الحظر الشامل..(ربنا يستر)…محمد عبدالقادر
علي كل
محمد عبدالقادر
بالطبع لن يختلف إثنان على خطورة الوضع الصحي وضرورة مواجهته بما يلزم من احترازات وقائية توقف حالات الإصابة الآخذة في التزايد، ولكن بالمقابل هل يعتبر الحظر الشامل وصفة تناسب بيئة السودان الخدمية المنهارة.
بالطبع لن يرفض أحد تشدّد الحكومة في التعامل مع الجائحة على النحو الذي تقتضيه خطورة الأوضاع الراهنة، ولكن تمنيت أن تعمل سلطاتنا على المحافظة على ما تحقق من نتائج خلال الفترة الماضية، إذ أن توسيع الحظر ليكون شاملاً إجراء يمكن أن يهدد ما تحقق من تجاوب ممتاز للمواطنين مع حظر التجوال من السادسة مساءً وحتى السادسة صباحاً.
ومثلما تدرج الحظر من الثامنة وأصبح في السادسة مساءً، كنت أتوقع أن تزيد الحكومة الساعات، مع منح العاملين في القطاعين العام والخاص عطلة لثلاث أسابيع، في تقديري مثل هذا الإجراء كان سيحافظ على الحظر أكثر من تمديده ليكون شاملاً.
سيكون المحك الرئيس لنجاح الحظر من عدمه استعدادات الحكومة وترتيباتها لتأمين احتياجات الناس في بيئة كل ما فيها يدعو لعدم البقاء في المنزل.. (أزمات في الخبز والكهرباء والغاز والاحتياجات الأساسية وغلاء الأسعار وندرة السلع)..
البعض لا يملكون بالطبع (مالاً) يبقون به في بيوتهم كل هذه المدة، أو يخزنون به المؤن لمواجهة احتياجات فترة الحظر..
سيقضي الأغنياء على كل شيء في الأسواق.. لن يتركوا للفقراء حتى الفتات..
أخشى أن تأتي لحظة يتساوى فيها عند الناس الموت بـ(الجوع ) و(الكورونا) فيخرجوا غير آبهين بما سيحدث.. لحظة تقنعهم بأن البقاء داخل وخارج المنزل(واحد)..
إذا أردت أن تُطاع فلتأمر بالمستطاع..
في الخليج ودول أخرى لا يؤثر بقاء المنزل أو الخروج منه في الحصول على ما تريد من غذاء، كل الخدمات تطلبها عبر تطبيقات الموبايل المختلفة وبلا عناء لتأتيك حيث تريد، بإمكانك أن تبقى سنوات دون أن تُغادر المنزل، مع تدابير مثل هذه الدول للتعامل مع جائحة كورونا أصبح الأمر أسهل مما كان، حيث تسهر الجهات المختصة لإنعاش خدمة توصيل الغذاء والاحتياجات في البيوت، هذا الأمر لا يمكن أن يحدث في السودان.
في الخرطوم، حيث الأزمات يمكنك أن تمضي الساعات الطوال أمام طلمبات الوقود وفي صفوف المخابز ومطاردة الغاز، وتعود بعد ذلك بخفي حنين.
حتى وإن كنت تملك المال، قد لا تنجح في الحصول على السلعة التي تريد، معظم السكان يعتمدون في حياتهم على رزق اليوم، لذا فإن تنزيل وصفات الدول الأخرى على واقع السودان خطوة غير موفقة ومغامرة غير مأمونة العواقب..
آبي أحمد، رئيس وزراء أثيوبيا أعلن أنه لن يتمكن من تنفيذ الحظر الكلي بسبب فقر شعبه واعتماده على (رزق اليوم باليوم)، في جنوب أفريقيا إنهار الحظر الكلي وتحول لأعمال فوضى وسلب ونهب للمخازن والمولات والأسواق، نعم سيخرج الناس إذا تساوى الموت بـ(الجوع) و(الكورونا)، سيخرجون غير آبهين، وهذا ما نخشاه حال فشل الدولة في توفير احتياجات المواطن وخدماته الأساسية على الأقل.
على الحكومة أن تعلم أنها تنفذ حظراً كلياً في دولة تقطع فيها الكهرباء 12 ساعة في اليوم ومع انعدام غاز الطهي، وهجرة المواطن اليومية بين المخابز.
بالأمس طمأن والي الخرطوم، الفريق أحمد عابدون حمّاد مواطني الولاية بأن السلع الغذائية ستتوفر يومياً داخل الأحياء، وأن المواطن لن يحتاج إلى تخزينها.. الوالي
أشار إلى أن قائمة بالاستثناءات من الحظر تشمل المصانع العاملة في المنتجات الغذائية، وعربات التوزيع، ونقل الخضار واللحوم والدواجن والألبان، والمخابز ومحطات الوقود..
عابدون قال إنه سييتم الاتفاق على ساعات أثناء اليوم يسمح فيها للمواطن بالخروج للتسوق داخل منطقته.
هذه تطمينات جيدة من قبل الوالي، سنعكف على متابعة تنفيذها رغم علمنا وجود أزمات مستفحلة أخشى أن تُحوّل حديث الوالي إلى (مجرد تطمينات)، جميعنا يعلم ما تعانيه الخرطوم من تعقيدات في المعيشة أعيت الطبيب المداويا..
بعد الترحيب بتطمينات الوالي لا بد من الإشارة إلى أن الأزمة لا تتعلق فقط بشراء المواطنين للسلع وإن حُلّت، السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح، من أين للمواطنين بالمبالغ التي يتسوقون بها ولمدة 21 يوماً، الحظر سيتسبب في توقّف ما يزيد عن 70% من المواطنين من مكابدة الحصول على الرزق اليومي.. وهذه هي المصيبة.
على كلٍ، نسأل الله أن يعين ولاة الأمر على اتخاذ الناس القرارات الصائبة والعادلة، وأن لا يكون الحظر الكامل حتى نهاية الأسابيع الثلاثة، ونأمل أن تجيب الحكومة على أسئلة الناس ومعاشهم واستقرار خدماتهم قبل دخولهم في الحظر الشامل السبت المقبل، إذا لن تستطيعوا إطعامهم، دعوهم يأكلون من خشاش الأرض، وإذا أردت أن تطاع فلتأمر بالمستطاع.