الجنينة.. مهرجان وسلام وتفاصيل أخرى

الجنينة – آدم محمد احمد

 

“كفايا – كفايا؛ عايزين مكارم بشير” ، هكذا قاطعت الجماهير المتراكمة في مدرجات استاد الجنينة، كلمة الهادي إدريس عضو مجلس السيادة التي القاها في افتتاح مهرجان السلام الذي انطلق بولاية غرب دارفور،  مساء الجمعة؛ داخل الأستاد الانيق البسيط.. الأمطار في الجنينة لا تستأذن ولا ينتظر منها أحد أن تفعل ذلك؛ تتجول السحب الداكنة في الأفق؛ جيئة وذهابا؛ تبحث الشمس عن ثغرة لتعانق المدينة المبتلة؛ لكنها لم تجد سوى لحظات وتعود للاختفاء.

الرزاز ومكارم

تحت الرزاز صعدت الفنانة مكارم بشير إلى المسرح؛ وسط صيحات جمهورها المتعطش؛ كان واضحا أن الفنانة الشابة صاحبة الصوت الماكر؛ تمتلك قاعدة في (دارندوكة) ربما فاقت شهرتها هناك الفنان الرقم ابن دارفور عمر احساس؛ الذي كان برفقتها هناك؛ ويناديه الجمهور بـ”عم” عمر؛ وجدت مكارم صعوبة بالغة في التجاوب مع جمهورها  داخل الاستاد لأنهم لم يتوقفوا عن الصراخ باسها منذ أن وطأت أرضية الاستاد؛ وبدت حريصة على ارضائهم جميعا؛ ولم تجد بداََ سوى الذهاب إلى المدرجات وملاطفة الجمهور وأخذ صور السيلفي؛ غنت مكارم كأنها لم تغن من قبل؛ تفاعل معها الجمهور بحماس عالي؛ لبت طلباته في اختيار الاغنيات الحماسية والعاطفية لفنانين كبار.

 

 فوائد متبادلة

التوقيت فصل خريف والوقت للعمل؛ إلا أن إنسان الجنينة؛ أظهر قدرا كبيرا من التجاوب مع مهرجان السلام؛ الذي حمل في معانيه الكثير أبرزها بالطبع سياسية اقتصادية؛ انشغلت المدينة بالحدث يقول هارون سلمان سائق ركشة؛ إن الحدث جعلنا نستفيد لأن الشغل أصبح متوفر ودخلنا تضاعف بفضل الضيوف الذين زاروا الجنينة؛ ويبدو أن مهرجان السلام اوصل رسالته بصورة تامة؛ يقول نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” خلال كلمة في استاد الجنينة: اليوم ليس للكلام وانما يوم فرح؛ وزاد وسط أصوات الجماهير قائلا:  “نحن نريد فقط هذه اللمة؛ وهذه الرسالة المطلوبة من هذا المهرجان”؛ ووجه حميدتي رسالة إلى أهل الولاية قائلا: شوفوا  الناس ماشة كيف في العالم؛  ودعا الجميع إلى المشاركة مع بعض في الاستقرار؛ وأضاف “سنصل إلى السلام الكامل الشامل؛ لأننا جئنا هنا لمعرفة الخلل ومعالجته وسنظل وسطكم إلى أن نعالج المشاكل”.

 

تفاصيل ليلة ساهرة

ليلتان ساهرتان نالتا قدرا كبيرا من اهتمام مواطن الجنينة؛ أولها الليلة الثقافية التي تغنى فيها الفنانيين عمر احساس ومكارم بشير؛ والتي شهد فيها المسرح تدافعًا كبيرًا للمعجبين ، وكذا القمة الكروية التي جمعت بين الوصيفين الهلال والمريخ؛ في كأس السلام الذي ناله المريخ؛ وهي كانت الليلة الأكبر لجهة أن الاستاد الذي يرقد في حضن النيل؛ امتلأ حتى آخره منذ ساعات الصباح الأولى تدافع الناس إلى المدرجات؛ كان للشباب النصيب الأكبر؛ مرت الليلة الثقافية بهدؤ ولم تشهد أي أشياء تفسدها؛ إلى جانب الغناء شكلت الفرقة المسرحية بقيادة عبدالسلام فضيل؛ محورا مهما فالرجل لم يقل شعبية عن مكارم؛ الكل هناك ربما يعرفه قدم مسرحية خفيفة لكنها كانت عميقة تجاوب معها الجمهور لأنها لامست وجدانهم وناقشت قضايا تعاني منها المنطقة وهي الصراعات القبلية؛ قدمت الفرقة نموذج حي في قالب درامي مضحك؛ يقول الهادي إدريس عضو مجلس السيادة؛ إن الرسائل التي ارسلها المبدعون عبر إبداعاتهم الفنية والغنائية تشير  إلى أهمية  التعايش السلمي وفتح صفحة جديدة للتسامح عنوانها السلام والاستقرار؛ واشار إلى أن مدينة الجنينة عانت كثيرا من الصراعات والنزاعات وانه بفضل  مجيئ وفد أعضاء مجلس السيادة تجاوز اهل الجنينة  مرحلة الحرب إلى رحاب السلم الاجتماعي، مؤكدا حرص الحكومة على فرض هيبة الدولة، داعيا المواطنين إلى المحافظة على السلام المجتمعي بنسيان مرارات الماضي والمساعدة  في تحقيق المصالحات والمحافظة على السلام المجتمعي وقبول الاخر وتثبيت ثقافة السلام.

رصد ونقد

منذ أن بدأت الوفود تتدافع إلى الجنينة  نشط البعض في توجيه النقد اللاذع لكل من يظهر في صورة متوجها إلى الجنينة سيما نجوم الفن والإعلاميين؛ وأكثر ما تعرض للنقد هو الشاعر ابن البطانة البشرى إبراهيم الذي واجه موجة قاسية من الانتقادات؛ مما دعاه إلى الرد وتوضيح ملابسات مشاركته في المهرجان؛ وجزء مما قاله إن أهل  الجنينة الغبش من حقهم أن يشاهدوا مباراة القمة ويسمعوا مكارم ويشاهدوا فضيل”؛ وكان واضحا أن الذين انتقدوا معظمهم لديهم مواقف سياسية تجاه نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”؛ و معظمهم سياسيون يدافعون ويعبرون عن مواقف محددة؛ ولا يضيرهم في الاستجابة إلى ذات الدعوة أن جاءتهم من حواضن احزابهم او تحالفاتهم؛ لكن مع نقدهم هذا اغفلوا او تغافلوا عن نقاط مهمة؛ تمثلت في أن إنسان هذه المنطقة مع اختلاف توجهاتهم يبحثون عن الترويح عن النفس وطرد اخبار رائحة الدماء التي كانت سائدة حتى وقت قريب؛ صحيح أن الأمر يحتاج إلى معالجات أكبر من واقع أن القضايا مكان الخلافات اجتماعية وذات جذور بعيدة إلا أن خلق مساحة من البهجة والسرور يظل أمرا مهما؛ يقول الجميل عادل صاحب محلات لبيع الفاكهة؛ إنه لأول مرة يشاهد مواجهة كروية بين فريقه الهلال الذي يحبه والمريخ؛ وأضاف ضاحكا “ياخ دا حلم بالنسبة لي سعيد غاية السعادة”؛ نهار الأحد ولج نجوم الفريقين الهلال والمريخ باحة سوق العطور والمراكيب؛ اندهش التجار من المنظر لان اللعيبة دخلوا إلى السوق بالزي الرسمي زي الفريقين الأزرق والاصفر؛ تدافع رواد السوق إلى التصوير مع النجوم في ذكريات ربما لم تتكرر.

نافذة سياسية

لم تجد السياسة مدخلا في أيام مهرجان السلام؛ فالكل مثلما اسلفنا انشغل بالبرامج المصاحبة؛ تمنى بعضهم أن يستمر البرنامج لأيام اخريات؛ إلا أن داخل استاد الجنينة هتف بعض الأشخاص بالمدنية ؛ وهي ظاهرة حسبها البعض صحية وإن كان الأمر مقصودا لذاته من بعض الجهات السياسية؛ من واقع أنهم عمدوا إلى اخراج المسألة لإيصال رسالة محددة؛ ويبدو أن نائب رئيس مجلس فهم المقصود فبادل ذلك بقوله: سامع لي 10 أو 20 شخص في المدرجات”يعيطوا” مدنية ونحن نقول لهم نحن ايضا مع المدنية.. واضح ان الأمر لم يكن مزعجا بالنسبة للرجل الذي أصبح يمتلك رصيدا وافرا من الخبرة السياسية التي تجعله يستطيع التعامل مع كل المعطيات؛ يقول أحد السياسيين في الجنينة إن حميدتي او حتى الوالي لم يقصدوا من المنشط تأييد او كسب سياسي؛ لذلك لم يضعوا شروطا لدخول المناشط التي أقيمت؛ وأضاف “هي مفتوح لكل أهل الجنينة بمختلف انتماءاتهم”.

Exit mobile version