كما في حياتها، ومنذ إعلان موتها صباح أمس، انشغلت الأوساط السياسية والإعلامية بتفاصيل كثيرة حول دور السفيرة نجوى قدح الدم في السودان وخارج السودان، كأول امرأة سودانية لها علاقات متشابكة مع حكومات وأطراف متعددة.
اختلفت الآراء حول السيدة نجوى وما تقوم به من دور في مجالات الدبلوماسية والسياسات الدولية، لكن اتّفقت معظمها عن حُبها لوطنها الأصل، وان كل خطواتها تمثل قناعة شخصية منها نحو مصلحة السودان. مثلما اتفقت الآراء على أن الفقيدة رحلت وهي تمسك بملفات يكتنفها الغموض، وأسرار تنتظر من يسبر أغوارها ويخرجها إلى العلن.
نجوى قدح الدم ظلت في حياتها، لغزاً لم يستطع أحدٌ أن يفك شفراته، وحتى إصابتها بجائحة كورونا كانت طي الكتمان، بعيدة عن أخبار الصحافة والإعلام، ولولا وصول الطائرة الإسرائيلية التي تحمل فريقاً طبياً لإنقاذ حياتها، لم يسمع أحد بأن المرحومة أصيبت بكورونا.
لم تكن الأوساط السياسية ولا الدبلوماسية تعرف من هي نجوى قدح الدم، قبل أن تقتحم القصر الرئاسي في الخرطوم لترميم العلاقات بين السودان ويوغندا التي طال أمد القطيعة بينهما، على خلفية دعم وإيواء نظام البشير لجيش الرب، مُقابل انطلاق عمليات جيش المتمردين في جنوب السودان من الأراضي اليوغندية وتقديم الدعم المادي من حكومة يوري موسيفيني التي ناصبت الخرطوم العداء.. اتّهامات مُتبادلة استمرّت سنوات طويلة.
وبالرغم من انحسار اهتمام موسيفيني بالخرطوم بعد الانفصال لعدم وجود دولة جوار مناوئة، لكن برز دور نجوى قدح الدم في طي الخلافات بين البلدين، واستطاعت أن تُرتِّب زيارة الرئيس اليوغندي إلى الخرطوم العام 2015. فكانت المرة الأولى التي تظهر فيها السيدة نجوى على سطح الأحداث بقوة.
كانت نجوى قدح الدم كبير المستشارين للرئيس موسيفيني وهي تحمل الجواز الألماني، وعملت في عدد من المواقع الدولية. لكن لم يعرف لها دور رسمي في السودان إلا مؤخراً على خلفية تطبيع العلاقات بين السودان ويوغندا، لتنتقل إلى لعب الدور الأبرز في تطبيع علاقات السودان مع دولة إسرائيل والذي بدأته في عهد المخلوع عمر البشير لتكمله مع الفريق البرهان.
بعد إعلان خبر وفاتها امس، ضجّت مواقع التواصل الفوري “واتساب” بدور نجوى قدح الدم في العلاقات الخارجية السودانية. وانشغل الإعلاميون ببداية ظهورها كوسيط ومهندس لقاءات البشير – موسيفيني، ثم نتنياهو – البرهان. لكن لفت نظري في الرسائل المتداولة بهذا الخصوص ما ذكره الصحفي عبد الرحمن الامين، الذي قال إن نجوى قدح الدم فاجأته عند خروج رؤساء الدول المشاركة في القمة الاقتصادية بدولة الكويت من قاعة الاجتماعات في 2013، وعرّفته بنفسها بأنها سودانية وتعمل كبير المستشارين للرئيس اليوغندي وطلبت منه أن يقدمها للرئيس عمر البشير، حتى تطرح عليه مبادرة رأب الصدع بين السودان ويوغندا.
صدح اسم دكتورة قدح الدم بعد ذلك، إذ استطاعت أن تصل عبر وزير الخارجية الأسبق علي كرتي إلى مبتغاها في الوصول إلى البشير، ومن ثم تحمل رسمياً لقب السفيرة والمستشار الرئاسي. وهو ذات اللقب الذي احتفظت به لدى الفريق البرهان حتى فارقت الحياة لها الرحمة.برغم احتفاظها بوظيفة كبير المستشارين في القصر الرئاسي اليوغندي، قام الرئيس المخلوع عمر البشير بتعيينها سفيرة للسودان بكمبالا، الأمر الذي أثار سخط عدد من الجهات السياسية والدبلوماسية.
لم يتوقّف حراك نجوى قدح الدم في إطار العلاقات السودانية اليوغندية أو السودانية الإسرائيلية، فقد تردد أنها كانت تحتفظ بعلاقات صداقة مع رؤساء ونافذين في عدد من الدول كالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس المخابرات عباس كامل، وأنها قامت بدور مفتاحي في كسر عزلة القاهرة أفريقياً. و تردد أيضاً أنها تحتفظ بعلاقات جيدة مع قادة في دول الخليج، وقد أظهرت بعض التقارير الصحفية معلومات تشير إلى أن قيادات خليجية تحدثت معها للتوسط لدى موسيفيني بالموافقة على إشراك قوات يوغندية في حرب اليمن.
برغم ما يدور ويكتب الآن، تظل علامات الاستفهام قائمة حول ملفات عديدة حسّاسة وفي غاية الأهمية، تهم حاضر ومستقبل السودان داخل خزينة المرحومة نجوى قدح الدم.