بين “جراح” الجنينة و”ابتسامة” زالنجي.. واقع يشوبه الحذر

الجنينة: آدم محمد أحمد

ما تزال مدينة الجنينة؛ تداوي جرحاً عميقاً في جسدها المنهك بفعل أحداث وصفت بالأكثر دموية في تاريخ “دارأندوكة”، ومسح بسيط في تعابير وجوه الناس، ولغتهم الموغلة في الانتقام، يمكن أن يقود إلى خيار واحد وهو أنّ المدينة ليست بخير، تمتلئ مقار المؤسسات الحكومية بالمواطنين الذين نزحوا من مواقعهم من بعض الأحياء، سيما حي الجبل وما جاوره، بسبب الصراع، توقفت بعض دواوين الحكومة بصورة نهائية، وعلى الرغم من أنّ الحياة تبدو عادية في شوارع الجنينة، وحركة الناس في السوق، وتستقبل المدينة عشرات السيارات العابرة للحدود والخارج منها، في حركة يومية، ولكن ثمة قلق يبسط سيطرته على مشاعر الناس، قال محدثي إنّ مطار المدينة يشهد يومياً مغادرة العشرات من الأسر إلى مدن أخرى بحثاً عن مواقع آمنة في أرض السودان الواسعة، فضلا عن الذين تقلهم السيارات في حركة العبور، وبالطبع الذين يهربون من المدينة ومع أنّهم ربما من ميسوري الحال، انطلاقا من أنّ تكلفة المغادرة عبر الجو تبدو عالية اذا اخذنا في الاعتبار أن سعر التذكرة من الخرطوم إلى الجنينة، تبلغ حوالي (47850) جنيهاً قبل قرار هيئة الطيران بتخفيض سعر التذاكر للولايات.

ما لا تنساه الذاكرة
الصورة الذهنية للناس، تحتفظ برعب الأحداث الماضية، وحكاوي الأسف يمكن أن تسمعها من لسان أي شخص وإن كان طفلاََ، مررنا بسوق الجمارك، فقال مرافقنا من أبناء الجنينة، إنّ هذا السوق كان مسرحاََ لتبادل زخات الذخيرة وممارسة جريمة القتل، وسوق الجمارك هو محطة صغير بالغرب من مدخل المدينة الغربي، تعمل به بائعات الشاي وبعض الأعمال التجارية، البسيطة، لكنه يمثل أيضا محطة يجتمع عندها الأشرار والباحثون عن الجريمة، يغطي وجه المدينة مظاهر الانتشار العسكري، الذي يشمل كل القوات النظامية، في أي وقت يمكنك أن تسمع أصوات الرصاص، التربص بالآخر، يظل موجوداً، الأمر الأكثر دهشة هو حالة الإلفة بين الواقع هذا والمواطنين، ربما ما تحمله عيون الزوار والضيوف من خوف قد لا يكون موجوداً بنفس القدر في عيون الموطنين، الذين ربما وصلوا إلى قناعة تامة أنّ ما سيحدث يمكنه ان يحدث وهم في بيوتهم، قال عمران داؤود تاجر بسوق الجنينة : نحن متعايشين مع الأمر ونتوقع الانفجار في أي وقت، وأضاف “ما يخيفنا هو لا مبالاة الحكومة تجاه الجنينة والبحث عن معالجة جذرية للمشكلة وليس المسكنات التي قد تشفي الجرح قليلاً إلا أنه سرعان ما يعود إلى الالتهاب”، وبحسب وجهة نظر عمران أن الحل يمكن في بسط هيبة الدولة أولاً وتنظيم حملة جادة وعنيفة لجمع السلاح من أيدي المواطنين، ثم البحث عن مصالحات، وإلا فلا حلول في القريب العاجل وستظل الجنينة مسرحاً للعبث ومزيد من الضحايا العزّل، وقبل أن ينهي عمران عباراته، نبه إلى أن أمراء الحرب من السياسيين يمارسون هوية إشعال عود الكبريت بحثاً عن مآرب شخصية بعيداً عن أمن المواطن وسلامته.

خيرات وقوات ومخالفات
تمتلئ المدينة بالخيرات، مثلما تمتلئ شوارعها بسيارات “بوكو حرام” التي ربما لم تصل قرارات اللجنة العليا لجمع السلاح والعربات غير المقننة إلى هناك، وتبدو قوات الدعم السريع هي الأعلى شأناً والأكثر وجوداً والأقوى تأثيراً، بين القوات الأخرى المنتشرة بالجنينة، ومع أنّ البعض يحاول عمداً إلى وضع العلامة الحمراء تحت اسم القوات ويدمغها بعدم الحياد، إلا ان قياداتها في الولاية يؤكدون أن ما يثار مجرد غبار سيتلاشى مع قوة رياح الحقيقة والاستقرار، في سبيل الأمانة قد لا ينطبق هذا الواقع على قوات الدعم السريع وحدها فالشرطة في الجنينة، لا شأن لها بتأمين بعض المناطق مطلقاً فهي عند بعض الأطراف منحازة ايضا، وكذا الجيش، يقول محدثي إن بعض من المشاركين في الأحداث الأخيرة، جنوداً تخلصوا من زيهم العسكري وارتدوا زي القبيلة، والانتظام في صفوف القتال، فالوازع نحو القبيلة أقوى بكثير من الوازع نحو الوطن، لكن العميد إدريس حسن قائد قوات الدعم السريع قطاع الجنينة، يقول إن كل القوات تعمل بتناغم وتنسيق تام، وأشار إلى أنّ قواته لا تنحاز لطرف على حساب آخر وانما تعمل لمصلحة الجميع، وتعتبر قوة قومية يستفيد منها الجميع في حماية السلام، ونوه إدريس إلى أن قواته تقوم الآن بتأمين 8 محليات بالولاية فضلا عن دورها الكبير في تأمين الموسم الزراعي الماضي، التأمين الذي تم للموسم لم يحدث منذ زمن بعيد، وأضاف “بعضاََ من الإدارات الأهلية من قبيلة المساليت طلبوا منا إرسال قوات إلى مناطقهم لبسط الأمن والاستقرار، وزاد “نتلقى يوميا طلبات لتقديم خدمة حتى وصلت إلى مليون طلب، والتي لبينا بعضاً منها”، ووفقا لوجهة نظر إدريس أن الذين يقفون وراء تأجيج أحداث الجنينة، انما هم مندسين ومتفلتين ينتمون إلى الحركات غير الموقعة للسلام، وأضاف “ارتدى بعضهم زي القوات النظامية وشارك في الأحداث حتى يرمي التهمة على الدعم السريع أو القوات الأخرى، ولكن أؤكد أن هؤلاء مجرد مندسين يتحدثون باسم قوات الدعم السريع، وفي ذات النسق أتهم اللواء النور بشير النور قائد الفرقة 15 الجنية، بعض الجهات لم يسمها بالضلوع في الأحداث، وأكّد استقرار الأوضاع الأمنية بالجنينة بفضل التنسيق التام بين القوات النظامية على رأسها الجيش، الأمن والشرطة والدعم السريع، التي قال إنها تعمل على قلب رجل واحد لحفظ الأمن، مشيراً إلى أن قوات الدعم السريع، قوات نظامية لها قانونها الذى تتم بموجبه محاسبة أي أفرد، وأضاف قائلا: هذه رسالة تؤكد أنه من خلال تقييمنا لأداء تلك القوات بأنه أداء متميز، حيث عملت معنا في تأمين الموسم الزراعي بكل تجرد، ما ادى إلى نجاحه، كما أنها حازت على رضاء المواطن، وعملت القوات في مختلف المحافل في حفظ الأمن ومساعدة المواطنين”.

زالنجي تنام غريرة العين
وبينما تطفو نفوس الناس في الجنينة، بشيء من الغضب تجاه بعضهم البعض، تنام زالنجي التي لا تبعد سوى 3 ساعات عن الجنينة، غريرة العين، تكتسي المدينة ذات الطبيعة المتعرجة، بالخضرة، يقسمها الوادي إلى نصفين، مانحاً إياها منظراً خلاباً تزينه أشجار المانجو العاتية بخضرتها الداكنة، هناك يعيش الكل سواسيا، ومع ذلك يطلب الوالي د.أديب عبدالرحمن مزيداََ من قوات الدعم السريع لتأمين المواطنين ومقار بعثة اليوناميد التي غادرتها، تسهر زالنجي في ليالي رمضان حتى ساعات الفجر الأولى، يقول أديب إن الولاية انطلاقاً من تقييم مشروع الحرب فهي أكثر الولايات تضرراً يوجد بها 6 معسكرات، وينوه أديب إلى أن حالة الأمن مستقرة ولا توجد مشاكل نهب؛ وما يقع في الولاية من قضايا جنائية يتم حلها بالقانون أو العرف، واضاف “من حيث الاستقرار التعليمي؛الولاية الأولى؛ لكون أن الدراسة بها لم تتوقف؛ منذ انطلاق العام الدراسي ولا لأي سبب من الأسباب، وأشار إلى أن طلاب الثانوي قطعوا 75% من المقرر التعليمي، ويؤكد أديب أن الترتيبات الأمنية هي المدخل لجمع السلاح، الذي لن يتم إلا بعد اكتمال عملية الترتيبات الأمنية مع الحركات الموقعة على السلام، لتسهيل عملية ضبط الذين يعملون خارج القانون، ويبدو ان وجود قوات لعبدالواحد نور في جبل مرة لا تقلق أديب الذي أكد انه على اتصال ببعض قيادات الحركة وتم الاتفاق على عدم اعتراض المشروعات الحكومية التي تنوي الولاية انشائها في مناطق سيطرة الحركة، وأضاف “وافقوا على عدم اعتراضنا في تفاهمات غير رسمية”، ويشير أديب إلى أن سر استقرار الولاية أمنيا يعود إلى حالة التنسيق المحكم بين الولاية والقوات النظامية لا سيما قوات الدعم السريع، التي طلب الرجل المزيد منها، وبالفعل استجابت قيادة القوات ودفعت اليه بعدد كبير من السيارات المدججة بالسلاح، والتي اتخذت مواقعها في تأمين المدنيين ، وتعتبر حالة التنسيق بين الدعم السريع وحكومة الولاية واضحة، إذ يؤكد العميد علي يعقوب جبريل قائد قطاع وسط دارفور، إن حميدتي أعطى القوات توجيهات بعدم الاقتراب من قوات عبدالواحد في جبل مرة، وينوه جبريل أن بعض المتفلتين يستغلون بساطة الناس، ويقومون ببيع رتب عسكرية وتم القبض على عدد منهم، ويشير ألى أن قوات الدعم السريع في الولاية لا تكتفي بواجبها في التأمين وانما قامت بعمل اجتماعي وتقديم خدمات إلى المواطنين، وتكفلت ببناء 90 مدرسة و8 قرية نموذجية ومساجد، وأضاف “مع ذلك ما يزعجنا هو وجود الحركات غير الموقعة في الولاية والتي لدينا معها خلافات من حين لآخر”

Exit mobile version