تقارير

اغتصاب في المخيمات… عنف جنسي يستهدف اللاجئات في تشاد

يكشف التحقيق عن بيئة غير آمنة للاجئات في تشاد، إذ تتعرض نساء من السودان وأفريقيا الوسطى للاغتصاب والعنف الجنسي داخل المخيمات وخارجها على يد قوات مكلفة بحمايتهن وعاملين وموظفي منظمات إغاثة، دون ملاحقة الجناة.

– لا تعتبر العشرينية السودانية عرجون القوني نفسها ناجية من العنف الجنسي، إذ ما زال الخطر قائما بل وتكرر مع أخريات في مخيم فرشنا الواقع في مقاطعة أسونغا بإقليم ودّاي، جنوب شرق تشاد، والذي تقيم فيه منذ فرارها مع أسرتها عقب اندلاع القتال في إقليم دارفور عام 2006، كما تقول لـ”العربي الجديد”، وتضيف بألم: “حاول ثلاثة شبان اغتصابي في خريف 2022 بينما كنت عائدة من رحلة علاجية”.

ويقر توكي ألافوز Toki Allafoz، مدير مخيم فرشنا، وممثل اللجنة الوطنية لاستقبال ودمج اللاجئين في المخيم (تشادية حكومية)، بتعرض اللاجئات للعنف الجنسي، مبررا ذلك بأن مخيم فرشنا يضم 100 ألف لاجئ، ومن الطبيعي أن تحدث حالات اغتصاب بين هذا العدد الكبير، ويستدرك في إفادته لـ”العربي الجديد”، بأن “معظم حالات الاغتصاب داخل المخيم تحدث من قبل اللاجئين ويتم حلها بطرق ودية بينهم ولا يسمحون للقائمين على الإدارة بمعرفة ما حدث”.

المكلفون بحماية اللاجئين يمارسون العنف الجنسي ضدهم
يبلغ عدد اللاجئين في تشاد 600 ألف شخص يتوزعون على 19 مخيما في أقاليم ودّاي وسيلا جنوب شرق تشاد ووادي فيرا (شرق)، ومدينة قوري Gorè على الحدود الجنوبية التشادية مع أفريقيا الوسطى، ومدينة باغا سولا في إقليم البحيرة، وضواحي مدينة أنجمينا، حسبما يقول لـ”العربي الجديد”، محمد عبد الرحمن عيسى، مدير إدارة الاستقبال والتسجيل في اللجنة الوطنية لاستقبال ودمج اللاجئين.

ويوثق التحقيق تعرض اللاجئين إلى اعتداءات واغتصاب بالإضافة إلى تزويج قسري للفتيات، وهو ما يؤكده التقرير السنوي عن حالات العنف الجنسي والجندري (النوع) بين اللاجئين في تشاد عام 2016، الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 13 إبريل/ نيسان 2017، والذي وثق 1247 حالة عنف جنسي وعنف قائم على نوع الجنس (الأذى الجسدي والنفسي والاقتصادي) في مخيمات اللاجئين بتشاد.

ومنذ بداية 2020 وحتى نهاية 2022، سجلت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (مكتب تشاد)، وقوع 54 حالة اغتصاب في مخيمات اللاجئين، بحسب إفادة أنغارغون أريستوفال Aristophane Ngargoune، المسؤول الإعلامي للمفوضية، الذي يؤكد لـ”العربي الجديد” متابعة قضايا الاغتصاب في المحاكم، وتقديم الدعم النفسي والصحي للضحايا.

ويتلقى مكتب المنظمة الدولية للهجرة في تشاد 1000 شكوى سنويا من لاجئين يتعرضون للعنف الجنسي بشتى صوره (الاغتصاب والتحرش والبغاء القسري والتجارة الجنسية والزواج القسري) في المخيمات، كما وثق ما بين 20 و30 شكوى عن حالات اغتصاب لاجئات في المخيمات خلال السنوات الخمس الأخيرة، وفق إفادة نادي ندوم NDJI NDOUM، مديرة إدارة المرأة والطفل بمكتب المنظمة، مؤكدة لـ”العربي الجديد”، أن المخيمات بيئة غير آمنة وتقع فيها حالات التحرش والاغتصاب، حتى أن اللاجئين يتعرضون للعنف الجنسي من قبل أفراد شرطة DIS (قوة مكونة من الشرطة والدرك التشاديين، مسؤولة عن إنفاذ القانون وحماية اللاجئين في مواقع اللجوء) وعاملين في المخيمات وموظفي منظمات إغاثية.

ما سبق تؤكده منظمة العفو الدولية، التي سبق لها أن رصدت الظاهرة في تقريرها الصادر بتاريخ 30 سبتمبر/ أيلول 2009، بعنوان “لا مكان لنا هنا: العنف ضد اللاجئات في شرق تشاد”، موضحة أن “النساء والفتيات اللواتي يعشن في مخيمات اللاجئين في شرق تشاد، يواجهن يوميا خطر التعرض للاغتصاب وغيره من ضروب العنف داخل المخيمات وخارجها، على الرغم من وجود الأمم المتحدة”، ويفيد التقرير بأن بعض رجال الشرطة الأمنية المسؤولة عن تأمين المخيمات المعروفة بـDIS، والتي يفترض أن توفر الأمان للمخيمات، انتهكوا حقوق الإنسان. “ففي يناير/ كانون الثاني 2009، اغتصب ممرض تشادي لاجئة قاصرا بعمر 13 عاما وحملت منه، ورغم اعتراف الرجل بفعلته، لكن لم يُحاكم”.

ما سبق تؤكده ثلاث لاجئات وثق معد التحقيق إفاداتهن، ومنهن القوني، التي تشير إلى أن أفرادا من الشرطة المسؤولة عن حماية اللاجئين في المخيمات وموظفين متورطون في الأمر، ومن ذلك واقعتا اغتصاب امرأتين إحداهما من قبل موظف يعمل في مخيم فرشنا، والثانية اغتصبها جندي أثناء جمعها الحطب خارج المخيم، وتقول: “اللاجئات لا يثقن بالقوات المسؤولة عن أمن المخيم”.

ويعترف ندولوم مارسيل Ndoloum Marcel، مدير الموارد البشرية في DIS، بحدوث حالات تحرش في المخيمات، لكنه يؤكد لـ”العربي الجديد” على معاقبة المتحرشين، ويقول: “تم طرد عنصر بسبب محاولته اغتصاب امرأة وهما خارج المخيم”، ويبرر حدوث تحرش من قبل أفراد الشرطة قائلا: “أغلب رجال الشرطة شبان ويعيشون بعيدا عن زوجاتهم”.

تأخر البت في قضايا الاغتصاب
تقدمت اللاجئة فاتو إدريس، القادمة من جمهورية أفريقيا الوسطى، والتي استقرت في مخيم Timberi قرب مدينة قوري، بشكوى للمسؤولين بعد تعرضها في سبتمبر/ أيلول 2019 للاغتصاب من قبل مسلحين كانا على متن دراجة نارية اعترضاها في طريق عودتها من قرية مجاورة للمخيم، وساقاها تحت تهديد السلاح إلى كوخ صغير وتناوبا على الاعتداء عليها، وتروي قصة خذلانها قائلة بحزن: “مرت أربع سنوات ولم تتحقق العدالة”.

ويفسر محمد موسى دودي، مدير مخيم بريجن في شرق تشاد، ما سبق قائلا لـ”العربي الجديد”، إن “رجال الشرطة داخل المخيم يغتصبون لاجئات ويهربون دون أن يعثر عليهم أحد، والسلطات لا تبذل جهدا لمطاردتهم”، ويضيف أن عنصرا من الدرك التشادي حاول اغتصاب فتاة فاكتشف أمره، ورفعنا دعوى ضده لكنه هرب إلى أنجمينا والسلطات القضائية قالت إنها لا تملك الموارد الكافية للبحث عنه”، بخلاف منظمات الإغاثة التي تطرد أي موظف لديها في حال تحرش أو اعتدى على لاجئات في المخيم، وتسلمه للسلطات القضائية في حال ارتكابه جريمة.

“نادرا ما تقاضي السلطات التشادية مرتكبي العنف الجنسي”، حسب تقرير حقوق الإنسان في تشاد لسنة 2019، الصادر عن مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل التابع لوزارة الخارجية الأميركية، مشيرا إلى أن 17 من الجناة المزعومين من الجيش الوطني التشادي، و81 آخرون من جماعات المعارضة المسلحة.

لكن عيسى يقول إن الشكاوى التي تصل إلى اللجنة الوطنية لاستقبال ودمج اللاجئين يتم التعامل معها من خلال رفع دعاوى في محكمة مدينة أبشة عاصمة إقليم وداي، وهي ثاني أكبر مدينة تشادية بعد أنجمينا، على اعتبار أن مخيمات اللاجئين هناك، أما حالات الاغتصاب أو الاعتداء التي تحدث من قبل لاجئين فيتم حلها بطرقهم الخاصة.

وتتأخر السلطات القضائية في إجراءات المحاكمة، وفق تأكيد Nadine Mbaikilanodji Memomel، المستشارة القانونية لجمعية تعزيز الحريات الأساسية (مستقلة)، مؤكدة أن الجمعية رفعت خلال الفترة من يونيو/ حزيران 2022 إلى يوليو/ تموز الماضي 4 دعاوى عن حالات اغتصاب وقعت في مخيمي غاغا وفرشنا، جنوب شرق تشاد، وتقول لـ”العربي الجديد”: “صدر حكم واحد بشأن قضايا الاغتصاب في سبتمبر 2022، والبقية قيد التحقيق”.

ويعزو أريستوفال تأخر البت في القضايا بالمحاكم إلى أن إثبات واقعة الاغتصاب يحتاج وقتاً طويلاً لصعوبة الوصول إلى الأدلة، إضافة إلى كثرة القضايا وقلة عدد القضاة.

وتنص المادة 349 في قانون العقوبات التشادي رقم 1 لعام 2017، على أنه “يعاقب على الاغتصاب المرتكب ضد شخص آخر عن طريق العنف أو الإكراه أو التهديد أو المفاجأة بالسجن لمدة تراوح بين ثمانية وخمسة عشر عامًا، ويعاقب على الشروع في الاغتصاب بالعقوبة نفسها المنصوص عليها في الفقرة أعلاه”، حسبما يقول أستاذ القانون الجنائي في جامعة أنجمينا الحكومية والمفوض في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (حكومية)، الدكتور العابد مصطفى البشير، الذي يضيف في حديث لـ”العربي الجديد”، أن القانون يطبق على من تثبت عليه الجريمة.

الحماية الحكومية غير كافية
“أغلب النساء لا يقدمن شكاوى في حال تعرضهن للاغتصاب”، تقول ندوم. وتعزو القوني سبب ذلك إلى شكوكهن في وجود العدالة من الأساس، كما تقول. وهو ما تؤكده كلاريس نوماي Clarisse Nomaye، مديرة جمعية تعزيز الحريات الأساسية، والتي تمكنت من منع 13 زواجا قسريا في عام 2022، وتقول لـ”العربي الجديد”: “قدمنا الدعم لسبع وأربعين امرأة تعرضن للعنف الجنسي بأشكاله المختلفة في المخيمات، وكان ذلك بدعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.

لكن دومو غودينغار Doumou Godingar، نائب المفوض العام للحماية في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، يرد قائلا: “نهتم بحماية اللاجئين تنفيذا للقانون رقم 27 لعام 2020 بشأن الشروط العامة لمنح اللجوء في تشاد وتنظيم حياة اللاجئين، إذ نتابع 13 قضية اغتصاب في محكمة الاستئناف بمدينة أبشة ومحكمة أنجمينا، وصدرت أحكام في 7 قضايا، منها ضد متهمين من اللاجئين ومن سكان محليين يعيشون بالقرب من مخيمات اللاجئين، وبقية القضايا قيد التحقيق، كما نقدم العون المادي والدعم النفسي، ولدينا حقوقيون في المخيمات يقومون بمتابعة ما يحدث، ويرصدون الانتهاكات لتقديم الحلول لها”.

غير أن فاتو إدريس والعشرينية السودانية عرفة يونس التي تعيش في مخيم أم نبق بولاية وادي فيرا، شرق تشاد، تقولان إن بيئة المخيمات تفتقد للأمان والحماية، وتضيف يونس التي تعرضت للاغتصاب تحت التهديد من قبل مسلحين عند خروجها لجلب الماء من صنبور بجانب المخيم: “نتعرض للعنف الجنسي داخل المخيم وخارجه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *