صلاح مناع والذين معه ضد الطيب مصطفي والذي طرح عليهم حزمة أسئلة أجابوا عليها بالقبض عليه وحبسه علي ذمة التحقيق مع امكانية ملاحقته بقضايا وبلاغات أخري .. فنحن في زمان التمكين الجديد لقوي اليسار والعروبيين ومن شايعهم من أصحاب الولاءات الجديدة !!
ما نقوله هنا لصلاح مناع و ود الفكي ووجدي صالح ومن يقف خلفهم ومعهم .. نقول لهم : نحن مع عدالة القضاء .. وفي ذات الوقت مع حرية التعبير .. والكتابة علي الورق .. أو علي المنصات الجديدة .. ودونكم معركة ترامب مع تويتر التي لا تزال تتفاعل وستكون خاتمتها هزيمة ساحقة لجنون عظمة ترامب وجهله .. ستخرج عليه أجيال جديدة ستقول له لا .. وهي ذات الأجيال التي ستقول لا للجنة صلاح مناع ومجموعته .. إن كنتم ترون في حديث وتعبير الطيب مصطفي ظلماً لحق بكم .. فدونكم منصات القضاء السوداني الذي لم يظلم أي مواطن سوداني وقف أمامه متظلماً ..وفي ذات الوقت ليت لجنة التمكين الجديد تتيح فرصة التظلم لمئات الذين أساءت اليهم عبر الفضاء وشاشات التلفاز .. حاكمتهم وأشانت سمعتهم علي الملأ دون أن يكون لهم الحق في القاء القبض علي من أساء اليهم وليس لهم حق التوضيح والرد أمام محكمة الرأي العام !!
طال الزمن او قصر سيخرج الطيب مصطفي من حبسه ..ولهذا فلن نطيل عبارات الاحتجاج والشجب والادانة أمام حكومة الثورة المصنوعة .. نحن أمام أخطر نموذج مستجد من أنظمة اليسار التي تحكم بلادنا .. نموذج لا يتحمل الرأي الآخر ولا يتورع من استخدام كل أسلحة السلطة التي بين يديه لسحق خصومه واسكات صوتهم ..
كثيرون أولئك الذين يريدون لظل الطيب مصطفي أن يزول .. وكثيرون يريدون لصوته أن يسكت .. ولقلمه أن ينكسر .. ولأولئك وهؤلاء نردد مع الشهيد أبوبكر مصطفي : يا كبرياء الجرح لو متنا .. لحاربت المقابر !!