الأخبار الرئيسيةتقارير

السودان: ماذا عن دستور ما بعد الثورة؟

الخرطوم: آدم محمد أحمد

 

يُحكَم السودان الآن عبر الوثيقة الدستورية التي تمَّ التوافُق عليها بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، في السابع عشر من أغسطس للعام 2019، عقب إطاحة حكم الرئيس عمر البشير في أبريل من ذات العام… ألغت الوثيقة الدستورية دستور السودان للعام 2005، ولكنها أكَّدت في الفصل الثاني عشر تحت عنوان ‘المفوضيات المستقلة’، إلى أنه تُنشأ مفوضيات مستقلة وتُرَشَّح لها شخصيات من الخبراء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وتُشكَّل وتُحدَّد اختصاصاتها وفق القوانين التي تنشئها، من ضمنها “مفوضية صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري”. دستور ما بعد الثورة هو أول دستور سوداني يُعدُّ بعد ثورة شعبية أطاحت نظاماً ديكتاتورياً، لهذا فإن له أهمية قصوى، خصوصا في ظل المرحلة الانتقالية الحالية في البلاد.

 

أيهما أولا: الانتخابات أم الدستور؟

 

الواقع أن الوثيقة الدستورية أوكَلَت إعداد الدستور إلى مفوضية ومؤتمر دستوري، ولكن بعض الرؤى السياسية ترفض ذلك وتعتبر أن إعداد الدستور من مَهمَّة المجلس التشريعي المنتخب عقب إجراء انتخابات عامة في البلاد، هذا ما يشير إليه أبو بكر عبد الرزاق، المحامي عضو حزب المؤتمر الشعبي المعارض. “رأيْنا أن يخضع إعداد الدستور لشورى سياسية واسعة ويكون فيه اتفاق على برنامج الحد الأدنى”، ويتفق مع عبد الرزاق الفريق صديق إسماعيل عضو حزب الأمة القومي، الذي يؤكد “أن الدستور يجب أن يسبقه المؤتمر الدستوري، وتُطرح عبره كل الأفكار والآراء، ثم يُعرَض على جمعية تشريعية منتخبَة لإجازته”.

 

الرأي الآخر يتلخص في أنه يجب أن تتم إجازة الدستور قبل الانتخابات من خلال المجلس التشريعي المنوط تكوينه. هذا هو مثلا رأي كمال كرار عضو الحزب الشيوعي السوداني، الذي يؤكد “أن ثورة ديسمبر نفسها كانت استفتاءً شعبياً كبيراً؛ لأن الشعب السوداني خرج بالملايين ضد نظام الفرد الواحد”، ويضيف كمال: “الشرعية الثورية تتيح أن يُكتَب دستور يُعبِّر عن غالبية أهل السودان؛ لأن التشريعي الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية إذا تم تشكيله بشكل عادل، يمكن أن يمثل أكثر من 90 في المائة من رأي الشعب”. كذلك يؤكد كرار على أن “الدستور قبل إجازته يجب أن يخضع إلى نقاشٍ شعبي في الهواء الطلق ولا يمكن أن يتم الأمر في غرف مغلقة”. يؤكد المحامي ساطع الحاج، عضو قوى الحرية والتغيير، “أن أمر الدستور متروكٌ للمفوضية التي يجب تكوينها وهي التي تُحدِّد المؤتمر الدستوري المنوط به تحديد كيفية إجازة الدستور وهل عبر استفتاء شعبي أم مجلس تشريعي”.

 

أما محمد هارون، أمين الإعلام بحركة تحرير السودان قيادة مناوي الموقِّعة عل اتفاق جوبا للسلام، فهو يشير إلى إن ما يَحكُم الفترة الانتقالية الآن هو اتفاق جوبا لسلام السودان الموقَّع 3 أكتوبر 2020 والوثيقة الدستورية 2019-تعديل 2020، بعد مواءمتها مع اتفاقية السلام. “ما ورد في الوثيقة الدستورية هو عقد مؤتمر دستوري يتمخَّض عنه دستور السودان الدائم”، وبحسب هاورن أنَّ اتفاق جوبا نفسه سار على هذا الاتجاه على أن يكون ذلك قبل انتهاء الفترة الانتقالية. “حسب الاتفاق يُجاز الدستور قبل الانتخابات”، ويؤكد هارون أنه “في مرحلة التأسيس الانتقالي، فإن عملية وضع الدساتير مُحاطة بعددٍ من الإجراءات والعوامل من بينها توافُق إرادة الشعب عليه والإسهام في وضعه متى ما توافرت تلك العوامل يمكن وضع الدستور الدائم”.

 

الدستور ونظام الحكم

 

قد لا تثير قضية اختلاف الآراء همَّاً كبيراً بالنسبة للمهتمين بشأن السودان، سيما في قضية الهوية ونظام الحكم، لجهة أن الأمر سيحسمه الحوار أو الاستفتاء الشعبي المقتَرح، يرى الفريق إسماعيل أن “الهوية وعلاقة الدين بالدولة تُطرَح في المؤتمر الدستوري وفي النهاية يتفقوا على رأي الأغلبية”، ويؤكد كمال كرار أن “مشكلات السودان الحالية لا يمكن حلّها إلا بدستورٍ يُعبِّر عن الشعب، ولا يكون كالدساتير القديمة، التي لم يتفق السودانيون حولها، وأضاف بقوله: “يجب أن يكون الدستور الجديد متفق عليه من الجميع بما فيهم القوات النظامية”.  ويشير أبو بكر عبد الرزاق إلى أن “قضية هُوِيَّة السودان يجب أن تكون بناءً على إجماع وطني، وأضاف: “لكن رأينا أن يكون دستوراً يُعبِّر عن دولة ديمقراطية حديثة قائمة على الحريات وأي شخص يحكم برنامجه الذي يرتضيه الشعب، دستوراً يفتح الآفاق ولا يكون هناك حِجرٌ على أحد”.

 

وشدّد المدير التنفيذي للمركز الإقليمي لتدريب وتنمية المجتمع المدني مولانا إسماعيل التاج، على ضرورة وضع دستور يعبر عن الشعب السوداني وتطلعاته وأحلامه، وأشار إلى التجارِب المريرة منذ الاستقلال الخاصة بوضع دساتير انتقالية وصفها بالشمولية وإنها لا تنبع من القواعد، رغم أن أصحابها أسقطوا عليها صفة الدائمة لكنها سقطت معهم.

وقال التاج خلال افتتاح الورشة التي نظمها المركز الثلاثاء 28 يونيو 2021، بمقره بالعمارات تحت شعار ‘مشروع دعم الشعب السوداني لصياغة دستور جديد يكون بمثابة عقد اجتماعي لسودان سلمي وديمقراطي’ إن “تنزيل الدستور للقواعد لا يعني مشاركتهم جميعاً في كتابته لكن بتمليكهم المعلومات، والمحتوى لفهمه واستيعابه ليعبر عن التعدد والتنوع الذي يذخر به شعب السودان”.

 

وأضاف أن المبادرة السودانية لصناعة الدستور قد تراكمت عندها التجارِب والزخم منذ إنشائها في 2011م، مع اختلاف الوضع الآن. الآن دخلت في شراكة تامة مع نقابة المحامين الأمريكية والاستفادة من تجارِب الدول المختلفة لصناعة الدستور، مشيرا إلى أن ليس ثمة قالب واحد يصب فيه الدستور، لجهة أن هنالك دولاً ليس لديها دستور مثل بريطانيا، لكنها تمتلك ممارسات ومبادئ وقيم دستورية تصب في خانة احترام حقوق الإنسان وتوجهها لتمثيل كافة الشعب في القرارات.

 

من جانبها أكدت مديرة مكتب نقابة المحامين الأمريكية، ولاء صلاح على ضرورة صناعة دستور مبني على مبادئ أساسية بمشاركة جماهيرية وشعبية، وفتح باب التشاور بشفافية، قبل كتابته لأن مرحلة الصناعة تسبق الكتابة.

 

تجاوز الصعوبات

 

يقول المحلل السياسي د. راشد محمد علي الشيخ إنه بطبيعة الحال هناك الكثير من المشكلات والصعوبات والتعقيدات التي يمكن أن تُواجِه عملية التوافق حول الدستور، ولكن، “يمكن التغلب عليها إذا تم استخدام الطريق المثالي في أن تتولى العملية مؤسسات تحت رعاية الدولة وليس تحت إشراف الأحزاب التي كثيراً ما تتغوَّل على صلاحية الدولة”.

 

وينوِّه الشيخ إلى أنه من مهام البعثة الأممية هي الوصول إلى كتابة الدستور الدائم، ويؤكد أن ما يميِّز السودان الآن هو وجود تركيز كبير عليه عالمياً والنظر إليه كدولة أكثر ملاءمة للمستقبل، لما لها من تجارب ديمقراطية سابقة، وموارد اقتصادية وتمتلك أيضاً تجارب في النزاعات والحروب. “بُناءً على ذلك يمكن أن نصل إلى الدولة المرنة التي ينشدها العالم، الدولة التي تستطيع التجاوب مع الديمقراطية والانتقال السلس”.

 

المساعدة في كتابة الدستور واحدة من مهام بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، وهو ما أكده الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس اليونيتامس، فولكر بيرتس، في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط في 6 مايو 2021: “إن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة (يونيتامس) لدعم المرحلة الانتقالية في السودان جاءت بطلب من الحكومة السودانية، وبناءً على مضامين الوثيقة الدستورية واتفاقية السلام، للمساعدة في الانتقال السياسي، بما في ذلك الانتخابات وكتابة الدستور، وتأسيس دولة حكم القانون”.

 

من ناحيتها قالت منسقة مشروع الورشة بالمركز الإقليمي مها معتصم، إنهم يستهدفون النساء والشباب بالأقاليم لضمان المشاركة الواسعة والفعالة، وأوضحت مها أن الورشة تهدف لتوسيع دائرة التفاكر والمشاركة مع كافة الأطراف والشركاء من ممثلي منظمات المجتمع المدني وممثلي حركات الكفاح المسلح وذلك من أجل المساهمة في صناعة الدستور القادم للبلاد وصولاً لسودان سلمي وديمقراطي.

 

يرى محمد علي، مواطن سوداني صاحب متجر لبيع أدوات البناء، أنَّ ما يهمَّه في الدستور المقبل هو استقرار البلاد، وألا يكون الأمر مسار جدلٍ كبير. “الجميع هنا يحلم أن يكون للسودان دستور دائم يُعبِّر عن ثقافات الجميع وتوجهاتهم وتطلعاتهم.”

 

ويؤكد محمد أن عدم الاستقرار السياسي هو السبب المباشر في عدم ثبات الدستور، وفيما يتعلق بالهوية أو القضايا مسار الخلاف كعلاقة الدين بالدولة، يرى محمد أن ما يتفق حوله أغلبية الشعب يجب أن يسود.

(تم إعداد هذه المادة الصحفية عبر دعم من ‘نحو سودان ديمقراطي’، مشروع من طرف الإعلام عبر التعاون وفي التحول (MiCT) وفريدريش إيبرت (FES)، وبمشاركة مركز الأضواء للخدمات الصحفية والإعلامية، بدعم من الوزارة الخارجية الألمانية).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *