لماذا ينبغي علينا التفكير في ما بعد “قحت ” وحمدوك؟…الطاهر حسن التوم
لم تبصر ” قحت” في تظاهرات الخرطوم والولايات غير وجوه خصومها ومخالفيها، فعجلت الى سلطات الأمن تستحثهم منعهم وتفريقهم والقبض على بعضهم، والى لجنة التمكين تستصدر القرارات تلو القرارات بخفة وعجلة متجاوزة قيود وموانع قانونية واخلاقية، فالرهان على” الصراخ ” كما قال ود الفكي عضو مجلس السيادة ” سنجعلهم يصرخون ” اشارة لخصمهم السياسي المعني بقرارات لجنته لتمكين قحت وفك تمكين الكيزان.
انها معركة الماضي التي تستوعب جهد” قحت ” بشكل مركزي ، والى ميدانها يهرع كل يوم مسؤول ، وآخرهم وزير الاعلام الذي استل في ميدان المبارزة والعنف اللفظي من قاموسه عبارة اختبأ في اسنادها للشعب السوداني : ” نمرغ انوفهم بالتراب “!.
انها تعابير ومفردات تصدر عن نفسية الجالس على الكرسي والمستند على السلطان والمتدرع بسطوته ، وقد جربها من كان قبلهم ، فما أغنت عنه شيئا.
• غاب عن نظر قحت ومناصريها وما كان ينبغي ان يغيب ان ازمتهم كامنة فيهم ، تتوكأ فعلهم وكسبهم ، وتصدر عن نهجهم وتفكيرهم ،قبل ان تكون توظيفا من “خصمهم ” السياسي .
وشواهد ذلك تقرأه بوضوح في الأتي :_
١/ الصراع السياسي والاستقطاب داخل قوى الحرية والتغيير نفسها ، والخلاف بين مكوناتها ما ظهر منه وما بطن (كما صرح بذلك سكرتير الحزب الشيوعي وغيره من قيادات قحت في مقابلات صحفية ).
ومرد ذلك أن التحالف بات في قبضة قوى الأجماع الوطني بنهجها الرافض للتسوية والتعاطي الهادىء لقضايا الانتقال . وتلحظ ذلك بوضوح في مجانبة ظاهرة للامام الصادق المهدي وللسيد عمر الدقير لخط الحرية والتغيير ونقدهما لمسلكيته السياسية .
٢/ صراع قحت نفسها مع حكومة حمدوك حول نهجها الاقتصادي مما جعلها مشلولة كسيحة ، لا تعرف اي نهج تنتهج وتجلى ذلك بوضوح في قضية رفع الدعم” ، وجذور هذا الصراع تمتد عميقا الى صراع الحزب العجوز ( الشيوعي ) مع مرافيده ( الشلة ) الذين سيطروا على مكتب حمدوك واحاطوا به احاطة كاملة. وأمتد الصراع الى لجان المقاومة ، فالحزب يريدهم عصاة يرفعها في وجه العسكر و حكومة حمدوك ضمن خطته لتعزيز المسار الثوري ضد الهبوط الناعم كما يقول ، و( الشلة ) يريدون سحبهم من رصيد مناوئيهم ، ليحشروتهم في رصيد حكومة حمدوك ، تحت مسمى “لجان الخدمات والتغيير”.
٣/ حالة الشك الدائمة في شريكها العسكري تتهمه بالتغول على سلطاتها المدنية حينا، وبممالاة القديم احيانا، وبالأئتمار عليها مع الخارج في احايين كثيرة ، ثم هاهي تلعب في الخفاء اللعبة الخطرة، مستنصرة بهذا المكون على ذاك، رغبة في الحماية والدعم للحيلولة دون انقلاب تتوقعه وتخشاه . وربما تشتري به ” الوقت ” لحين وصول قوات الامم المتحدة فتضرب بهم هذا وذاك !.
٤/ فشلها في خلق حالة حوارية سلسة مفضية لسلام مع الحركات المسلحة. وتغريدات وبيانات الحركات شاهد ودليل ، وآخر ما وصفها به فيصل محمد صالح بانها تمارس ” الابتزاز”، وهذا وصف يكشف عن هوة وتباعد .
٥/ جفوة وخصومة مع المحور الاقليمي الداعم لحكم ما بعد البشير ، وتجلى ذلك في مخاطبات الشيوعي واتهاماته ، مما اضطر وزير الدولة بالخارجية الاماراتية للرد عليهم في تغريدة شهيرة . والى جنس هذا السلوك مضافا اليه الهتافات في وجه وزير الدولة للخارجية السعودي في الخرطوم ، والتظاهرات صوب سفارات دول المحور ..من جنس هذا قبض المحور يد الدعم من بعد بسط ، وقد أكد هذا صراحة الفريق اول حميدتي .
٥/ حالة التباعد والمجافاة مع غالب القوي السياسية من شاركها الميدان ، ومن لم يشاركها ، زاعمة بلسان حالها ان سقوط البشير زرعته وحدها وحصدته وحدها وستأكل ثماره وحدها !. واما التيار الاسلامي فقد استعادت قحت بمكونها اليساري معارك الماضي لتعزز بها حربا شاملة ضروس لم تستثني حتى المناهج الدراسية ، والمنظمات الخيرية .
٦/ الآثار القاسية للمعاناة الحياتية الناجمة عن ضعف حكومة حمدوك ، والتي تشهد عليها كل يوم طوابير الشح والندرة والغلاء ، و تدهور العملة السودانية .
• نسيت “قحت ” او تناست انها تسللت الى افئدة الناس وعقولهم بخطابها الذي نسجته من ازمات السياسة والحياة ابان حكم البشير ، و ها قد تضاعفت المعاناة اليوم في عهدها وبلغت حدا من العسر ما كان ينبغي أن يغيب عن بصرها ، ولا يشغلها عن علاجه شاغل.
انشغلت قحت بالعرض عن المرض، وبالمظهر عن الحالة التي انتجته، وصرفت نظرها عن كل هذا الذي عددناه ..وعن رؤية خصمها الحقيقي “العجز والفشل ” ماثل فيه ، وابصرت فقط ويا للدهشة خصمها الذي علا صوته محتجا عليه !.
واذا غاب عن قحت ان تبصر ذلك كله ، رغم بروزه وعلو صوته ، غفلة او مكابرة او سكرا بالسلطة فلا ينبغي ان يغيب عنا جميعا . فقد بات التفكير في ما بعد قحت واجبا تستحثه مخاطر عديدة اراها تحكم قبضتها على بلادنا كل يوم .