الأخبار الرئيسيةتقارير

الدمازين.. وثيقة اتّفاق وسط ركام الحزن

الدمازين- آدم محمد أحمد

أربعة نسوة يقبعن في ركن قصي داخل قاعة مجلس تشريعي النيل الأزرق؛ ارتفع صوتهن عاليا دون حتى أن يلقين بالا للرجال الذين وقف بعضهم على أمشاط قدميه لأنه لم يجد مقعدََا فارغ للجلوس… انهمك أحد المكوك وهو يرفع يديه عاليا باتجاه النساء ويطلب منهن الصمت، وفيما يبدو أن ما يتحدثن عنه ذو صلة بموضوع التجمهر هذا.. شابا في الثلاثين من عمره كان يجلس بجواري بدأ ناقما وهو (يطنطن) سألته هل توجد مشكلة ما؛ قال إن أحد أطراف النزاع بدأ متحفظا على بعض ما جاء في الوثيقة؛ وسرعان ما غادر الشاب من جواري فقطع عليّ سيل من الأسئلة التي كدت أن أمطره بها كصحفي فضولي ؛ إلا أن ثمة استنتاجات جعلتني أميل إلى تصديق روايته وهو أن حفل التوقيع تأخر قليلا عن موعده؛ مع بعض الحركات التي بدت مريبة عند رجال المراسم؛ إلا أنّ الأمور عادت إلى مجاريها؛ وكان واضحا أن تأخر دخول عبدالرحيم دقلو إلى القاعة أن الرجل قام بدور كبير وهو يقف على اللمسات النهائية للاتفاق.

 

تاركو 1

 باقات ورود

عند العاشرة ودقائق صباح الأربعاء المنصرم؛ لامست إطارات طائرة تاركو مطار الدمازين؛ وكأنّ مضيفات تاركو الانيقات يهيئنا الركاب؛ إلى تلك الأجواء التي بدت عليها الدمازين في ذلك اليوم البارد؛ قبيل الإقلاع وزعت مضيفة مبتسمة باقات من الورد الطبيعي على الركاب؛ كان العدد قليلا؛ ثمة صحفيين واعلام برفقة قائد ثاني الدعم السريع الفريق عبدالرحيم دقلو؛ في طريقهم إلى الدمازين لحضور توقيع وثيقة وقف العدائيات بين أطراف النزاع في إقليم النيل الأزرق؛ ذلك الاتفاق الذي تم بجهد لجنة المصالحات بقوات الدعم السريع بقيادة العميد علي يعقوب؛ بالتعاون مع مبادرة هيئة شورى رفاعة وكنانة؛ والعميد يعقوب الذي جاء به قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي؛ من أقصى غرب السودان؛ مدينة زالنجي؛ لقيادة لجنة المصالحات هذه؛ هو الرجل بارع في فن الإقناع يتمتع بهدؤ رجل الإدارة الأهلية وحكمته؛ وكان ذلك واضحا من حجم كلمات الثناء التي دلقها بعضا من أعضاء أطراف النزاع على عاتق الرجل؛ الذي فيما يبدو أجاد صنعته وقاد سفينة الصلح إلى شاطئ العبور؛ لكنه لم يتوقف عند ذلك إذ يقول في كلمته أمام حفل التوقيع؛ إن اللجنة جلست مع كافة الأطراف؛ واطمئن الجميع بالعمل ليلا ونهارا من أجل اقامة مؤتمر صلح؛ وهذا الاتفاق هو نواة لمؤتمر الصلح الشامل في الإقليم؛ وأضاف “بعد هذا التوقيع ستقوم لجان مشتركة من الأجهزة الأمنية والإدارات الأهلية للطواف في أرجاء الإقليم للبشير بالاتفاق لدى المواطنين”.

 

الدمازين

 

 دموع المدينة

مدينة الدمازين؛ بدت مثل الفتاة التي تفرك عينها صباحا لمقاومة النعاس؛ جبال  السحب الداكنة جعلت السماء قريبة؛ قبل دقائق غسلت المدينة عيونها الحزينة بماء منهمر؛ عادت الحياة إلى الشوارع بعد أيام من المواجهات القاتلة؛ لم يصدق الناس أن الدمازين التي يضرب بها المثل في التعايش والألفة قد تتحول إلى بؤرة من الكراهية وعدم الأمان؛ عاد الناس إلى ممارسة حياتهم مع عبرة عالقة في الحلق؛ ثمة حزن عميق في وجوه الناس؛ بدأ ذلك واضحا خلال كلمات أطراف النزاع في حفل التوقيع؛ قال محمد موسى رئيس آلية قبيلة الهوسا؛ وهو يبدو رزينا واعيا يعرف قدر نفسه؛ قال الرجل وهو يتفرس الوجوه في القاعة: “هزت هذه الأحداث الإقليم؛ لأنها أول مصيبة تقع علينا؛ أنا حزين لأن ذلك يحدث بين شعب واحد وأسرة واحدة”؛ وأضاف وسط صمت الحضور “الضرر لم يقع بين طرفي النزاع؛ فقط وإنما على كل المواطنين الذين يقطنون هذا الإقليم؛ أوصي كل ضمير حي هنا؛ إلى التحلي بالصبر لأن المصيبة كبيرة والحياة توقفت”.

 

وثيقة

حزن عميق

حالة من المسؤولية أظهرها المتحدثون من الطرفين؛ الذين أكدوا في كلماتهم أن ما حدث أجبروا عليه ولم يكن جزءاً من تفكيرهم؛ قال رئيس آلية مكونات السلطة الزرقاء علي النقابة وهو رجل يحظى باحترام وسط أهله؛ إن” ما حدث أمر مؤلم يحتاج منا إلى النزول إلى القواعد للحديث مع المواطنين؛ حتى تلتزم بالهدنة لأن عمرها قصير”؛ وأضاف “نحن في الآلية تجمعنا لكي نطفي نار الفتنة التي قامت في الإقليم؛ والهوسا  أهلنا وأقرب الناس إلينا ولم نتخيل يوما ما ان ذلك سيحدث؛ لكن تفاجأنا بهذه المصيبة؛ ونؤكد أن هذا الصلح سيمضي بقوة؛ نتمنى أن يكون الهوسا صادقين ونحن لن نتراجع إلى الوراء مطلقا”؛ وقال المك المك عبيد محمد سليمان؛ إن الهوسا كانوا خير معشر لانسان هذا الإقليم؛ وأضاف” اي زول طرح مبادرة نقول له مرحب بك و غرضك مقضي؛ نحن أهل كرم ونقبل اي انسان؛ لدرجة أن إنسان هذا الولاية يتعايش مع الشيطان وذلك معروف في الطقوس”؛ وقال سليمان إن الذي حدث كانت هناك إياد خفية؛ خلفه وزاد “نقول بملئ الفم نحن ناس تسامح ولا ناخذ ديات نحن نعفي لوجه الله؛ و الرحلة كانت طويلة والجرح عميق ولين لكن الكبير كبير؛والعدالة لنا لسوانا نحن مع لجنة التحقيق حتى نعرف من أين جاء الخلل”.

 

دقلو

سباق مع الزمن

كان عبدالرحيم أمام مسؤولية كبيرة؛ فالرجل الذي جاء إلى الدمازين بزمن محسوب وعليه مسابقة الوقت؛ يدرك أن المهمة التي أمامه عظيمة؛ فلم يبدد وقته كثيرا؛ عبر بموكبه من المطار إلى قاعة الاحتفال؛ كان واضحا انه يحظى بتقدير خاص هناك؛ فقوات الدعم السريع التي يقودها الرجل عرفها انسان الولاية منذ سنوات خلت عبر تقديم مبادرات وسط المجتمع؛ حاول دقلو تذكير الأطراف بسلطة الدولة وما يجب أن تقوم به؛ قال في كلمته؛ الى حين أن نصل إلى مؤتمر الصلح النهائي؛ لدينا إجراءات كبيرة لن نسمح لكائن من كان أن يمارس الفتن بين الناس في الوطن الواحد ويختبئ، لدينا تحقيق قوى ونزيهة يتابع  الشرارة الأولى من البداية إلى النهاية؛ وسنقوم بواجب حفظ المواطن وممتلكاته كاملا، وأضاف “الان القوات النظامية كلها على قلب رجل واحد؛ وندعوها إلى المزيد من توضيح الصورة وتفاصيل حدوث الجريمة؛ لا يوجد شيء يحول بيننا وحماية المواطن الاعزل في طريقه وقريته ومنزله”؛ ونصح دقلو أهل النيل الأزرق قائلا: ولايات أخرى اكتوت بنار الفتن والحروب المؤدلجة؛ فلا تنجروا وراء الحرب؛ وأي زول ينقل كلام في الإعلام باي صفة لن نسمح له؛ الفتنة التي حدثت في النيل الأزرق؛ اذا لم نصل إلى نتائجها ومسببيها يكون احجفنا في حق الشهداء وقصرنا في واجبنا؛ وأضاف “اي زول داير سلطة وجاه ارجو ان يبعد نفسه من حرمة دماء الناس؛ والله اي واحد يفتكر أن الحكاية دي بتمر سنصل إلى المتسببين أن كانت في موقع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *