الاقتصاد السوداني.. صدمات متتالية ومخاوف الانهيار الكامل

تقرير – مهند عبادي

يشهد السودان تدهور اقتصادي كبير انحدرت معدلاته لتصل مراحل بالغة التعقيد وذلك في أعقاب اشتعال الحرب بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع، والتي تسببت في تراجع صادرات البلاد وتدني الايرادات الحكومية، وانخفاض سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار، والخسائر الكبيرة في القطاع المصرفي، وارتفاع معدل العجز في الميزان التجاري إلى جانب خسائر القطاعات الانتاجية الاخرى التي بسببها تعيش البلاد حاليا أزمة مالية تجتهد الحكومة في ادارتها بالشكل الذي يجنب البلاد خطر الانهيار الكامل، وقد شملت خسائر الحرب بنيات أساسية مادية كالجسور والسدود وشبكات نقل الكهرباء والمياه والوقود والاتصالات والمنشآت الصحية والتعليمية والمباني العامة والأسواق، إضافة إلى دمار منازل وممتلكات المواطنين.

 

صدمة أكبر

ويرى الخبير الاقتصاد هيثم فتحي ان الاقتصاد السوداني يعيش تحت وطأة خمول النمو مقابل ارتفاع معدلات التضخم، وهذه نتيجةً حتميةً لارتفاع السلع الرئيسة، مقابل انخفاض قيمة العملة، مما ادى فعلاً إلى تآكل الدخول، وضعف الإقبال على الطلب والشراء، وزاد من ذلك ندرة الإمدادات المتوقعة من دول الجوار أو الدول الصديقة، وأشار إلى تراجع مستويات الثقة لدى المستثمرين؛ السودانيين والاجانب فهربت رؤوس الأموال والاستثمارات لأماكن آمنةٍ اخري غير السودان ، ومن ثم تراجعت قيمة أصول الدولة السودانية التي تخوض غمار الحرب لاكثر من 14 شهراً، وأضاف في تصريح للتايمز نيوز أن اقتصاد الحرب سيتسبب في عواقب سلبية طويلة المدى بسبب أن جُل الإنفاق الإضافي يكون منصبا على السلع “الاستهلاكية” وليس الاستثمار في قطاع التصنيع، وان حوالي مليون عامل من ذوي المهارات العالية قد غادروا منذ عام ابريل 2032، ما يعني أن سوق العمل يعاني في الوقت الحالي وسوف يعاني اكثر ومستقبلاً من نقص حاد في العمالة في قطاعات هامه، لذلك الحرب شكلت عبء على اقتصاد السودان ، و سوف يتعرض اقتصاد البلاد لصدمة اكبر بالنظر للأضرار التي لحقته اثناء الحرب.

 

وفي الأثناء أعلنت الغرفة الصناعية في السودان، عن فقدان أكثر من مليون وثمانمائة عامل لوظائفهم منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، وقالت الغرفة الصناعية ، إن حجم الخسائر التي تعرض له القطاع الصناعي بولاية الخرطوم، تقدر بأكثر من 50 مليون دولار وتوقف 90 % من المصانع عن العمل في البلاد، وقال معاوية البرير، “إن القطاع الصناعي تعرض إلى خسائر ضخمة طالت أكثر من 90% من المصانع في ولاية الخرطوم بخسائر بلغت قرابة 50 مليون دولار بالنسبة للقطاع الصناعي وتوقف أكتر من 1800 عامل وموظف عن العامل”، وأضاف: “الجانب الأهم، نحن نعمل على إعادة تشغيل المصانع وإرجاع العمالة المتوقفة عن العمل من الفئات والمهنيين والشباب والعاملين”.

 

وسبق ان قال وزير التجارة والتموين الفاتح عبد الله يونس، إن الحرب الحالية تهدف إلى نهب موارد السودان مشيرا إلى أن من أشعلو الحرب بعد الفشل في ميدان القتال إتجهوا الان لمحاربة السودان اقتصاديا، وأكد الوزير، أن اقتصاد البلاد مرن وقوي ولن ينهار، وشدد الوزير على أن ادعاءات حدوث مجاعة يكذبها امتلاك الشعب السوداني للاقتصاد الموازي الذي يوفر الغذاء، وأمتدح الوزير دور مباحث التموين في رقابة وضبط أساليب التأثير على سعر الصرف وتزوير المستندات الخاصة بالصادر والوارد وتخريب الاقتصاد مشيرا إلى فتح عدد من البلاغات، وفي غضون ذلك قال الوزير إن هناك جهات – لم يسمها – تعمل على عدم تطبيق السياسات الحكومية فيما يتعلق بالاستيراد والتصدير، واكد الوزير أن الحكومة قامت بإلغاء السجل التجاري القديم والذي كانت به “33” ألف سجل تعمل منها “16” ألف فقط بشكل رسمي إتجهت لانشاء سجل تجاري جديد عقب الحرب بضوابط جديدة فضلا العمل على ترتيب أوضاع المصدرين والمستوردين وتوفير السلع ال”10″ الأساسية لسد الفجوة في السوق، فضلا عن صدور القرار”87″ الخاص ببعض السلع، واستقطاب المصدرين الحقيقيين للاستفادة من حصائل الصادر، وعقد اتفاقيات مع دول الجوار لفتح المعابر وعروض الصادرات مع الدول العربية للحوم والماشية والحبوب، لافتا إلى ان التهريب يعتر أكبر مهدد لعمل الوزارة.

وفيما يتعلق بالميزان التجاري قال الوزير إن صادرات البلاد في العام 2022 بلغت “400، 4″ مليار دولار والواردات”11،900” مليار دولار بعجز بلغ “6،700″، بينما في “2023” بلغت الصادرات “2،800” والواردات”4،600″،و العجز مليار “1،700″ وفي الربع الأول من العام الجاري الصادرات بلغت”3،24” والواردات”8،600″، ولفت الوزير إلى أن الصادرات الزراعية بلغت “4” مليار دولار والثروة الحيوانية “691” مليون دولار بينما بلغت المعادن”” 21 طن ذهب.

 

الحرب أوقفت نمؤ الاقتصاد

 

 

وبالنسبة للمحلل الاقتصادي الاستاذ عبدالوهاب جمعه فإن

اتساع رقعة الحرب ووصولها لثماني ولايات من جملة ثمانية عشر ولاية بالبلاد، يعد مؤشرا سبئا لتدهور الاقتصاد الذي تأثر كثيرا بذلك نتيجة لتوقف عجلة الانتاج ونزوح السكان، ويرى جمعة في حديثه للتايمز نيوز، أن اقتصاد السودان تأثر كثيرا بوقف الانتاح والنزوح الذان يتعبرا عاملين أساسيين في ضعف الاقتصاد، لأنها قادا إلى انخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار وارتفاع معدلات التصخم، مما أدخل اقتصاد البلاد في حلقة مفرغة سيما بعد أن اصبح حجم الواردات اكبر من الصادرات، وأضاف عبد الوهاب أن الحرب اضعفت الاقتصاد وأوقفت النمؤ الاقتصادي الذي كان يمضي بشكل ايجابي عقب الاصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، والتي تأثرت لاحقا عقب انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر، بينما يتجه الان النمؤ الاقتصادي بفعل الحرب بشكل سالب جدا،

خاصة مع انخفاض الناتج المحلي الاجمالي الذي تراجع من من ٤٠ مليار دولار الى ٢٠ مليار وهذا امر خطير جداعلى الاقتصاد وتابع جمعة أم ضعف النمو سيبقى هو المعضلة الاساسية لاقتصاد البلاد.

وقال جمعا أنه وبخلاف المؤشرات الاقتصادية واثارها هناك أيضا اثار اخرى عميقة يصعب قياسها مثل تدمير البنية التحتية و النزوح وتكلفة الارواح التي قتلت من عمالة ماهرة اضافة الى تدمير الطاقة والمرافق العامة مثل الكهرباء و المياه والصحة التي انهارت بشكل كبير، فضلا عن

خروج الصناعة من الانتاج كما ام

السودان لن يكون جاذبا للاستثمار، وذهاب تخويلات المغتربين إلى دول الجوار.

 

 

إجراءات بنكية

 

وقبل أسابيع مضت حدد البنك المركزي السوداني الأسعار المرجعية لصرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني الذي فقد كثيرا من قيمته بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، حيث أعلن محافظ بنك السودان المركزي، برعي الصديق، قرارا قضى بوضع حد للسحب اليومي من أموال العملاء بالبنوك، ورفع سقف التحويلات عبر التطبيقات المصرفية، وقال برعي، إن “البنك رفع سقف التحويلات عبر التطبيقات البنكية إلى 15 مليون جنيه يوميا، بدلا عن 6 ملايين جنيه”، وأشار إلى أن البنك حدد سقف السحب اليومي عبر نوافذ البنوك بـ300 مليون جنيه يوميا، كما حدد السحب اليومي عبر الصرافات الآلية بـ50 ألف جنيه يوميا”، ولفت إلى أن “القرار يهدف لوقف التدهور المستمر لقيمة الجنيه مقابل العملات الأخرى”، مشيرا إلى أن أسباب تدهور العملة المحلية متعددة، يأتي على رأسها “توسع البنك المركزي في تقديم الاستدانة لوزارة المالية”، وأضاف أن “وزارة المالية فقدت معظم مصادر إيراداتها، وبالتالي تحمل البنك المركزي وحده مسؤولية الصرف نيابة عنها”، وكشف محافظ بنك السودان المركزي عن إغلاق حسابات في عدد من البنوك بسبب المضاربة في العملة بالسوق الموازية”.

 

 

 

إستقرار الجهاز المصرفي

 

وعمد بنك السودان المركزي منذ الأيام الأولى لاندلاع المواجهات المسلحة إلى تجنب الكارثة وتخفيف الاثار، باجراء بعض السياسات الهادفة لادارة الأزمة والسعي بجهد ومرونة كاملة للتعاطي مع الأزمة المالية عبر مجموعة من الإجراءات، حيث ظل البنك المركزي يعمل ومن خلال غرفة الطوارئ التي شكلها

لإدارة الأزمة الناجمة عن اندلاع الحرب وعبر التنسيق المستمر مع وزارات المالية و التجارة و المعادن لمعالجة المعوقات التي تواجه القطاع الاقتصادي، وفي سياق جهود المركزي لمواجهة تحديات الأزمة المالية فقد أصدر مجموعة من الضوابط والإجراءات المتعلقة باستئناف عمليات التصدير والاستيراد، فضلا عن تبني البدائل والحلول التي تمكن المصارف من التعامل مع الآثار والخسائر المترتبة على هذه الحرب وذلك في إطار القوانين والمعايير المحاسبية والرقابية المنظمة للعمل المصرفي وبما يحفظ حقوق المودعين والمتعاملين مع المصارف ويحقق سلامة واستقرار الجهاز المصرفي، ونجح المركزي في استعادة الربط الشبكي والتطبيقات والنظم المصرفية الألكترونية بالمصارف لاكتمال دائرة الدفع الإلكتروني، إلى جانب إصدار الضوابط ووضع الترتيبات اللازمة لاستئناف إجراءات منح التمويل المصرفي للمستفيدين في القطاعات المختلفة خاصة القطاع الزراعي والقطاعات الصغيرة وصغار المنتجين، وقد حققت هذه الضوابط رضا كبيراً لدى قطاعات المزارعين والقطاعات الأخرى.

 

 

ضوابط متنوعة

 

 

وهناك ضوابط أخرى أصدرها البنك المركزي تتعلق بإجراءات نظام الصادر والاستيراد الورقي لمعالجة عجز الميزان التجاري، والتأكيد على أن ودائع الجمهور لم تتأثر بأعمال النهب والتخريب التى طالت عدداً من المصارف،

كما تمكن بنك السودان المركزي من مزاولة بعض أعماله التي كانت تدار بصورة مركزية من خلال عدد من فروعه، و فتح نوافذ لشراء النقد الأجنبي ومتابعة إجراءات الصادر ووضع ترتيبات وإجراءات ساعدت على انسياب التحويلات الخارجية بالنقد الأجنبي، واستئناف عمل المصارف بفروعها في الولايات التي لا تواجه مخاطر الحرب،و السماح بفتح حسابات للجهات الحكومية في المصارف بتفويض من وزارة المالية كإجراء استثنائي مؤقت، كما سمح المركزي بتجاوز شرط سريان صلاحية الأوراق الثبوتية المنتهية في أو بعد 15 أبريل 2023م طالما يتم تقديم أصل المستند، وتمديد فترة صلاحية البطاقات المصرفية التي انتهت صلاحيتها وذلك لمدة ستة أشهر من تاريخ التجديد، فضلا عن السماح للمصارف بفتح فروع في الولايات لتقديم خدماتها المصرفية.

Exit mobile version