حديث المدينة _ “فشلنا”!! _ عثمان ميرغني
الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” استخدم عبارة مباشرة كالسهم، وللامعان في تأكيدها كررها ثلاثا، “فشلنا، فشلنا، فشلنا”.. في حواره مع قناة سودانية 24 أول أيام عيد الفطر المبارك.وللدقة، فإنه لم يترك ضمير الجماعة في “فشلنا” معلقا على ذمة التحليلات، بل فصّل المقصودين وهم، مجلس السيادة، مجلس الوزراء، قوى الحرية والتغيير، فشل بقوة دفع ثلاثية!ولمزيد من تسبيب الفشل، ذكر الجنرال أرقاما للمقارنة بين ما كان قبل الثورة، وما بعدها..
وحتى هنا قد لا يبدو الأمر أكثر من صراحة وشفافية عُرف بها، لكنه أمعن في الجراحة فوضع السطر الأخير في الجملة الأخيرة، فقال “طالبت بالاستقالة الجماعية”!
سأله الأستاذ راشد نبأ -محاوره في البرنامج- وما كان ردهم على طلبك؟ رد عليه (سكتوا)!! كأني بهم لم ينكروا الحيثيات، ولكنهم لم يقروا النتيجة.. يوافقون على الفشل، ولا يرضون بدفع فاتورة ثمنه!
سؤالان مهمان يطلان هنا:
الأول : لماذا اختار الجنرال أن يقول ذلك الآن؟
الثاني: ثم ماذا بعد؟
بالنسبة للأول، ليست هي المرة الأولى التي يطل فيها نائب رئيس مجلس السيادة ويفتح الباب على مصراعيه للجمهور ليروا ما يدور في الكواليس، ودائما يختار التوقيت والموضوع وطريقة ومنصة العرض. وهو في هذه المرة يضع التوقيع “فشلنا” بعد جرد المخزون والحساب، وعادة الجرد في ختام الدورة!! فالقطار يدخل “المحطة الأخيرة”!!
أما الثاني: ثم ماذا بعد؟ فلا أظن أن الفريق أول دقلو طلب الحوار التلفزيوني قبل أن يرسم كامل خارطة الطريق لما بعد الحوار! بل دشنها بفتح حسابات موثقة في منصات التواصل الاجتماعي.حميدتي بحواره؛ نعى الفترة الانتقالية، وصلت المباراة للدقيقة 90 والحَكَم ينظر إلى ساعته لاحتساب الزمن بدل الضائع، و الجمهور يتجه لبوابات الخروج.وفي استشراف المرحلة القادمة أطلق عدة رسائل لمن يهمهم الأمر، أكد فيها أن لا أحد في المشهد قادر على لعب البطولة منفردا، و ليس من “رامبو” واحد لينقذ جيشا كاملا إلا في خيالات السينما!
الجنرال يرسم خط بداية جديدة، تعاد فيه تركيبة الوثيقة الدستورية، بين شركاء أكثر، وهندسة جديدة لتوزيع المهام والتفويض، وعُمر انتقالي أقصر. وفي الأفق أكثر من تحالف سياسي جديد، ينهي احتكار الحضانة السياسية للفترة الانتقالية.
حسابات القوة تلعب دورا مهما في رقعة الشطرنج السياسي السوداني، حزب “اليونيفورم” برئاسة الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان والقيادات العسكرية يتكئون على “شرعية القوة” والفريق أول دقلو يمثل ذراعا مهما ونشطا في “حزب اليونفورم”.
الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء وحكومته يمثلون “شرعية الثورة” ، لكنها تواجه تحدي الانتقال إلى دولة.
قوى الحرية والتغيير تمثل “شرعية الشارع” ، لكن إلى حين “أيما الأجلين قضيت،..” إما إلى حين اكتمال الفترة الانتقالية، وهذا الاحتمال سقط بالضربة القاضية الفنية التي وجهها اليه الجنرال دقلو. أو إلى حين سحب تفويض الشارع السوداني، وهو “جاري الشحن”!
المسافة من هنا إلى أكتوبر تحدد مصير الفترة الانتقالية، ويساورني شك أن تحتفل الحكومة بالعيد الأول لميلاد الوثيقة في أغسطس القادم!