لعل الكثيرون قد سمعوا بالقصة المنسوبة إلى الراحل العصامي الشيخ مصطفى الأمين، وكثيراً ما رويت بشخوصها وأسمائهم، بحياة الشيخ مصطفى رحمه الله، وتداولها الناس ولم يعترض أحد، وهي في الواقع تعتبر من مآثر الفقيد وتضيف إلى إرثه الإنساني وإن كانت تروى في بعض الأحايين على سبيل التفكه والدعابة وتحلية المجالس، ولعل هذه القصة أن صحت فهي تزيده وترفع من قدره، وتجعل منه أيقونة للمثابرة والعصامية.والقصة تقول أن الشيخ مصطفى، والشيخ هذه جزء من اسمه الأول وليس لقباً أو رتبة، والعديد من الأسر السودانية تسمي الشيخ هكذا مجردة، والبعض يجعلها مضافاً فيسمي شيخ الدين، عندما جاء إلى العاصمة، يقال أنه كان في أربعينات القرن الماضي، عمل ساعياً “مراسلة” في إحدى المصالح الحكومية، وبما أنه كان لا يحسن القراءة فكان يخلط المراسلات ويعكس اتجاهاتها أحياناً، مما تسبب في بعض الارتباك، في وقت كانت فيه الخدمة المدنية تسير بدقة عقارب الساعة، وأخيراً تم فصله من الخدمة.واتجه الشيخ ببعض مستحقاته من الخدمة إلى التجارة في المحاصيل، الغبشة وودعشانا وتندلتي وكوستي وغير ذلك، ثم الخرطوم وقد أصبح الشيخ مصطفى الأمين الرقم التجاري المعلوم، وتشاء الأقدار أن أحد رؤسائه في المصلحة الحكومية سابقاً، تمر به مناسبة تتطلب مصروفات مالية إضافية شأنه شأن الموظفين في الأرض من أرباب المرتبات، قيل أنها “سِماية” وآخر الشهر لا يزال، فوقر في روعه أن الحل سيكون بيد الشيخ فقصد إليه ليقترض منه، وباريحيته المعروفة لم يتأخر فكتب له شيكاً بالمبلغ المطلوب، قيل ثلاثين جنيهاً والبعض قال خمسين، رغم أن الخمسين كانت ثروة في ذلك الوقت.حمل الموظف الشيك وهو يطير من الفرح إلى البنك، وهو يتأمل الشيك لاحظ في التوقيع أن كلمة الشيخ بدون نقط، وظن أن الشيخ قد نسيها وخاف ألا يتمكن من صرف الشيك فتطوع بوضع النقط في أماكنها، ولكن لسوء حظه ارتد الشيك لعدم تطابق التوقيع، فعاد بالشيك إلى الشيخ، وعندما تأمل الشيخ والشيك وهو مندهش كيف للبنك أن يرد له صكاً، ولما تبين له السبب، ضحك وقال لرئيسه السابق “نقطَّها يا العوير، أنا كان كنت بعرف أنقِّط، ما كنت بكون مراسلة معاك.هذه المقدمة المطولة ضرورية تشرح في قالب درامي لطيف الفرق بين التعليم الأكاديمي “Academic” وريادة الأعمال “Entrepreneurship” فلشيخ مصطفى وأمثاله من العصاميين السودانيين الذين حققوا نجاحات عظيمة في مجال الاقتصاد والتجارة وامتلكوا العقارات والمشروعات، والصناعات، لم يدرسوها في الكليات، بل أن معظمهم كان من ذوي التعليم المحدود، ولكنهم أداروا أعمالهم التجارية والاقتصادية بكل الدراية والحنكة وأورثوا أولادهم إمبراطوريات من النجاحات…نسوق هذا الحديث للذين يقدحون في رئاسة الفريق أول محمد حمدان دقلو، نائب رئيس المجلس الوطني، وقائد قوات الدعم السريع، للجنة الاقتصادية، بحجج أقل ما يمكن أن توصف بأنها تمييزية، بأن، حميدتي ليس متخصصاً في الاقتصاد ولم يدرس إدارة الأعمال في الكليات الجامعية والبلد مليئة بحملة الشهادات العليا من أرقى الجامعات المحلية والأجنبية، ناسين أو متناسين أن الأمر ليست بالشهادة “certificate” وإنما بالريادة “Entrepreneurship” ولن ينكر ألا مكابر أن حميدتي من أميز من يتحلون بهذه الصفة “Entrepreneur” الريادة والقدرة على القيادة والواقع يقول ذلك، فقوات الدعم السريع مع كل ما قيل عنها والاتهامات التي كيلت لها، أصبحت جزءاً فاعلاً في القوات المسلحة، وتحولت في وقت وجيز إلى قوات مهنية تقوم بالكثير من المهام الحيوية في حفظ الأمن وتأمين الحدود وضبط التفلت وكبح جماح المهربين والمتجرين بالبشر، وأسهمت وتسهم في كل الضوائق التي تحل بالمجتمع وليس أدل علي ذلك من دورها في جائحة الكورونا التي تجتاح العالم الآن.إذن فاللجنة الاقتصادية بمجالاتها المختلفة والمتشعبة بالتأكيد تحتاج أهل التخصصات، كل في مجاله، ولكنها في ذات الوقت تحتاج الرؤية العامة والقدرة على القيادة، والنظرة الثاقبة وتسهيل الاتصالات مع الجهات الحكومية الأخرى، بصفتيه السيادية والعسكرية، فالفرقة الموسيقية تحتاج إلى مايسترو بأذن موسيقية بقدرة عالية على الالتقاط لضبط الآلات. وحتى لا يبدو الأمر نفاقاً وكسير تلج للسيد حميدتي، ولا يعني هذا أن السيد حميدتي مع جدير الاحترام هو المسيح المُخَلِّصْ، ولا اللجنة تحتاج إلى مُخَلِّصْ ولكنها تحتاج إلى مُخلِصْ ونحسب السيد حميدتي والله حسيبه إنه كذلك، ومطلوب أن تكون اللجنة الموقرة من المخلصين….لا علم لي بعضوية اللجنة، ولكني أعرف فيها شخصاً واحداً، لو لم تضم اللجنة غيره لكفى، هو رجل الأعمال وجدي ميرغني، ولكن دهشتي كيف قبل وجدي ميرغني عضوية اللجنة، مع كل المرارات، ولكن ليس غريباً عليه التسامي فوقها من أجل الوطن، فالسيد وجدي ميرغني رجل الزراعة الأول، وبما أن الزراعة هي الرافعة الأساسية في أي اقتصاد، يبقى أن وجوده ركن ركين في هذه اللجنة، وليت البقية من الأعضاء يكونون على درجة من الإخلاص، فهو كل ما يحتاجه الوطن. وينبغي التذكير بأن مهاتير محمد باني نهضة ماليزيا الحديثة لم يكن متخصصاً في الاقتصاد، وإنما طبيب، فكل أدواته كانت الصبر والمثابرة والإخلاص…واضح ان الفريق حميدتي يتمتع بذكاء خارق، اعتقد ان اختيار وجدي ميرغني لعضوية اللجنة ليس لأنه من أثرياء السودان فحسب، فهنالك أثرياء كثر لم يجدوا أسماءهم ضمن القائمة، ولعل الفريق حميدتي عمل بطريقة علمية ومؤسسية، فقام بجمع معلومات دقيقة عن أعمال رجال الأعمال فوجد المحجوب اولاد نموذجاً يختلف عن كثير من أصحاب الأعمال الجبانة أصحاب النظرة الضيقة والمطامع الشخصية، ولعله وجد المحجوب اولاد تحتاج لفريق عمل متكامل حتى يتمكن من سرد أعمالها، المحجوب اولاد تجدوها في القضارف وسنار وحلفا والشمالية والنيل الأبيض والنيل الأزرق وغير ذلك، تفلح الأرض فيأكل أهل الولاية ثم العاصمة ثم الفقراء بالزكاة ثم الدولة بالضرائب وعائد الصادر، ثم تفكر بعدها المحجوب اولاد في نفسها ومنسوبيها، شراكات المحجوب اولاد مع صغار المزارعين بلغت أكثر من مئتين وثمانين الف مزارع وأكثر من مليوني مستفيد مباشر وغير مباشر، هذا غير الموظفين وبما أن هذه الإحصائية أعدت في وقت سابق اعتقد ان الرقم تضاعف حالياً، ربان سفينة المحجوب اولاد هو وجدي ميرغني محجوب عضو اللجنة الاقتصادية. على الرغم من علو قدر الفريق ورجل الأعمال إلا أن هنالك حملة ضدهما، وواضح ان بعض ضعاف النفوس والمنافسين السياسيين عاطلي المواهب، وأصحاب الأعمال غير الوطنيين لديهم من الأجندات، وكل ما جاء في وسائل التواصل الاجتماعي من اتهامات وتشويه ومحاولة اغتيال للشخصية، صدقوني كل ما اعبر من كلمة لآخري لا اقراؤها كما ذكرت، إنما اجدها في ذات الوقت تحمل في ثناياها مدحاً لهما.
كسرة :-
(نعود بالتفاصيل في العمود القادم لنوضح أهداف اللجنة والعائد المرتجى منها واين يكمن التكامل بين الفريق حميدتي ورجل الأعمال وجدي ميرغني)