يعمد البعض إلى مهاجمة لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال العامة، من باب أنها لجنة سياسية وليست قانونية، مُتناسين أن تفكيك نظام الـ٣٠ من يونيو، هو قرار سياسي، وأحد أهمّ مطالب ثورة ديسمبر المجيدة، ومنصوص عليه في الوثيقة الدستورية المادة ٨ الفقرة ١٥ (تفكيك بنية التمكين لنظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ وبناء دولة القانون والمؤسسات).ولتنفيذ هذا المطلب تم سنُّ قانون التفكيك في جلسة تشريعية بواسطة المجلس التشريعي المؤقت (مجلسَي السيادة والوزراء).
وتفكيك التمكين الذي هو بالأساس خطَّةٌ سياسيَّةٌ طويلةُ الأمد لاحتكار مؤسسات الدولة ومواردها لصالح مجموعة مُحدَّدة؛ يحتاج إلى عمل جميع الأجهزة القانونية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ إلا أنه قبل كلِّ ذلك مسألةٌ سياسيَّةٌ في المقام الأول، ترتكز على ضرورة (تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن)؛ وهذا يتطلَّب شفافية وصرامة تمنع استبدال تمكين جماعة بتمكين جماعة أخرى.
إن تفكيك التمكين ومحاربة الفساد قرارٌ سياسيٌّ وإرادة ترى أهمية هذا العمل في الحفاظ على الحقوق، وصيانة الدولة والمجتمع من العنف الناتج من الإحساس بالظلم وفقدان الأمل، وتقهقر الثقة في حياديَّة المؤسسات وكونها مُعبّرة عن عموم السودانيين. وقد يؤدي الفساد عند مرحلة محددة إلى تقويض شرعية الدولة نفسها وانحلال تماسكها، ما لم تقم الحكومات بإجراءات صارمة في محاربته.
التفويض الكبير الذي وجدته لجنة إزالة التمكين من أبناء شعبنا، والمُتابعة المُستمرَّة لعملها، والأسئلة اليومية عن البطء في اتخاذ القرارات، وما هي الملفات التي نعكف على دراستها، ومتى سنتخذ خطوات جديدة؛ كُلُّ هذه الأسئلة المُكثَّفة والمُلاحظات القادحة والمادحة؛ تُؤكد أن الحرب ضدَّ الفساد قضيَّةٌ مركزيَّةٌ في صلب خطاب الثورة وليس مسألة ثانوية قابلة للنقاش أو التأجيل.
في جولتي الولائية الأخيرة، كان تنشيط عمل لجان إزالة التمكين بالولايات على قائمة أولوياتي، حيث تعيش جميع ولايات السودان أوضاعاً مُعقَّدة، سببها بطء عملية التغيير، الأمر الذي يجعل إكمال هياكل السلطة وتعيين حكام الأقاليم المدنيِّين مسألةً مُلحَّةً أكثر من أي وقت مضى. وبعد مضيِّ عام على انتصار الثورة، ما يزال سؤال السودانيين على امتداد البلاد القارَّة: (لماذا لم يحدث إحلال وإبدال لكوادر الحزب المحلول بجهاز الدولة في الولايات؟). أكدت لجميع من التقيتهم أن علينا السير في جميع الطرق الموصلة للهدف عبر تنشيط لجان التفكيك بالولايات، لتنظيف الخدمة المدنية وإشراك جميع الكوادر المؤهلة عبر التنافس الحر لخدمة بلادنا، إضافة إلى حث جميع الأطراف في الحرية والتغيير والأشقاء في الكفاح المُسلّح، إضافة إلى المجلسين؛ على الإسراع في إكمال هياكل السلطة من حكام ومجلس تشريعي.
إن تصفية التمكين لن تكتمل بين يوم وليلة، وهو إرث سنوات طويلة وخطَّة رُسِمَتْ قبل الثلاثين من يونيو ١٩٨٩، لذلك أُعطِيَتْ لجنة إزالة التمكين صلاحيات للعمل طوال الفترة الانتقالية.
مساندة عمل اللجنة من قبل قوى الثورة مطلوبةٌ عبر الانخراط في لجان الولايات والمحليات، والعمل الدؤوب والمستمر للوصول إلى دولة جميع السودانيين، لنغنِّي: غداً يسفر الأفق لنا عن أمانٍ لم نعش إلا لها.
من الحجر المنزلي