نادي باريس والسودان… فرض الأجندة مقابل اعفاء الديون

الخرطوم – نبيل صالح-

في خطوة وصفها المراقبون بأنها قد تساعد على مزيد من الشرخ الاجتماعي وتنامي الجريمة ، وتزايد حدة الفقر ، أعلنت مجموعة نادي باريس تعليق قرار اعفاء ديون السودان ، غير أن محللين سياسيين يرون أن هذا الاعلان ، ورقة سياسية للضغط على المكون العسكري المنحاز لروسيا ،وانتقدوا البنك الدولي والاتحاد الاوربي والولايات المتحدة عدم دعمهم للثورة والسودان بالصورة التي كان يتوقعها الشارع السوداني وعدم مراعاتهم لخصوصية المجتمع السوداني ووضعه المعيشي والاقتصادي .

 

وأعلنت مجموعة نادي باريس تعليق قرار إعفاء ديون السودان المقدرة بنحو 64 مليار دولار، وذلك بسبب الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في 25 من أكتوبر 2021م ، وقال التقرير في جزئه الثالث إن أعضاء المجموعة اتفقوا بشكل جماعي على تعليق الخطوات التي بدأت العام الماضي والتي دخل بموجبها السودان مبادرة تخفيف أعباء البلدان الفقيرة المثقلة بالديون “هيبيك”.

 

مسؤولية العسكر

وحمل المحلل السياسي سعد محمد أحمد ، المكون العسكري مترتبات تعليق اعفاء الديون وأي عقوبة اقتصادية محتملة على السودان وقال سعد لـ”النورس نيوز” أن الخطوات السياسية التي اتخذتها الحكومة بموجب قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر والتي وصفها بالانقلابية ستؤثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي ، ويمكن ان تدخل البلاد في دورة جهنمية ، والعودة الى مربع العزلة مرة اخرى ، مشيرا الى أن الدولة لم تعد تمتلك خيارا غير الاعتماد على جيب المواطن .

 

جيب المواطن

 

وأقر وزير المالية د.جبريل إبراهيم بالازمة الاقتصادية واعتماد الدولة على جيب المواطن في تصريح اثار سخط الشارع السوداني ، ويعتقد سعد أن الطريق الأوحد للخروج من الدائرة الجهنمية هو انهاء المشهد الانقلابي وانتقال السلطة الى حكومة مدنية برضا الشارع العام ، مشيراً الى أن كل الاحزاب الثورية متفقة على انهاء الانقلاب وان كان هناك خلاف حول كيفية انهاءه ، غيران سعد يرى أن العسكر غير مستعدين لقبول أي حل سياسي يخرجهم من المشهد السلطوي ، خوفاً من المساءلة والمحاسبة على ما ارتكبوه من جرائم بطريقة مباشرة او غير مباشرة .

 

وأشار تقرير مجموعة نادي باريس إلى أن المجموعة ستواصل التنسيق مع البنك الدولي وصندوق النقد ومؤسسات التمويل الدولية حتى التأكد من عودة السودان إلى المسار الانتقالي المدني الذي حصل بموجبه على تلك الإعفاءات في أعقاب مؤتمر باريس الذي عقد في منتصف مايو 2021.

 

وفي النصف الثاني من العام الماضي أعلن صندوق النقد الدولي توصل السودان إلى نقطة النهاية للاستفادة من مبادرة تخفيف أعباء الديون، مما أهله للحصول على تمويلات وخطوط ائتمان بأكثر من 8 مليارات دولار ، وخلال مؤتمر باريس الذي عقد في مايو 2021 حصل السودان على تعهدات ضخمة شملت إعفاء الحصص الأكبر من الديون الجماعية والفردية إضافة إلى تمويلات لعدد من مشاريع البنية التحتية والتنمية؛ لكن الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الاتحاد الأوروبي ومؤسسات التمويل الدولية أعلنت تعليق تلك التعهدات بعد استيلاء الجيش على السلطة وإقالة حكومة عبدالله حمدوك التي أشرفت على المؤتمر حينها.

 

وتنقسم ديون السودان إلى أربع مجموعات الأولى هي مجموعة نادي باريس وهي أكبر الدائنين؛ أما الثانية فهي مجموعة مؤسسات التمويل الدولية والتي تضم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي تم بالفعل شطب جزء من ديونها عبر قروض تجسيرية قدمتها كل من الولايات المتحدة وفرنسا منتصف العام الماضي؛ فيما تضم المجموعة الثالثة عدداً من البنوك التجارية والتي كان يفترض التفاوض معها للوصول إلى صيغة تفاوضية؛ وتضم المجموعة الرابعة عدداً من البلدان الخليجية والآسيوية وتعتبر معظم ديونها ديون ثنائية.

 

ضياع الفرص

 

وكان من المؤمل أن يؤدي استفادة السودان من مبادرة “الهيبيك” وتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي بشكل كامل إلى انفراجة كبيرة في اقتصاده الذي يعاني من مشكلات هيكلية مزمنة بسبب التدهور المريع الذي طال كافة القطاعات بسبب الفساد الكبير الذي استشرى خلال فترة حكم الرئيس عمر البشير، والتي استمرت منذ 1989 وحتى الإطاحة به في ثورة شعبية في أبريل 2019 الا أن الانقلاب العسكري اتاح بكل فرص استفادة البلاد من هذه المبادرة ، وربما قد يقودها حافة الانهيار .

 

قرار سياسي

 

ويعتقد المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية د.عبد الرحمن ابو خريس أن قرار تعليق قرار اعفاء ديون السودان سيكون له نتائج وخيمة على الشعب السوداني ، وقد يساعد على مزيد من الشرخ الاجتماعي وارتفاع معدلات الفقر، مشيراً الى أن القرار سياسي للضغط على المكون العسكري الذي يتحمل أية نتائج سلبية جراء تعطيله للمسار الديمقراطي ، ويرى ابوخريس ان قرارات الخامس والعشرون من اكتوبر اعاد السودان الى مربع الحصار الدولي بعد فشل الجيش في المضي نحو التحول المدني الديمقراطي ، وقال لـ”النورس نيوز” أن خطاب 25 اكتوبر كان جيدا في مضمونه ولكن العسكر فشلوا في تحقيقه على أرض الواقع ربما لضغوط من مجموعات مؤثرة على قادة الجيش نفسها ”

ويحمل ابوخريس مسؤولية الوضع المعيشي المتردي للبنك الدولي وحكومة حمدوك التي التزمت بالشروط القاسية في الوقت الذي لم يلتزم المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه الشعب السوداني وتركه نهباُ لغلاء الأسعار والفقر ، وقال ” المجتمع الدولي لم يراع خصوصية الشعب السوداني وليس حريصاً على مصلحة الشعب ، كذلك القوى السياسية التي تدعم البنك الدولى والمؤسسات الدولية وتفسر قراراتها بأنها من مصلحة الشعب السوداني ليست حريصة على المصلحة العليا وتنصب همومها في المناصب الدستورية “.

Exit mobile version