همس الحروف _ (حماية الأطباء ليست بالعسكر) _ الباقر عبد القيوم علي
في بدايات مراحل الشباب تغلب العاطفة على العقل ولهذا نجد أن معظم سلوكيات هؤلاء الشباب تكون ناتجة من الإنفعالات العاطغية وغالباً ما تكون مبنية على ردود الأفعال التي تنشأ من الفعل المضاد وتزيد في حدتها حسب الظروف وخصوصاً الشاب المتحمس أو الذي يكون تحت تأثير جرعة كبيرة من العاطفة إذا إستشعر بأي درجة من درجات الإستفزاز المباشر من الطرف الآخر .. أو مقابلة حماسه الزائد ببرود شديد من الشخص الذي يتعامل معه .. هنا تنشأ ردود الأفعال بنفس حجم الفعل الذي ساق الرد عليه وهذا ما يقود الشباب حيال إختلاق المشاكل و التي غالبا ما تنشأ صغيرة بالملاسنة ولكنها تكبر إذا ضلت الحكمة بين الطرفين فينفلت عندها الوقار فتدخل المشكلة في المربع الثاني و هو حسم الأمر باليد وشريعة الغاب
وتحضرني قصة في بدايات شبابي حينما مرض أحد أقاربي وصار معه حبس في البول أعزكم الله فوصل إلى مرحلة مزعجة من الألم والأنين فحملته كالمجنون و ذهبت به إلى حودث مستشفى الخرطوم التعليمي .. وحينما وصلت في تلك اللحظة المتأخرة من الليل لم أجد أي طبيباً يجلس على مكتبه و كانت العيادة شبه خالية من الأطباء وبدأت أبحث عنهم حول أسرة المرضى فسألت أحد الشباب ولقد علمت فيما بعد أنه طببب ويعمل في حوادث قسم النساء والتوليد وقلت له و كان قريبي الذي أرافقه قد وصل به الألم والضيق مرحلة عدم الصبر عليها فقال لي إذهب إلى إستراحة الاطباء وأطلب أحدهم فهرعت كالمجنون أبحث عن الإستراحة وعندما وصلتها وجدت مجموعة من الأطباء والطبيبات يحتسون الشاي وكنت منفعلاً بألم قريبي و حكيت لهم ما يعاني منه .. و بكل برود قال لي أحدهم إذهب العيادة وإنتظر وأكيد الدكتور سوف يحضر بدون بحثك هذا .. أو عموماً أن الطبيب الذي سوف يفحص حالته هو في إستراحة أخرى في المستشفى الجنوبي (داخل مستشفي الخرطوم) فهرعت كالذي يتخبطه الشيطان من المس وحينما وصلت هنالك وجدت مجموعة من الأطباء يتسامرون فطلبت منهم أن يهبوا لإنقاذ قريبي الذي تركته على إحدى النقالات يئن من الألم الحاد فنصحنى أحدهم وقال لي إذهب إلى حيث أتيت وهنالك سوف تجد أطباء وحدة الباطنية وسوف يقومون بالواجب .. و في رحلة عكسية و بحركات جنونية رجعت إليهم و وجدتهم يجلسون كما تركتهم وضحكاتهم تكسر صمت الليل فرفعت صوتي ولقد تغيرت لغتي : من منكم يساعدني لإنقاذ مريضي فكل منهم رفع الامر من نفسه إلى غيره وبدأ كل واحد منهم ينظر إلى الآخر و في تلك اللحظة أظلمت الدنيا أمامي وكان ذلك في فصل الشتاء فألهمني غضبي نحو الثلاجة ففتحتها و وجدت فيها جردلاً من الماء البارد عليه طبقة خفيفة من الثلج فأخذته و رشقت به الجالسين فإبتلت ملابس بعضهم فقاموا مفزوعين من تصرفي هذا و إستنجدوا بالشرطة التي أتت في الحال وبدأت أصرخ كالمجنون فيهم.. فإقتادوني إلى الحراسة ولكن بالمقابل تحرك شابان من هؤلاء الأطباء إلى عمي و علمت من حضرة الصول وكان رجلاً وقوراً وكبيراً في سنه وتبدو عليه الحكمة فأخبرني بأنهم قاموا بالواجب وتم تركيب قسطرة له وهو الأن بخير .. وبعد ساعتين من الزمن خرج حضرة الصول وأتى بمجموعة من الأطباء وقال لي (أسمع يا ولد إعتذر لأخوانك ديل وتاني ما تكرر هذه الفعلة) فقلت له حاضر يا والد إن شاء الله .. وانا أتمتم داخل نفسي و أحدثها وأقول سبحان الله.. من الذي يعتذر للآخر .. فذهب وأخذت قريبي بعد أن خرج من حالته تلك عن طريق القسطرة وهو يرمي علىّ بكوم من اللوم لأنني تركته وحيداً وهو لا يدري إنني كنت حبيساً بسببه إلى أن أتى الله إليه بطبيبين وأنقذوه من تلك الحالة التي كان فيها
هنالك سؤال مهم يجب أن يعلمه الجميع .. من هم الأطباء الذين يعملون في حوادث المستشفيات الحكومية ومن هم المرضى؟
أولاً أن جل هؤلاء الأطباء هم طلبة الإمتياز الذين أتوا إلى هذه المستشفيات من أجل التدريب وصقل سيرتهم الطبية بالعمل وحيث لا يوجود أي عقد عمل ملزم بينهم وبين وزارة الصحة وأنما هو فقط تبادل مصالح لأن وزارة الصحة ربطت حصولهم على شهادة ممارسة مهنة الطب بقضاء هذه الفترة التدريبية .. وما هو معلوم بالضرورة فإنهم يعملون بدون رواتب أو بأجر أقل من رمزي و قد لا يكفيهم حتى لتناول كأس شاي في فترة تواجدهم بالمستشفيات
وثانياً الأطباء نواب الإختصاصيين و هم كذلك طلاب تحت التمرين لنيل التخصص ولا يتقاضون البته أي نوع من أنواع الرواتب و بل أنهم يدفعون من جيوبهم الخاصة لمجلس التخصصات الطبية نظير هذا التدريب مبلغ 10 ألف جنيه في السنة.. وكما أنه ليس هنالك أي إلتزام عليهم يلزمهم أو يحاسبهم بالقصور في أداء واجبهم والذي يعتبر عمل تطوعي
ثالثاً الطرف الثاني هم المرضى ويسموا بالمتطوعين وهم عوام الشعب الذين يأتي بهم أنين المرض وآلامه إلى هذه المستشفيات الحكومية لتُجرى عليهم وهم مغلوبين على أمرهم التجارب الذرية من هؤلاء الطلبة المتدربين إما للإمتياز أو للتخصص و الذين ليس بينهم وبين وزارة الصحة أي عقد عمل يلزم هؤلاء الطلبة بعمل أكثر من ما يتكرموا به و هنا يجب أن يعلم الجميع أن ليس هنالك أي مسئولية تجاه هؤلاء الطلاب وفق مقتضى القاعدة (من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل) ولان ليس هنالك أجر فقد سقطت عنهم المحاسبة ويكون بذلك أن المريض قد أصبح هو الضحية
فعندما يزداد الضغط على هذه المستشفيات فإن أثر ذلك ذلك سوف ينعكس سلباً على نفسيات هؤلاء الطلبة صغار السن وحديثي التجربة و الذين لم ينالوا أي تدريب في تطوير فنون التعامل مع الغير في وسط الأجواء المهنية المشحونة بالانين والحوادث والدم والآلام مما يخلق عندهم درجة عالية من الضغط النفسي الذي ينعكس على أدائهم و درجة صبرهم .. و كما تجدونني زاهد جداً في تعريفي لهم فلم أقل آنهم أطباء لأن تعريفهم الرسمي الذي يعرفهم به مخدمهم (وزارة الصحة) هو أنهم (طلبة تحت التمرين)
وحينما يأتي المواطن البسيط وهو يحمل معه مريضه الذي أرغمهم أنينه إلى الحضور إلى هذه المستشفيات فإنه لا يعلم شيئاً عن ظروف هؤلاء الطلبة ولا يعلم شيئاً عن الضغوط التي يعملون فيها و المعاناة التي يعانونها.. وكذلك لا يعلم كم عدد الحالات التي سبقت مجيئهم في هذا اليوم.. ولكن ففط تحمله العاطفة تجاه قريبه الذي أتى به و هو متأثراً بأنينه فيدخل في صالة الحوادث وهو يطلب النجده من هؤلاء الطلبة و هم قطعاً مشغولون مع غيرهم وما بين العاطفة الزائدة تجاه مرضاهم ومابين إنشغال الكادر الطبي بغيرهم تنشأ الإحتكاكات التى تبتدئ بسيطة بالملاسنات فتزداد شيئاً فشيئاً فينفلت المرافق حسب عاطفته مقابل الردود الباردة التي تصدر من بعض هؤلاء الطلبة الصغار فيتحول بعد ذلك الامر إلى الكلام الحاد و بعدها يتطور الأمر إلى محاولة أخذ الحق بقوة العضل وهذا ما نرفضة تماماً ولا نقبل أن يتعرض أي من الكوادر الطبية إلى العنف .. ولكننا كذلك نرفض عدم الحكمة من الكادر الطبي في عدم إستطاعتهم على إمتصصاص غضب المرافقين الذي غالبا ما ينشأ من إحساسهم بالأهمال الذي يظنونه متعمداً وذلك يرجع لنرجسية بعض هؤلاء الطلبة في عدم إلمامهم بفنون الحياة في إمتصاص حماس الآخرين فيكون رده عليهم إستفزازياً و قد لا يقبل كل الناس مثل هذه الردود
يجب أن يعلم هؤلاء الطلبة أن هؤلاء المرضى هم عبارة عن مسارح مجانية لتجاربهم التي تفتح عليهم أبواب النجاح و التأهيل لمستقبلهم .. فيجب عليهم تعلم ثقافة التعامل مع الآخرين الذين تحت وطأة الضغوط النفسية مثل مرافقي المرضى الذين تقودهم العاطفة الزائدة تجاه أقاربهم .. وكما يجب أن يعلم هؤلاء الطلاب أن هؤلاء المتطوعين هم الذين يمنحون الأطباء سائر جسدهم من أجل أن يتدربوا عليهم وبدون أي مقابل مادي حتى تنصقل تجربتهم و العلمية والعملية وتزداد خبرتهم ليكونوا في المستقبل القريب أطباء ناجحين
فليس بالعسكر أو بالقوات النظامية تتم حماية الكوادر الطبية .. وحمايتهم… أنما يتم ذلك بتسكينهم في وظائف ثابته وبمرتبات تسد حاجتهم و تلزمهم بالمحاسبة حال وقوع التقصير وكما يجب عمل النافذة الواحدة بالتسيق مع الشرطة في حال إستخراج أورنيك 8 حيث يكون الشرطي المسؤول من هذه الأستمارات أن يكون داخل صالة الحوادث ويتم ذلك بسرعة و بدون تأخير..
يجب أن يعلم الجميع أن المرافق لم يأتي من بيته من أجل إختلاق مشكلة وكما أن الطيبب المعالج مضغوط تحت زحمة العمل مع خراب البيئة الصحية التي يمارس فيها المهنة والتي قل أن نجد فيها حمام نظيف للأطباء وفوق كل ذلك ليس لديهم مقابل مادي تجاه جهدهم المقدر .. فعلى الدولة ربط قاشها وتحمل مسؤولياتها ولا ترمي باللوم على أطرف النزاع من المرافين المغلوب على أمرهم او على الأطباء المعالجين الذين لا يملكوا قوت يومهم و أبسط مقومات الحياة و وتدهور الخدمات الصحية.. و كذلك على الدولة إخراج الشرطة من المستشفيات و فقط يكون وجودهم بغرض إستخراج الإستمارات مثل أورنيك 8 وإستبدال الشرطة بكبار السن من ضباط صف الشرطة مثل ذلك الصول الوالد والمربي أو الممرضين القدامي الذين يعلمون فنون الحياة في إمتصاص التوتر في مثل هذه الأجواء المشحونة*