تقارير

بدأت هلامية .. مبادرة غامضة وأصوات تنادي بعودة “قوش”

الخرطوم: النورس نيوز

نظّم العشرات من أنصار مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني السابق “صلاح عبد الله قوش” يوم السبت الخامس من نوفمبر 2022 حشداً بمدينة مروي شمال السودان ، في إطار مبادرة شعبية للمناداة بتسريع عودته إلى السودان.
وقال شهود عيان في المنطقة إن أشخاصاً ابتدروا حملة لمناصرة قوش من داخل سوق المدينة ونشروا لافتات تحمل صور الرجل مصحوبة بعبارات التمجيد والتضامن ، قبل أن ينتقل الجمع لقاعة داخل فرع جامعة أم درمان الإسلامية بمروي، وسط هتافات تربط بين الإصلاح السياسي وعودة قوش.
ما أهميّة ذلك : أعاد الحدث الرجل الذي انزوى في منفاه الاختياري بمصر منذ سقوط نظام عمر البشير في أبريل من العام 2019، إلى دائرة الضوء، وأطلق أسئلة عديدة بشأن مستقبله السياسي.
كيف بدأ الأمر؟
خلال اجتماع جهوي تم تنظيمه في مروي في (أكتوبر 2022) للتضامن مع المعتقلين من قيادات المؤتمر الوطني الذين ينحدرون من ولايتي نهر النيل والشمالية، اخترق أحد الأشخاص المنصّة الرئيسية وطرح دعوة للتضامن مع صلاح قوش.
ويقول الناشط السياسي الإسلامي الفاضل فرح الذي شهد ذلك اللقاء ل”سودان تربيون” “صعد رجل إلى منصة المتحدثين وطرح دعوة للمساهمة والحضور من أجل تدشين مبادرة خاصة بعودة الفريق صلاح قوش”.
ويضيف “كان الرجل غريباً وغير معروف لدى الأغلبية من الحضور، والناشطين السياسيين من أبناء المنطقة”.
لقيت تلك الدعوة استهجاناً من الحاضرين واعترض عليها نجل أحد قادة المؤتمر الوطني لتعارضها مع فكرة التضامن مع المعتقلين استناداً إلى تقرير تنظيمي يدين أعضاء اللجنة الأمنية لنظام البشير- بينهم قوش- ويدمغهم بالخيانة ويحملهم مسؤولية حبس المعتقلين.
من وراء المطالبة بعودة قوش؟
استبعدت المصادر التي تحدثت إليها “سودان تربيون” أن يكون للتنظيم الإسلامي المحلول أي دور في دعم رجل المخابرات أو المناداة بضرورة عودته إلى البلاد.
وتحدث أحد القادة الإسلاميين في الشمالية لسودان تربيون على نحو خاص، قائلاً إنّه ظل لأسابيع يسمع عن المبادرة دون أن يجد من يتبناها.
ويردف: “أستطيع التأكيد أنّ لا صلة للتنظيم بالمبادرة وإلا كنت أول العارفين ..هي بدت دعوة هلاميّة ثم تكاثفت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولعل من أطلقها بداية أراد أن يحدث إجماعاً عليها وسط أبناء المنطقة قبل إعلانها رسمياً في الخامس من نوفمبر”.
لا أثر وسط روابط الشباب
“حسام” الناشط ضمن الروابط والتجمعات الشبابية والطلابية بالشمالية، ويقيم في “الكاسنجر” التابعة لمحلية مروي يقول لسودان تربيون: “لا أثر لهذه المبادرة وسط الروابط وملتقيات الشباب وأنديتهم هنا في مروي، نحن نسمع عنها فقط في الوسائط ونتلقى دعوات وملصقات بتصاميم أنيقة تنسب المبادرة لأبناء الشمالية ومروي على نحو خاص، ولكن لا أحد يعلم مصدرها”.
تبرعات تتدفق
مع ارتفاع النشاط الإعلامي للمبادرة وقريباً من لحظة التدشين، تم إنشاء مجموعات على تطبيق واتساب.
ويشير سيف الدين من قرية “أمري” إلى أن عدد تلك المجموعات فاق الـ 40 مجموعة وإن أعضاءها إلى جانب التنادي لنصرة قوش جمعوا تبرعات مالية كبيرة، لكنه نفى علمه بهويّة الأشخاص الذين يديرون تلك المجموعات أو الذين يجمعون الأموال.
غطاء القبيلة
مثل فنان الطمبور الأشهر “محمد النصري” الوجه الأوضح ضمن الداعمين للمبادرة، بالظهور في تسجيل مصور، تم تداوله على نطاق واسع وهو يقول: ” مبادرة أهل الشمال لعودة الفريق صلاح قوش، تأخرت كثيراً، وسأكون أول المشاركين في أيما احتفال به”.
وكان قوش درج على توظيف الفنانين والمبدعين خلال مسيرته السياسية وسبق أن شارك النصري في دعمه إلى جانب الشاعر السر عثمان الطيب خلال حملاته الانتخابية ، كما زعم قوش خلال حوار تلفزيوني على قناة سودانية 24 في سبتمبر من العام 2016 أنه أجرى مساومة مع الشاعر اليساري محمد الحسن سالم حميد انتهت بقبول الرجل التصويت له وللرئيس المعزول عمر البشير بدائرة مروي الانتخابية.
يقول معتصم المنصوري وهو ناشط سياسي من أبناء منطقة “أمري” “إنّ ثمّة جهة، ربما أمنية أو استخباراتية، تريد إلباس هذا المشروع ثوب القبلية والجهوية، وهذا أمر لا يتماشى مع سلوك وطبائع الناس الذين هم أشد انضباطاً بالقانون من التزامهم للقبيلة”.
ويضيف: “السكان المحليون أكثرهم غير مهتمين بالسياسة على وجه عام وتلمس كذلك لا مبالاتهم بحضور صلاح قوش أو غيابه، فالكل منشغل بمعاشه”.
يشير محللون سياسيون إلى أن قياداتٍ من النظام المعزول ربما تلجأ للقبيلة أو الجهة من أجل حشد الدعم في سبيل إيجاد دور سياسي مستقبلي.
وكان “محمد طاهر إيلا” القيادي بالمؤتمر الوطني “المحلول” وآخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المعزول عمر البشير عاد من منفاه الاختياري بالقاهرة في الأول من أكتوبر 2022 بعد 3 أعوام من سقوط النظام، ولقى حفاوة بالغة من مكونات قبلية في شرق السودان.
تعليقا على ذلك يقول المفكر الإسلامي حسن مكي لسودان تربيون إن الوضع في السودان يقوم على حالة (الأنا) بمعنى: أنا فوق الحزب وحزبي أو طائفتي أو قبيلتي فوق الوطن، ولن تستقيم هذه الأوضاع إلا بقلب الأولويات ليكون الوطن أولاً”
ويشير مكي إلى أن المعادلة السائدة الأن في السودان هي التي تجبر الناس على ذلك، إذ أن هناك، وفق تعبيره، تدخلات أجنبية سافرة وأموال تدفع ويسود مسرح اللا معقول الذي لا يمكن أن يتم في أي دولة سوى السودان.
ويضيف: “لذلك أن يأتي شخص وتنحاز له قبيلته في الشرق أو في مروي ليس بالأمر الكبير وسط هذه التدخلات الأجنبية”
هل يرغب في العودة ؟
بحسب قيادي إسلامي يقيم في مروي، فضّل حجب اسمه، فإن رئيس المخابرات السابق ناقش أمر عودته مع مقربين، ناقلا اليهم شكوكه حيال ثلاث عقبات، أهونها الملاحقة القضائية، خاصة أنّ طلبات بتسليمه أرسلت إلى مصر في أوقات سابقة.
ويتابع القيادي: ” المعضلة الكبرى أمام قوش بحسب ما نقل عنه هي العقوبات الأمريكية المفروضة على شخصه وهي تحتاج لتسوية ما قبل عودته بالإضافة للإشكالات التي نشأت بينه وبين الإسلاميين على خلفية اتهامه بالخيانة”
كما تتحدث مصادر أخرى عن أن الوضع الصحي لقوش ربما يكون عاملاً حاسماً في بقائه خارج البلاد خاصة بعد ظهوره مؤخراً بادي الهزال إثر فقدان الكثير من وزنه.
 وتتهم شرائح واسعة من الإسلاميين قوش بخيانة النظام من خلال تسهيله الانتفاضة على البشير في أبريل من العام 2019.
والمؤكد أن قوش واجه متاعب كبيرة خلال العشرية الأخيرة من حكم البشير، حيث أقيل من منصبه في العام 2009، في ظروف غامضة، ثم جرى اعتقاله لمدة سبعة أشهر بعد اتهامه بالضلوع في التخطيط لمحاولة انقلابية في نوفمبر 2012 ثم أفرج عنه دون الكشف عن أي تفاصيل ليلتزم قوش الصمت مؤكداً استمراره في الولاء للبشير ونظامه.
وعلى نحو غير متوقع، في بداية العام 2018 أعاد البشير تعيين الرجل مديراً لجهاز الأمن والمخابرات فاستهل مهامه بالإطاحة بقادة كبار في الجهاز وتقديمهم للمحاكمات، فيما أعتبر أنه نوع من تصفية الخصومات، لكن الاتهامات لا تزال تلاحق قوش بأنه كان يثأر من كامل النظام حتى مكن خصومه من الإطاحة به

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *