تقارير

*مبادرة الشيخ الطيب الجد..* *هل تسبح “مع” أم “ضد” الثورة ؟*

لا زال المجتمع السوداني يحتفظ لـ”رجل الدين” في المجتمع المحلي بقدسية خاصة خصوصا في الريف بقدر أعلى من المدن و هذا نتاج طبيعي لتأثير التربية الصوفية في السودان التي غطت رقعة واسعة في البلاد أيام تمدد الطائفية. و لا زالت ثنائية ” الطرق الصوفية و رجال الدين” تحتل مكانة اجتماعية كبيرة وسط المجتمع، إلا أن ثورة ديسمبر المجيدة تحمل مطلوبات وأهداف تمددت مع زيادة نسبة الشباب في السودان إلى أكثر من ٦٥٪ من إجمالي سكان السودان، ووضع الثوار أهداف محددة لثورتهم منها إقامة نظام حكم ديموقراطي ، المحاسبة و تفكيك بنية نظام الإنقاذ بالتالي فإن أي مبادرة لا تنادي بتحقيق هذه الأهداف لن يلتف الشارع الملتهب حولها و قد تظهر و كأنها تسبح ضد تيار أهداف الثورة.
*انتقادات ثورية تطال المبادرة*
كثيرون انتقدوا المبادرة بسبب عدم تضمين أهداف الثورة في بنودها من جهة بسبب أن رموز المبادرة ومؤيديها اغلبهم من بقايا النظام البائد الذين ظهروا أمام كاميرات التلفزة من جهة ثانية ، وذهب مراقبون إلى أبعد من ذلك بأن مبادرة الطيب الجد ما هي إلا واجهة للمؤتمر الوطني.
*بنود المبادرة*
تمثلت بنود مبادرة الشيخ الطيب الجد في إيقاف خطاب الكراهية الذي يهدد السلم المجتمعي ، إجراء حوار جامع يؤسس لتحقيق وفاق وطني لا يستثني أحد، التأكيد على قيام وإجراء الانتخابات خلال ثمانية عشرة شهرا، بناء دولة القانون والمواطنة والحقوق والواجبات، العمل على سلامة الوضع الانتقالي، إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، تأسيس تيار وطني منفتح على كل أهل السودان، تفويض المجلس السيادي بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة لتسيير ما تبقى من الفترة الانتقالية، العودة لدستور ‎2005 ‏ مع إلغاء بعض التعديلات التي أدخلت عليه، المحافظة على الهوية الإسلامية واستعادة عزة الشخصية السودانية صاحبة الفضيلة و رفض كافة أشكال التدخلات الخارجية.
*غياب أهداف الثورة من بنود المبادرة*
و يرى مراقبون أن الأهداف الأساسية للثورة غابت من بنود مبادرة الشيخ الطيب الجد حيث لم تطرق المبادرة، بحسب مراقبين، إلى محاسبة مرتكبي مجزرة فض الإعتصام و قتلة الثوار ما بعد إنقلاب ٢٥ أكتوبر و ما سبقهما من مجازر في دارفور و كردفان و النيل الأزرق إضافة إلى إن المبادرة لم تطرق إلى تفكيك نظام الإنقاذ و هو ما جعل نسب قبولها وسط الشارع الثوري منخفضة.
*المجتمع الدولي يقاطع*
بعد الدعوة التي وجهتها مبادرة الشيخ الطيب الجد للمجتمع الدولي الأسبوع الماضي لحضور فعالية تعريفية قاطع المجتمع الدولي الفعالية فأرسل فولكر مستشارته و غابت دول الترويكا و دول خليجية عديدة الشيء الذي جعل مراقبون يصفون الفعالية بأنها كانت “تحرير شهادة وفاة” للمبادرة، و بعد يومين من الفعالية شارك المجتمع الدولي في مؤتمر قانوني بحضور الحرية و التغيير.
*رفض داخلي*
الفاعلون على الأرض “الحرية و التغيير و لجان المقاومة” لم تشارك في هذه المبادرة بل حتى لم تصطدم بها عبر البيانات و التصريحات بل تغاضت حتى عن ذكر المبادرة و لو في حواشي و متون البيانات.
*أسئلة على طاولة المبادرة*
هل المبادرة تسعى لتحقيق أهداف الثورة من إقامة نظام حكم مدني ، محاسبة قتلة الثوار ، محاسبة مرتكبي مجزرة فض الاعتصام و تفكيك نظام التمكين ؟هل ما ذهب إليه المراقبون من أن المبادرة واجهة من واجهات المؤتمر الوطني حقيقي ؟
*المبادرة جمعت النظام البائد و وواجهاته*
الناطق الرسمي باسم أصحاب المصلحة في اتفاق سلام جوبا مسار دارفور ، دكتور الصادق محمد مختار، يقول في حديثه لـ”الجريدة” إن هذه المبادرة تأتي في إطار بحث الانقلاب عن توفير مساحة للوقت لإطالة عمره في السلطة وتفكيك جهود الثوار والثورة وهي في حد ذاتها ليست ببعيدة عن أشكال المراوغة التي ظل النظام الانقلابي يناور بها سياسيا منذ الخامس والعشرين من أكتوبر بدءا باتفاق البرهان و حمدوك في معتقله واعتصامات القصر والنشاطات والمبادرات اللاحقة و يذهب دكتور الصادق إلى أنه و في كل وقت يقترب فيه لثوار من الوفاق ويظهر في الأفق قرب وحدة معسكر الثورة يحاول المعسكر الانقلابي توجيه آلته الإعلامية الرسمية والمالية اتجاه مثل هذه الأفعال والنشاطات التي تنتهي في قاعات الاجتماعات مدفوعة الأجر والحشد
لذلك، والحديث لدكتور الصادق، هذه المبادرة في جوهرها تسعى لشرعنة الانقلاب الحالي برعاية الحكومة الانقلابية والذهاب إلى انتخابات في اقرب وقت متجاوزة الاستحقاقات الانتخابية والعدالة الانتقالية وبناء مؤسسات الدولة وإكمال حلقات السلام ودمج الجيوش المتعددة وبناء جيش وطني مهني واحد وعودة النازحين واللاجئين إلى قراهم وتعويضهم ودمجهم في المجتمعات الأصلية وإقامة المصالحات والعدالة الانتقالية ثم الإحصاء السكاني الحقيقي وتوزيع الدوائر وقوانين الانتخابات ومفوضياتها على أن تقوم علي انقاض مؤسسات النظام البائد وقوانينها الانتخابية وإعادة إنتاج المؤتمر الوطني عبر انتخابات الخج والرج المزورة ولذلك كتبت المبادرة شهادة وفاتها من أول جلسة لها بظهور رموز النظام البائد وأحزاب الوثبة والتماهي مع نداءات الانقلاب ومشروعه المتمسك بالسلطة عبر فرض الأمر الواقع ومحاولة تضليل الشعب والرأي العام والمجتمع الدولي
و يذهب دكتور الصادق إلى أن الثورة السودانية قامت علي مرتكزات سياسية وأهداف نبيلة اجمع عليها الشعب السوداني كله في مدنه وأريافه المختلفة وأصبحت ثوابت وطنية وثورية ومشروع وطني يسير بخطي ثابته ومتينة ولذلك لا يمكن لنظام ثار ضده الشعب تحقيق هذا المشروع الوطني من تفكيك بنية النظام البائد وواجهاته الاقتصادية والأيدولوجية وحل مليشياته شبه العسكرية وبناء دولة المؤسسات والعدالة في ظل الدولة المدنية الديمقراطية الحرة وبناء جيش وطني واحد مهني ينأي بنفسه عن السياسة وتحقيق الأهداف الثورية من الحرية والسلام والعدالة الانتقالية التي لا يمكن تحقيقها إلا عبر الحكم المدني الخالص فهذه الواجبات الثورية المرتبطة ببناء الدولة المدنية وتحقيق أهداف الثورة لا يمكن أن يحققها إلا المعسكر الوطني الثوري المناهض للانقلاب وغيابها عن أي مبادرة مهما كان حضورها ومشاركيها من الواجهات السياسية الانقلابية والمجتمع الدولي وبائعي الذمم وتجار الدين لن يحرك ساكنا في مشروع الثورة السودانية والأزمة السياسية القائمة كما أن التشخيص الخاطئ للازمة السياسية وأطرافها ستؤدي إلى مزيد من التعقيد وضياع فرص الوفاق السياسي و خنق البلاد وزيادة الضائقة المعيشية و يضيف دكتور الصادق ، الحرية والتغيير المجلس المركزي و لجان المقاومة والنقابات وأطراف جوبا للسلام تعتبر مفاتيح الحل الثلاثي التي تعمل بشكل متزامن و تخلف أي منها عن أي مشهد سياسي لن يقود إلى اي حل سياسي و يذهب دكتور الصادق إلى أن هذه المبادرة اجتمع حولها النظام البائد ووجهاته الأخرى وهذا بطبيعة الحال معلوم لدي الجميع.
*المبادرة محاولة للزج بالشيخ الجد وبإرثه الاجتماعي ومكانته الدينية في معترك السياسية*
عضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل ، دكتور عصام على حسين، يرى في حديثه ل”الجريدة” إن المبادرة ولدت موؤدة ومعزولة ولا تختلف في مضمونها عن مجموعة من المبادرات التي سبقتها والتي تهدف جميعها لإيجاد مخرج للمكون العسكري من مأزق انقلابه المشؤوم واحدي محاولاته المستميتة لإيجاد حاضنة جديدة اجتماعية كانت أم سياسية تضمن له الاستمرارية في الحكم و يذهب دكتور عصام إلى أن مبادرة الشيخ الطيب الجد جاءت متوافقة في ذات الوقت مع أشواق وتطلعات المؤتمر الوطني المحلول لضمان وجوده في المشهد السياسي في المرحلة المقبلة ولم تأت بجديد فيها كما أسلفت غير الزج بالشيخ الجد وبإرثه الاجتماعي ومكانته الدينية في معترك السياسية وإقحامه في الصراع بين القوي الانقلابية التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق متطلبات الثورة وبين الشعب السوداني الذي أصبح لا يؤمن إلا بدولة الحرية والديمقراطية والقانون والعدالة ولن تفلح محاولات تشتيت جهود المبادرات الجادة التي تسعي إلي وحدة الصف الوطني كمدخل لإنهاء الانقلاب وإقامة سلطة انتقالية تمهد وتؤسس لدورة ديمقراطية حقيقية.
*المبادرة تحاول بيعنا مشروب العنب القديم في قوارير جديدة*
رئيس قطاع الإعلام بالتجمع الاتحادي ، محمد عبد الحكم، يرى في حديثه لـ”الجريدة” أن مبادرة الشيخ الطيب الجد ولدت ميتة فهي محاولة جديدة من رأس السلطة الانقلابية لشرعنة تواجده في قمة هرم الدولة بوضع اليد و بالقوة الباطشة الدموية و يذهب عبد الحكم إلى أنه و بالعودة إلى تاريخ صاحب المبادرة نجد أنه ظل طوال عقود عديدة خادما للسلطان وكان دائما رهن إشارة تنظيم الإخوان المسلمين و حزب المؤتمر الوطني المحلول و رئيسه المخلوع عمر البشير فالشيخ الطيب الجد ظل محافظا على الولاء لتنظيم الإسلاميين منذ بواكير دراسته في جامعة الخرطوم و كافأه الرئيس المخلوع في بدايات سني العهد البائد بتعيينه مديرا لدائرة الفقه في مجمع الفقه الإسلامي و كان لافتا سعيه الحثيث لحشد الجماهير لدعم النظام البائد و معارضته الشديدة لحكومة ثورة ديسمبر المجيدة و حشده لبعض جماهير طريقته للمشاركة في مسيرات (الزواحف) بشكل مستمر و يذهب عبد الحكم إلى أن هذه المبادرة ليست سوى اصطفاف جديد من النظام البائد لدعم رأس السلطة الانقلابية قائد الجيش عبدالفتاح البرهان و يسندها في الخفاء قيادات النظام البائد من لدن علي كرتي حتى اصغر مستفيد من النظام البائد و كارهي التحول المدني الديمقراطي لذلك ولدت ميتة وفقيرة المحتوى واهنة الشكل ضربت عليها العزلة من المجتمع الدولي والإقليمي بل و حتى المجمع الصوفي العام لم يعترف بها، فالطرق الصوفية كانت حضورا بشبابها الجسور في مواكب إسقاط النظام البائد، و دعم التحول المدني الكامل، لذا صدحت هذه الطرق برفض مغلظ للمبادرة التي تسعى لترسيخ وتثبيت سلطة الانقلاب عبر بيعنا مشروب العنب القديم في قوارير جديدة فالفشل وحده سيظل ملازما لمجهودات عضو التنظيم الإسلامي الطيب الجد في تسويق الانقلاب و تجميله بمساحيق بالية أضحت معلومة للثائرات والثوار الذين لن يوقفوا مواكب مقاومة الانقلاب إلا وهم وقوفا على جثته.
*المبادرة تتناقض مع أهداف قوى الثورة*
المحلل السياسي ، م. محمد عبد السلام ، يرى في حديثه ل”الجريدة” ان القوي المجتمعية التقليدية مثل الإدارات الأهلية و الطرق الصوفية تحظى باحترام و توقير معظم السودانيين وبحكم أن هذه القوى القديمة بطبيعتها الإرثية المرتبطة بالمنطقة جغرافياً و أثنياً كانت في الغالب الأعم توالي الدولة خاصة في فترات الحكم الشمولي وقد كانت تمثل الملجأ الأخير للسلطة عند تعرضها للازمات و لكنها لم تكن تحظى بهذه المكانة لدى الأجيال الشابة باعتبار تاريخها الطويل في موالاة النظم الشمولية إلا فيما ندر و يذهب عبد السلام إلى أن طبيعة تدخل هذه القوى في السياسية كانت نادرة و اقتصرت رغم ندرتها في الأمور الاجتماعية و الإنسانية و الدعوة للم الشمل وجمع الكلمة لكن مبادرة الشيخ الطيب الجد خرجت عن المألوف و المعروف و كان من المقبول لو كان لهذه المبادرة دعوة للتوافق و الاتفاق بدلاً من طرح مبادرة جاهزة تتناقض مع ثوابت قوى ثورية رئيسية في الشارع السياسي كلجان المقاومة و قوى الحرية والتغيير و تجمع المهنيين ومعظم الأحزاب السياسية و قد زاد من نفور الشارع منها تسنم العديد من المحسوبين على نظام الإنقاذ و “حسكنيت ” السياسة من الطفيليين على رأس لجانها التنظيمية و يضيف عبد السلام ان تجاهل المجتمع الدولي للمبادرة و اكتفاء أقطاب نظام الأمر الواقع بالمشاهدة شكلا ضربة حقيقية لمدى مصداقية المبادرة و قدرتها على الحصول على القبول اللازم و أعتقد أن تشكيك حميدتي في حديثه في المؤتمر الصحفي لدى عودته من الجنينة في طبيعة المبادرة و الأشخاص الذين يشكلون لجانها مثل بداية النهاية للمبادرة و سينفض عنها الكثيرون في الأيام القادمة بعد انتهاء دورها بالإضافة إلى الاقتراب من صياغة الإعلان السياسي المرتقب و الذي سيحظى بقبول من معظم القوى السياسية في الساحة السودانية والمجتمع الدولي .
الجريدة : حمدي صلاح الدين
الخرطوم : النورس نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *