وإذا أراد الله نشـر فضـيلة طُـوِيَتْ ….. أتاح لها لسـانَ حسـودِ
لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ ما كان يُرفُ طيبُ عَرْفِ العُودِ
القصة الشهيرة التي تحكي متلازمة الحسد والجشع، والتي في متنها تقول، دخل حاسد وجشِع إلى بلاط السلطان، الذي يقتضي نظام الدخول عليه شخصان من طالبي الحاجات، والمعضلة في نظام السلطان هذا أنه يعطي الشخص الثاني ضِعف ما يطلبه الأول، وهنا صارت العقدة أمام المنشار، فالجشِع يريد أكثر، والحاسد لا يبغي الخير للناس، وطال وقوفهما أمام السلطان، وكل منهما يريد من الآخر أن يكون البادئ، والمشكلة الثانية أنه لا يمكن المغادرة من أمام صاحب الجلالة دون طلب، والعقاب عند السلاطين دائماً ضرب العنق، واهتدى الحاسد إلى فكرة شيطانية، تحقق حرمان صاحبه من الخير وقد ازداد حقده عليه، فانضم الحقد على الحسد، ويا لها نار مدمرة إذا اجتمعا، فقال الحاسد “يا جلالة السلطان أطال الله عمرك ومتعك ببصرك .. افقأ لي عيني اليسرى هذه” فعل وخرج الجشع بعينين مفقوئتين، فجنى كل منهما عاقبة أمره.
تذكرت هذه القصة وأنا أطالع بعض النقاط الفطيرة التي أثارها من أعمت بصيرتهم متلازمة الجشع والحسد، محتجين على وجود رجل الأعمال العصامي وجدي ميرغني عضواً في اللجنة الاقتصادية، وبلغة ركيكة، ومعلومات مرتبكة تلخصت في الثراء الحرام، المال العام، الفساد، المصارف و لجنة القروض، التي شكلها النائب العام ؟؟ ويذهب دش المعلومات التي ينبغي أن تكون سرية، إلى التحفظ والمنع من السفر و التحفظ على جميع الحسابات البنكية، ويوغل هؤلاء أكثر في الاستهانة بالنيابة والنائب والعام والحديث عن الملفات التي تحت يده، وعن وثائق يعرضونها بالتفصيل أنها بحوزته، وهذا يعني أمراً واحداً، إما أن النيابة العامة مخترقة من قبل هؤلاء أو أن هناك من ينقب في هذه الملفات من الداخل ثم يقوم بتسريبها لهؤلاء! هل أصبحت أضابيرك سيدي النائب العام متاحة على قارعة الطريق يلتقطها السابلة، فإن كان ذلك كذلك فأرجو أن يكون لنا من الكيكة نصيب، حتى لا نحرق دمنا ومداد أقلامنا هباءا منثورا، نرجو الإفادة.
يصف هؤلاء وجود رجل الأعمال وجدي ميرغني محجوب في اللجنة الاقتصادية التي تسعى لإيجاد مسارب ضوء للخروج من العتمة الاقتصادية التي غشيت البلد، ويعتبرون وجوده في الآلية الاقتصادية هو تجاوز للقانون وعدم اعتراف من الحكومة و حاضنتها السياسية “قوى الحرية والتغيير” بالنيابة وأن الحكومة وأعضاء اللجنة التي تضم في رئاستها نائب رئيس مجلس السيادة بأنها تتواطأ مع المجرمين، والسؤال الآن موجه إلى رئيس اللجنة ..كيف يقبل مجرماً في عضوية لجنته المناط بها انتشال البلاد من وهدتها والخروج بها من مستنقع التردي الاقتصادي؟ ظناً منهم أن البلاد يمكن أن تدار بعقلية النشطاء السياسيين قليلي التجربة، العاطلين عن المواهب.
ولو أنهم استفسروا فقط عن المعايير “criteria ” التي بموجبها تم اختيار أعضاء اللجنة لوجدوا أن رجل الأعمال وجدي ميرغني هو الأكثر تأهيلاً، خاصة هذه الأيام حيث العالم كله منشده بجائحة الكورونا والكل يقول نفسي نفسي، وهنا يتهاوى كل أصحاب العمل المزيفين الذين بنو ثرواتهم على المضاربات والعمولات وفرق السعر، والثروات الوهمية التي تذهب كالزبد جُفاء مع كل انهيار أو كساد، ولن يبقى إلا الذين التصقوا بهذه الأرض الطيبة وصرفوا عليها جهدهم وعرقهم وأموالهم ووجهوا إليها سواعد بنينها فعمروها، فجادت وانتجت، والعالم كله الآن يتوق إلى أمثال هؤلاء، ثرواتهم ليس رقم “swift code” في نظام إلكتروني يمكن أن ينتهي في لمح البصر، ولكنه منتَج تمتد به البيادر وتمتلئ منه الصوامع ويؤمن المخزون الاستراتيجي، ويذهب المزارع بنصيبه إلى بيته ليطعم عياله غير آبه بالسعر العالمي ولا بالتضارب في البورصة العالمية.
قولوا لي بربكم من أحق من وجدي ميرغني بعضوية اللجنة الاقتصادية؟ ومن أكثر تأهيلاً منه تحديداً في هذا الظرف العالمي الدقيق، بل لهو يعكس أخلاق الرجل وقدرته على التسامح وتجاوز الغبن الشخصي في سبيل العبور بالبلاد. أما الفضيلة التي طويت وغيض الله لها ألسنة الحسد والجشع التي لا تريد خيراً لهذا البلد وتحب أن تراه مفقوء العينين، فلعل وجدي الذي قلبه على الوطن قد سعى من قبل لتفادي المحنة هذه ونذرها كانت تلوح في الأفق، وأدرك بحسه الاقتصادي أن الأزمة قادمة وسعى في إيجاد الطرق لحلها مع ذوي الاختصاص، “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” لتعرفوا مصدر هذا العَرْف الذي ينتشر.