لن يختلف اثنان على أن الحكومة الحالية فشلت تماماً في التعامل مع قضايا المواطن الملحة، تأزمت الأوضاع الاقتصادية للحد الذي توقفت فيه الحياة؛ باتت الصفوف هي الملمح الأساسي في مشهد السودانيين، أزمة في الوقود والغاز والكهرباء والخبز وفي كل شيء، ارتفاع قياسي في الأسعار، الصفوف تزداد يوماً بعد يوم، ولا يبدو أن هنالك ضوءا في آخر النفق، الاحتقان السياسي وصل مداه، والهشاشة الأمنية باتت تغري بانتهاك سيادتنا وقد توزع أمر بلادنا بين الدول، وباتت مرتعاً لحراك الأطماع وتقاطعات الأجندة.
من المؤسف أن يحاول البعض دفن رؤوسهم في الرمال إنكاراً لما يحدث من باب المكابرة وتصفية الحسابات مع الكيزان، أو بدافع التعصب السياسي لحكومة قحت التي خذلت مناصريها قبل أن تفجع السودانيين بأداء باهت لم يرق لطموحاتهم وأحلامهم في التغيير.
بصراحة، لن تصمد التبريرات الفطيرة التي يروج لها الحاكمين الآن في إقناع المواطن بأن ما يحدث بعض من ورثة الكيزان أو بفعل عمايل فلول النظام البائد، بالعكس لن يعترض أحد على تقديم فاسد للمحاكمة، الدولة بيدها القانون وآليات تنفيذه فلماذا لا تحاكم المتربصين بمعاش الناس.
قضية الفشل الذي تعيشه الدولة أكبر من اختزالها في قصة الدولة العميقة التي باخت من التكرار، ولم تعد تقنع حتى الأطفال، ما يحدث الآن أمر مخيف، لا ينفع أن نتعامل معه بعقلية الناشطين و(غلاط هلال مريخ)، وطريقة تصفية الحسابات، الأمر سادتي أخطر من حالة التجاذب التي نشهدها الآن بين الحاكمين والفلول، مالم تنتبه حكومة قحت إلى ما يحدث الآن بعيداً من محاولات تخدير الشارع فستجد نفسها في مواجهة مصير الانقاذ التي صبر الناس على أزماتها كثيراً لكنه أطاح بهم حينما لم يلمس أي تحرك من قبل الدولة لانهاء معاناته ومشكلاته المعيشية.
رأيي أن الأزمات في حد ذاتها لم تشعل فتيل الثورة، لكن التقاعس من قبل الحاكمين آنذاك وعدم إحساسهم بأزمات الشارع هو الذي أثار حفيظة المواطنين، أهل الإنقاذ كانوا يأمنون غدر الزمن والجماهير، فاستبدت بهم عظمة الحكم وأغراهم صولجانه وأنستهم آليات القمع خيار الحلول فاستهتروا بمعاناة الناس حتى وقعت الواقعة.
لا يمكن أن تكون بلادنا غارقة في كل هذه الأزمات ولا يستشعر رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أن الحكومة بحاجة إلى تغيير، أو حتى مجرد تعديل، من الصعب أن يتخيل المرء أن يستمر مجلس الوزراء بكامل طاقمه في ظل وجود كل هذه الأزمات وكأن شيئاً لم يحدث.
تعترف الدولة بالأزمات وأن الوزراء (قاعدين ساي)، تندد قحت بوزير المالية ليل نهار، تُكوّن الحكومة آلية اقتصادية للتعامل الإسعافي مع الموقف ومعالجة التقصير، تُعلن عن لجنة لإنقاذ الموسم الزراعي لذات الغرض، تغرق البلد في أزمات التجارة والصناعة وتتحول بكل أجهزتها إلى آلية لتوزيع الدقيق، ترتفع الأسعار، وتختفي السلع، تنهار الصحة للحد الذي يُعلن فيه الوزير توقف بعض المستشفيات، تسوء أوضاع البلد لهذا الحد وتستمر الحكومة دون أن تستشعر حاجة البلد لإعفاء وزير أو إقالة مسؤول.
بصراحة أكبر استفزاز للمواطن الآن هو استمرار الحكومة بحالتها الراهنة وكأن شيئاً لم يحدث، ومثلما أجزلنا النصح للإنقاذ من قبل بأهمية التغيير ومحاسبة المقصرين وإشعار المواطن بأنها تستشعر أزماته ومعاناته قبل وقوع الفأس واختراقه للرأس، ها نحن ندعو حمدوك لمواجهة حالة الفشل العام في أداء الدولة بإجراءات تستبق غضب الناس، حفاظاً على التغيير وقبل أن تقع الواقعة.. ألا هل بلغت اللهم فأشهد.