الأخبار الرئيسيةتقارير

انتخابات السودان.. أحزاب تقليدية وجيل جديد

الخرطوم : آدم محمد أحمد

اقتباس:

الكُل يَتُوق إلى ممارسة ديمقراطية راشدة في السودان، والتي غابت عن الساحة السياسية لعقود طويلة. وبالطبع، تعتبر الانتخابات عضم الديمقراطية. ولكن المُعطيات الراهنة تشير إلى وجود فجوة بين الشباب الذي تَدَافَع إلى الثورة من جهة والأحزاب السياسية القديمة و’التقليدية’ من جهة الأخرى.
النص:

بعد نجاح ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام الإنقاذ الذي حكم البلاد ثلاثين عامَاً، يتوقع السودانيون انتخابات مختلفة عن سابقاتها، من حيث المشاركة في الاقتراع والاستجابة من قِبل فئات الشباب، التي تمثل الفئة الأكبر بين فئات الشعب السوداني.

ريم صديق، 26 عاما، خريجة كلية التوثيق والمكتبات في جامعة الخرطوم تقول إنها لم تمارس عملاً سياسيا طيلة حياتها ولم تنتمِ لأي حزب. “لم نكن نضع اعتباراً للسياسة لأننا لم نر إلا حزب المؤتمر الوطني الذي كان حاكما خلال 30 عاما الماضية”، تقول صديق. “بعد مشاركتي في الثورة السودانية التي أطاحت بالنظام السابق تكونت لدى بعض الأفكار في كيفية التعبير عن حقي السياسي حال تمت أي انتخابات مقبلة”.

أما أحمد محمد أحمد، طالب بجامعة أمدرمان الإسلامية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية على أعتاب التخرج، يقول إنه يحلم بانتخابات حرة ونزيهة يستطيع التعبير من خلالها عن رأيه كمواطن يملك الحق في اختيار المرشح الذي يعبر عن قناعته وأفكاره. “طيلة سنوات دراستي في الجامعة كنت أرى هذه الأحزاب القديمة التي تتصارع في حلبة تفتقد إلى الديمقراطية الحقيقة لكونها تمارس عملها في أجواء حكماً شمولياً لا يتيح الفرصة للرأي الأخر”، يقول أحمد.

يضم السودان، مئات الأحزاب السياسية التي تَكَوَّنَ معظمها في حقب قديمة. حزب الأمة القومي، الحزب الاتحادي الديمقراطي، الحزب الشيوعي السوداني، الإسلاميون الذين يشكلون أحزاب اليمين وأحزاب البعث كلها من الأحزاب القديمة التي عاصرت في تاريخها محطات وثورات مختلفة.

يبلغ متوسط العمر في السودان 18,2 سنة، مما يجعله الدولة السابعة عشرة الأصغر سنا عالميا، وفقا لكتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة الاستخبارات المركزية. هذا يعني أن نسبة الشباب عالية جدا. والواقع أن المواطنين حتى سن ٢٤ عاما يشكلون أكثر من 40 في المئة من السكان وفقا لنفس المصدر. هذا يعني أن التصويت الشاب سوف يكون حاسما ومصيريا في الانتخابات المقبلة. بالنسبة للعدد من هؤلاء الشباب، الأحزاب التقليدية لا تعبر عنهم وعن آمالهم. يرى عضو الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار أنّ تقييم مدى قبول الشباب لهذه الأحزاب يتم فقط عبر الانتخابات.”لا نستطيع أنّ نحكم إلا بصندوق انتخابات جديدة، لأن حكاية تقليدي أو ليس تقليدياً، خاضعة لصندوق الانتخابات”، يشدد كرار.

للقيام بهذا التقييم بطريقة عادلة، يذكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية د. بشير الشريف أحمد عنصرا مهما جدا وهو مراعاة السياق التاريخي لنمو وتطور هذه الاحزاب التقليدية. “إنه من القساوة أن ننظر للأحزاب السياسية التقليدية دون الحديث عن الديكتاتوريات والشموليات، التي تعتبر أول من وجّهت أسلحتها [ضدّ] الأحزاب باعتبارها المحرك الأساسي للشارع والشعب”، يفسّر أحمد.”بالتالي أي حديث دون الوقوف على التدمير الممنهج لتلك الأحزاب يصبح ظلماً”، يضيف الأستاذ بشير ونوه أحمد إلى أنّ الأحزاب التقليدية صحيح لديها مشاكلها وتحتاج الى تجديد شرايينها السياسية، من واقع أنّ هناك فجوة جيلية داخل تلك الأحزاب مما أفقدها عنصر الشباب، ولكنه يتساءل في نفس الوقت: “في أي سياق ممكن أنّ نقول هذا الكلام؟ هل هو في سياق أحزاب خرجت من التدمير الممنهج؟”

السياق الثاني الذي يجب الوقوف عليه هو السياق المجتمعي الحالي. حسب أحمد، الحديث حول قابلية الأحزاب عند الشباب يتم في مجتمع منقسم. لذا يجب على الشباب أنفسهم اتخاذ قرارات تخدم العمل السياسي السوداني، لأن لعن الأحزاب التقليدية لا يساهم إيجابيا في بناء سودان ديمقراطي. “لا بد من تأهيل هذه الأحزاب” يقول أحمد.

هذا ما يتفق معه كرار، حيث يرى أنه ليس بالضرورة أن تختفي هذه الأحزاب المسماة بالتقليدية، ولكنها يمكن أنّ تواكب الواقع بطرح أفكارٍ جديدة تلبي تطلعات وطموحات وقضايا الشباب.”لا ننكر أنّ الأحزاب بثّت الوعي في الناس، وكانت تتحدث عن الثورة والانتفاضة، لأن من مهامها ودورها في كل العالم أنّ تطرح للناس فكرة اجتماعية، ليس بالضرورة أن يكون الحزب ذات قاعدة جماهيرية كبيرة حتى يحوز على رضاء الناخب، ولكن يتوقف ذلك على مدى البرامج التي يطرحها ودرجة الصدق فيها”، يفسر كرار.

معتصم عادل شاب في الـ 23 من العمر، يملك متجرا صغيرا يبيع فيه مستلزمات الهواتف الجوالة وكروت الشحن. يرى عادل أنه “المهم ليس الحزب واسمه، وإنما البرنامج الذي يطرحه للناس في إطار رؤيته لإصلاح البلاد عند فوزه في الانتخابات”. يؤكد عادل أنّ الأحزاب التقليدية يمكنها أن تجد القبول وسط شريحة الشباب إذا غيّرت مفاهيمها القديمة القائمة على الشخصيات بدلاً من البرامج المعبّرة. تتفق سارة عثمان، شابة في العشرينيات من عمرها مقيمة في الخرطوم وتعمل في القطاع الخاص: “ممكن أعطي صوتي لأي مرشح مستقبلاً بشرط أجد في برنامجه ما يعبر عن احتياجاتنا كشباب وبما يحقق مطالب الشعب”.

وحتى إذا لم تتمكن هذه الأحزاب السياسية من تغيير برامجها لجذب الشباب، فيمكن للشباب تنظيم أنفسهم في إطار أحزاب سياسية جديدة. “أعتقد أنّ جيلي والجيل اللاحق أصبحا مدركين لماهية قضاياه وما هو الشخص الذي يستطيع أن يعبّر عنها ويحملها” يقول عادل. هذا الوعي أساسي للتنظيم السياسي، الذي أصبح عاجلا. على الشباب التوجّه نحو تأسيس أحزاب خاصة بهم لمواجهة متطلبات المرحلة. يقول كرار: “الشباب لديهم من القدرة والأفكار والقابلية، التي تمكنهم من تنظيم أنفسهم في هذا الجانب”.

ظهرت أحزاب شبابية، أو أحزاب يقودها شباب لكنها تضم في عضوتها جميع فئات المجتمع، أبرزها حزب ‘قوى التغيير والإصلاح القومي’ بقيادة المغيرة فضل الله، حزب ‘بناة المستقبل’ بقيادة فتح الرحمن فضيل، حزب ‘التيار الشبابي المستقل’ بقيادة مجد الدين الأحمدي وحزب ‘المسار الوطني’ بقيادة لؤي عبد المنعم. أعلنت هذه الأحزاب عن تحالفا في 13 فبراير 2021، يضم عدد من الأحزاب السياسية، المسجلة حديثا والتي يقودها رؤساء شباب.

ورغم بروز هذه الأحزاب السياسية التي تسمي نفسها شبابية، إلا أنها ستجد صعوبة في الوصول إلى نتائج متقدمة في حال جرت الانتخابات العامة، يرى منتصر الفادني الناشط السياسي وأمين قطاع المعلمين في ‘التجمع الاتحادي’، أنه “لا يمكن أن نسمي هذه الجماعات أحزابا بالمعنى الدقيق بقدر ما هي ظواهر تمثل ردة فعل متوقعة لحالة من الكبت والحجر على الحريات استمرت لثلاثة عقود”.، ونوه الفادني إلى أن عددا من هذه الجماعات تعبر عن حالة رفض لممارسات سياسية مشوهة تسبب فيها سلوك النظام البائد الذي سعى لاختراق الكيانات السياسية الراسخة وتفكيكها وإضعافها بهدف قتل روح المبادأة بين عضويتها وتعميق الهوة بين الأجيال.

“هذه الممارسات السياسية الشائهة أسهم فيها كثير من القيادات الحزبية إما بدافع التمسك بالقيادة أو لتحقيق أهداف مرحلية غير استراتيجية، أو بدافع الانتهازية التي كانت نتاجا لإمساك النظام البائد بكل مفاصل الاقتصاد وفرص الاستثمار”، يفسر الفادني، هذه الأحزاب لم تكن معروفة للشباب حتى الآن نتيجة لظروف السودان التي ما تزال تمر بمرحلة الثورة الشعبية. إضافة إلى ذلك، هذه الأحزاب تضم وجوهاً كانت مشاركة في أحزاب قديمة، مما يجعل الأمر أشبه بـتغيير القناع. كل هذه التحديات تتطلب بذل مزيد من الجهد لإقناع الشباب بالإقبال على هذه الأحزاب الشبابية.

وأكد الفاني أنّ تسمية هذه الأحزاب بالشبابية نفسها تنبئ عن مستقبلها. “الشباب مرحلة عمرية لا يمكن أن تستمر. إذا [هذه] الظاهرة طبيعية ولكنها غير دائمة ولا مستمرة واعتراك الحياة كفيل بأن يقود الشباب إلى العودة للحواضن الفكرية والسياسية المشكلة للوجدان والرؤى الكبرى للمواطن الطبيعي. سيتحرر السودان من التطرف اليساري واليميني الذي يغذي هذه التيارات وتزول هذه الظواهر الضرورية في هذا التوقيت بالذات.”

“يتم ذلك عن طريق ترسيخ الممارسة الراشدة والمؤسسية داخل الأحزاب الكبرى، أحزاب الوسط، وعن طريق فتح المجال والأفق السياسي أمام الشباب لقيادة أحزاب الوسط وتأهيل كوادرها لتحديثها ومواكبة الواقع”، حسب الفادني. “وهذا ما بدأت ملامحه تبرز في التجمع الاتحادي وحزب الأمة القومي، فهما ضامن أساسي لاستقرار الوطن وحتما ستصب هذه الأحزاب الشبابية في هذين النهرين الكبيرين.”، إذا لم تتمكن الأحزاب التقليدية من التحول، أو لم يتمكن الشباب من التنظيم في إطارات حزبية تجذب الشباب، فالخطر سيكون إضاعة تصويت الشباب تماما. تقول سارة عثمان: “أنا سأمتنع عن الانتخابات المقبلة إذا لم يتغيّر حال الأحزاب أو ظهور أحزاب جديدة تعبر عن الشباب”.

تم إعداد هذه المادة الصحفية عبر دعم من ‘نحو سودان ديمقراطي’، مشروع من طرف الإعلام عبر التعاون وفي التحول(MiCT)وفريدريش إيبرت(FES)، وبمشاركة مركز الأضواء للخدمات الصحفية والإعلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *