تابعت مثل كل المهتمين في الوسائل و الوسائط الإعلامية المتعددة الجلبة التي أحدثتها لجنة ازالة التمكين و طالعت بعض المداخلات لإخوة كرام في قروبات عديدة لاحظت فيها ان بعضهم جرم التيار الاسلامي العريض دون استثناء خاصة في مسألة الفساد.. و ما هو معلوم من العقل بالضرورة أننا لن نجد شخصا راشدا يدافع عن الفساد او الفاسدين و ذلك أمر تأباه الفطرة السليمة و تنفر منه النفس البشرية بطبعها، بل إن من واجب الدولة العمل علي محاسبة كل مرتكب جريمة أيا كان شأنه منتميا لحكومة او معارضا في النظام السابق او الحالي او اللاحق بقدر ما ارتكب من جرم.. و لكني أعيب علي أولئك الإخوة أنهم قد تعجلوا و لم يتيحوا لأنفسهم أدني مساحة او فرقة (لفرز النبي من الشريف كما يقولون) و بسبب المناخ العدائي المصطنع ضد الإسلاميين هذه الايام و خطاب الفتنة و الكراهية الموجه و المحمي ببلاط السلطان و الذي غابت معه نعمة ممارسة التفكير لا يريدون حتي مجرد التأمل و التدقيق في المفاهيم او التحري للتمييز بين المعقول و غير المعقول، فتراهم يجرمون الجميع في تلك المنظومة و ليس الفاسدين او الذين أجرموا و تجاوزوا.. فمثلا بعض هؤلاء الإخوة ينظرون الي كل قرارت لجنة ازالة التمكين بدأءا بالفصل التعسفي من الخدمة و مرورا بالمصادرات علي انها الحق المطلق مع ان معظم اهل الحكمة الآن و علماء و اساتذة القانون كتبوا يقدحون في المنهج المتبع لتلك اللجنة و مع احترامي لوجهات نظر هؤلاء الاخوه فإن غالب الناس حتي بعض قيادات الحكومة الموضوعيين منهم غير أصحاب الغرض يعتقدون ان هذه اللجنة قد جانبها الصواب و أنها معيبة شكلا و مضمونا و انها عبارة عن لجنة سياسية صرفه من مجموعة أفراد سياسيين مغبونين ينتمون لاحزاب سياسية تناصب الإسلاميين العداء السافر و ما يجري هو تصفية للحسابات و الشخصنة بكل المقاييس .. ففيما يلي مصادرة الاملاك الخاصة مثلا أليس من الأجدي ان تتم هذه المسائل عبر الأجهزة العدلية وفق تقديرات و أحكام قضائية احقاقا للحق و سدا للذريعة بدلا من ان تكون عبر لجنة من أفراد سياسيين ناشطين معروفين بمواقفهم و قناعاتهم مسبقا و بالطبع نتائج مثل هذه اللجنة لا تحتاج الي شطارة لإدراك خطلها…اذ كيف يحق للجنة سياسية ان تتهم مواطنا بالفساد ثم تعلن مباشرة مصادرة أملاكه .. و لماذا لا تترك هذه المهمة للاجهزة العدلية و القضائية..و لماذا يتم هدم أهم ركن من أركان العدالة و هو حق الدفاع عن النفس و الإبانة، علما بأنه في تاريخ السودان السياسي و عبر كل الحقب المختلفة و المتعاقبة لم تصمد كل محاولات التعدي علي الملكيات الخاصة بل تم ابطال كل قرارات لجان المصادرة منذ حكومة عبود و أكتوبر و نميري و حتي عهد الانقاذ و كان آخرها استرجاع ممتلكات آل المهدي و الميرغني و البنّا و آل حضره و غيرهم بل تم إرجاع ممتلكات الاحزاب التي تمت مصادرتها في عهد الانقاذ لانها ببساطة تمت بدعاوي سياسية فقط لا يسندها اي مسوغ قانوني عادل، بل كما قال احدهم ناس الانقاذ أنفسهم طلبوا من الجماعة ان يعفوا لهم ذلك التجاوز بعد إرجاع الممتلكات..فلماذا لا يتم اخضاع اصحاب هذه الممتلكات الخاصة للقانون و القضاء و يحاكموا بالثراء الحرام و المشبوه و استغلال النفوذ بدلا عن النزع القهري الانتقائي عبر لجنة سياسية من أفراد معروفين للجميع بخلفياتهم و تطرفهم الحزبي، و قد نسي الناس تماما المحاكم و تم تجاهلها و لم تعد هناك حاجة اليها و لم نعد نسمع ب ( حكمت المحكمة علي المتهم فلان الفلاني بالإدانة …او البراءة في كذا …مع وجود المحامين) و آفة المصائب ان تلك اللجنة السياسية ستصبح لها قوة عسكرية خاصة من الشرطة و الجيش و الدعم السريع تحت امرتها و ربما تم التصديق لها لاحقا بإنشاء سجون و حراسات ( خذ نفس و قل يا لطيف…). إن تسيس العدالة لا يقل فسادا عن تجاوز نصوص القانون او كما قيل ( لئن تجعل القانون مطيتك لمكافحة الفساد أكيس من ان تجعل الفساد ذريعتك لانتهاك القانون). و بتلك الممارسات الشائنة تم الانقضاض علي ما تبقي من أسس الخدمة المدنية و بريقها لا سيما الأجهزة العدلية و ضاعت العدالة. و قد ساءني بمرارة ان احد الناقمين علي الحكومة اقترح عليها بسخرية لاذعة ان تتولي لجنة ازالة التمكين الحالية و معها لجان المقاومة ملف محاكمة رموز الانقاذ القابعين في السجون و تعقد جلسات طارئة في دار أيا من أحزاب قحت و تصدر أحكامها الفورية و النهائية لطئ هذا الملف دون الحاجة لإرهاق الأجهزة العدلية والقضائية و ربما لا يحتاج السودان مستقبلا لمثل هذه الأجهزة في ظل وجود هذه اللجنة و لجان المقاومة في العاصمة و الولايات. لا شك ان مثل هذه القرارت المتعلقة بالفصل التعسفي الجائر من الخدمة و المصادرات الجارية حاليا للأملاك الخاصة يمثل تعديا و إنتهاكا و لا استبعد ان يتم ابطالها و شطبها لاحقا و بالقانون و للاسف سيتم دفعها كتعويضات من الخزينة العامة يعني مرة اخري من مال الشعب السوداني كسابقاتها و ستذكرون ما أقول لكم لانها ايضا ببساطة في غالبها و لا اقول كلها عبارة عن مزايدات سياسية محضة تستهدف انتقاء اناس إما بحكم انتماءهم السياسي او بحكم صراع بيوتات المال و الاعمال و أصحاب المصالح و ليت أهل حكوماتنا المتعاقبة ليتهم جميعا حاربوا الفاسدين حقا الذين اكتوا الشعب بفسادهم ( و للفساد مجموعات مافيا و عصابات معروفة و متمددة تلبس لكل نظام لبوسه و تأكل علي كل الموائد و تضرب علي كل الدفوف ) و لكن للاسف فقد ظل هذا النهج هو نهج الساسة منذ الاستقلال لتشويه صورة الخصوم السياسيين و لتصفية الحسابات معهم بالحجج الواهية بعيدا عن العدل و العدالة المفتري عليها و هذا لعمري هو عجز القادرين عن التمام، و ذاكرة الشعب المتقدة لن تنسي ابدا ما فعلوه برافع علم استقلال السودان الزعيم اسماعيل الأزهري بسبب الفجور في الخصومة والذي توفي في سجن كوبر و حين نعاه الناعي بعد انقلاب مايو الحمراء بتوجيه رسمي في كلمات مبتذله:( توفي اليوم اسماعيل الأزهري و قد كان الفقيد يعمل معلما بالمدارس السودانية) و لم يشفع له تاريخه النضالي و لا علمه و لا المناصب الرفيعة التي تنسمها كأول رئيس لحكومة وطنية سودانية بعد الاستقلال فأذاقوه الإذلال حتي في مماته علي أيدي اليسار المتطرف بسبب الخصومة السياسية و لم ينج من ذلك حتي شقيقه الذي توفي قبله بأيام، و لمن أراد المزيد عليه ان يسأل الانصار المعاصرين عن استشهاد الامام الهادي و بروفسير محمد صالح عمر و ضربة الجزيرة ابا و ود نوباوي و لن نعفي حقبة الانقاذ عن ممارساتها مع الخصوم.
ثم انني لأتعجب جدا لمنطق الكثيرين الذين يبررون سلوكيات ناشطي قحت و الحكومة الحالية بأن ناس الانقاذ كانوا يفعلون ذلك.. و ما من خطيئة ارتكبوها الا و قالوا كان ناس الانقاذ يفعلونها.. هل يعقل ان يكون هذا منطق لاناس يريدون الإصلاح وبناء دولة الحرية و السلام و العدالة…و هل لهذا جاء الثوار ..و كيف تكون ممارسات الانقاذ خاصة السيئة منها هي الهادئة و المرجعية لهم و ما فائدة الثورة اذا كانت تريد السير علي خطي سيئات الانقاذ…و ما قيمة الشعار الذي تجاوب معه كثير من السودانيين (حرية..سلام..عدالة) و لا يخالجني أدني شك في ان ذلك الشعار كان خدعة من الجماعة إياهم و قد أستنفذ أغراضه كما بدا ذلك الإحساس واضحا ينتاب الكثير من الثوار و المواطنين الذين ينادون الآن بتصحيح المسار و إلا فما داعي الخروج علي حكومة الانقاذ و اسقاطها ان لم تكن هناك رغبة صادقة و حقيقية لتغيير المفاهيم و السياسات و الممارسة اذ ان فاقد الشئ لا يعطيه.. و ليس في مصلحة البلاد ان تتجاهل حكومتها معايير العدالة الطبيعية و الانصاف التي اقرتها الشرائع السماوية بل حتي القوانين الوضعية التي تواثقت عليها البشرية و استقرت عبر آلاف السنين.
و من أحزن المواقف التي أدهشتني ان المناصب العليا لها قدسيتها في عالمنا المعاصر و مجلس السيادة هو ارفع مستوي دستوري للحكم في البلاد و من يتشرف بعضويته يلزمه ان يكون كبيرا بمعني الكلمة مثل اقرانه السابقين أمثال: الأزهري و الشنقيطي و المغربي و الدرديري و البنّا و ميرغني النصري و غيرهم..فلا يأتي إليه بفاقد حكمة و حصافة و خبرة… فهل يعقل ان يقف عضو مجلس سياده في حكومة انتقالية و يقول لفئة معينة من المواطنين: (الحرب بيننا و بينكم مفتوحة) هكذا مباشرة لسامعيه و(سوف تصرخون) ربما نسي انه في موقع رفيع و الأهم من ذلك أنه انتقالي و كان ينبغي ان يكون محايدا و علي مسافة واحدة من الجميع و لانه ايضا يجب ان لا يشبه ناس الانقاذ ابدا و لا يردد تجلياتهم ( أكسح ، امسح ) فأنت أيها السيادي مطالب بالعبور بالبلاد الي بر الأمان يجب ان تكون انتقالي ديمقراطي لا يظلم عندك أحد و ان كان كوزا.. والسؤال هو إلي من يلجأ هؤلاء المخالفين سياسيا من الرعية عند التظلم اذا كان الحال هكذا يتساوي فيه عضو السيادي و أعضاء لجنته مع العوام من الانفعاليين ناشطي الشارع و المهرجين..
و لكنا بالطبع ايضا سنجد لهم العذر جميعا اذ ان الحكومة الانتقالية القائمة حاليا هي حكومة محاصصة حزبية بجدارة قائمة علي توزيع المناصب علي احزاب قحت فقط و غير مؤهلة لترتيب اوضاع انتقالية هادئة بحيادية تقود البلاد الي بر الأمان كما كان يتوقع اهل السودان فإن ذلك يتطلب حكومة كفاءآت وطنية من شخصيات قومية مقتدرة غير حزبية و ربما تكنوقراط تتمتع بالثقة و الطاعة و ليست لها أجندة سياسية انتقامية للتشفي كما هو حال هذه الحكومة، علي ان تذهب الاحزاب السياسية لترتيب أوضاعها انتظارا للاستحقاق الانتخابي و التفويض الشعبي بعد نهاية الفترة الانتقالية، و هذه هي الممارسة الديمقراطية التي نعلمها و احيانا يحدثوننا عنها ايضا و التي يعلمها كل مبتدئي. اما الإصرار علي ادارة الفترة الانتقالية بهذه الطريقة الفجة و خلق أسوأ حالة غبن و احتقان و توتر و استقطاب مجتمعي و جهوي حاد لم يشهد السودان له مثيل ينذر بعواقب وخيمة و مصير مجهول لا يقل عن مصير نهائيات سوريا و ليبيا و اليمن والصومال وافريقيا الوسطي و غيرها، ما لم يتدارك الحادبين علي مصلحة الوطن و الحكماء هذا المسار، و كنت قد اشرت في مشاركة بأحد المنتديات قبل أشهر قليلة الي موقف الإمام الصادق المهدي المنادي بعدم المحاصصة في هذه المرحلة الهامة و لكن أنصار الغنائم داخل قحت كانت لهم الغلبة و (الكثرة غلبت الشجاعة) و يحمد للصادق المهدي ذلك الموقف المبدئي مقابل مواصلة الآخرين لمشوارهم في اتجاه الهاوية التي بانت حافتها.. و ليته لم يشاركهم في المسار نحوها و يحافظ علي موقفه عسي و لعل ان يكون صاحب الرشد و الملاذ و يعود بالآخرين الي صوابهم، و من المفارقات المثيرة للشفقة والدهشة ان الامام الصادق هو صاحب الأغلبية البرلمانية في آخر حكومة ديمقراطية منتخبة في الثمانينات و رئيس الحكومة التي أطاحت بها الانقاذ يتنمر عليه أصحاب النتائج الصفرية في تلك الانتخابات من أهل اليسار دون خجل و لا حياء و الأدهي و أمر أنهم يرددون: حرية سلام عدالة يا لهول المصيبة . و هكذا يبدو جليا اذا ظلت الحالة كما هي عليه الان و البصيرة مسدودة تماما ستكون احتمالات الموجة الارتدادية كما يسميها صموئيل هنتنغتون عالية و اذا حدث الارتداد ربما يتحرك في احد اتجاهين كما توقع الباحث ابراهيم ابوشوك بقوله “اما عودة العسكر الي السلطة بدعم من قوي إقليمية لا تحبذ التحولات الديمقراطية التي لا تنسجم مع أجندتها السياسية او الاتجاه الآخر انهيار الفترة الانتقالية و حدوث فوضي عارمة و نزاعات أهلية و حروب ربما تسهم في تدمير الدولة القطرية نفسها.اذن هذه الفترة الانتقالية فترة مفصلية في تاريخ السودان المعاصر ربما يعقبها تحول ديمقراطي مستدام او فشل سياسي يطول أمده” . و أقول بناءا علي ذلك الفشل قد تظهر بعده مباشرة مجموعة الدويلات في دارفور و الشرق و الوسط و النيل الأزرق و كردفان و الشمال النيلي كما تنبأ بعض الباحثين الغربيين بذلك، دويلات تقوم علي أنقاض دولة السودان التي كانت عاصمتها الخرطوم، و إن تداعيات الفشل ستكون خسارة علي الجميع و لان البلاد كانت و لا تزال تحتاج لحكومة كفاءات وطنية قومية تتحمل مسئوليتها بكل شجاعة و اقتدار و توجه جهودها صوب إنجاح تلك الفترة الانتقالية و ليست مجموعة نشطاء سياسيين مغبونين تغشي رؤيتهم غشاوة حالكة لا يَرَوْن و لا يسمعون غير عبارات التشفي و الانتقام و تتسيطر عليهم الذات المفترسة فيشاركون الحكومات التي سبقتهم وتعاقبت علي حكم السودان و يتفوقون عليها في الوصول لهذه النتائج الكارثية و ضياع وطن كان يسمي السودان.
و حتي لا يتمثل ذلك المستقبل المجهول و المخيف واقعا معاشا بين الناس أرجو و آمل و أسأل الله تعالي صادقا ان يلتقط السودانيون الوطنيون في البلاد و الاسلاميون بصفة خاصة القفاز و لهم في ذلك تجارب و مواقف و شواهد و فقه و علم لتفويت الفرصة علي شيطان الفرقة و الشتات و الخراب بعدم الاستجابة لكل صنوف الاستفزاز والاعتداءات الجائرة و (كل كوز ندوسه دوس) و العمل علي محاربة كل دواعي الانفلات الأمني و الانزلاق نحو الهاوية حفظا لأمن البلاد و المجتمع و تماسكه( واتقوا فتنة لا تُصِيبَن الذين ظلموا منكم خاصة) و نغني مع ميرغني المأمون و أحمد حسن جمعة ( جدودنا زمان وصونا علي الوطن علي التراب الغالي الما ليه ثمن). صحيح أن الحكومة الحالية اثبتت الفشل و العجز التام في ادارة الدولة و تفرغت لمعارك انصرافية لتصفية حسابات سياسية مع الخصوم مستخدمة كافة آليات الدولة و نسيت تماما مهمة تحسين الاقتصاد و المعيشة التي ثار من اجلها الشعب ضد الانقاذ و ان البلاد علي وشك حالة مجاعة عامة بسبب الندرة في الخبز و الوقود و الدواء و الغلاء الطاحن و الزيادة المضطردة في الأسعار. و من ظرفاء المدينة من قال: ( الانقاذ عملت خط أنابيب البترول..و قحت عملت خط أنابيب الغاز في الميادين…).
كان و للاسف الشديد من المأمول أن يستفيد د.عبدالله حمدوك من دروس وتجارب الإنتقال السابقة في السودان وكذلك تجارب العالم والإقليم من حولنا والدول ذات الصلة و هو سيد العارفين بهدف الإستهداء بتجاربها، و ان يكتب اسمه في سفر التاريخ ك (ملهم) لا يقل شأنا عن العظماء ( نيلسون مانديلا، المهاتما غاندي، مهاتير محمد، بول كيقامي زعيم رواندا و غيرهم) في تخليص اوطانهم من شبح التمزق و الانهيار، إذ أن التشابه بين الحالة السودانية وبعض البلدان في الإقليم قد يساعد في دفع عملية التحول والإنتقال الديمقراطي بطريقة سلسة وبأقل تكاليف ممكنه، فإن تجارب دول مثل ((جنوب افريقيا – رواندا-البرازيل )) في استحداث الآليات والنماذج الأنسب لعملية التحول والإنتقال ومنها نموذج الحقيقة والمصالحة في جنوب افريقيا ورواندا ونموذج الإنصاف في دولة المغرب بل حتي تجربة الجارة اثيوبيا و نموذج ال zero conflict في عهد ابي احمد وغيرها من تجارب الدول الإسلامية مثل ( ماليزيا – تركيا – تونس ) والتي عمدت إلي تبني نماذج تتحرر فيها من عقدة الماضي وتتجاوب مع البدائل التوافقية للحلول والمعالجات الواقعية والعقلانية الأكثر قبولاً لدي المجتمعات، غير أن بطانة الرجل السيئة قد أفسدت عليه فرصة دخول التاريخ من أوسع ابوابه و ضيع الدكتور حمدوك تلك الفرصة بإرضاء الناشطين ومضي في تكوين حكومة لا تعترف بالكفاءات الوطنية المستقلة ويقوم برنامجها علي تمكين جديد للموالين فقط ،أكثر تطرفا وإقصاءاً للمخالفين و الذين لا يؤمنون برؤيتهم بل مصادرة حقوق المواطنة مما ينذر بإعادة إنتاج الأزمة في السودان بأسوأ مما كانت عليه في الأنظمة السابقة.
و لكن مع كل هذه الضبابية الملبدة بالغيوم و انسداد الأفق السياسي للحاكمين الجدد فإن الحل لا يكون في العودة للحكم العسكري الآحادي مرة أخري فقد سئم الناس حكم الطواغيت و الأفراد علما بان سياسات الحكومة الحالية هي أكبر مهدد للأمن القومي السوداني و لا يكون الحل ابدا في الصراعات و النزاعات والحروب و لا في انهيار الدولة السودانية القائمة الآن و زوالها وانما في المبادرات و ابتكار حلول غير نمطية و العمل و البحث مع أهل السودان قاطبة عن (مشروع وطني قومي و شامل) يتوافق عليه الجميع دون إقصاء او عزل لاحد إلا من ثبت عليه ارتكاب جرم يقدح في أهليته فإن ذلك يمثل مخرجا من حالة التوهان الماثلة اليوم.