آراء و مقالات

للعطر افتضاح _ ‏يا جبريل.. (وقِّف شوية)! _ د. مزمل أبو القاسم

ما عاد في جسد المحتاجين من أبناء بلدي موضعٌ يخلو من طعنةِ فقرٍ، أو ضربةِ غلاءٍ، بعد أن قررت حكومتهم المبجلة اتباع وصفة برنامج الإصلاح الهيكلي لصندوق النقد الدولي بوحشيتها القديمة، وقسوتها المقيمة على محدودي الدخل، وهم يشكلون غالب أهل السودان.

لم يتوقع أكثر الناس تفاؤلاً أن تقُدم الحكومة على رفع قيمة الدولار الجمركي مرتين خلال شهرٍ واحد، لتمام علمهم بالتبعات الموجعة لتلك الزيادات على معاش المواطن، وانعكاساتها السالبة على أسعار السلع والخدمات، في بلدٍ بات غالب شعبه يئن تحت وطأة الفقر، وصارت الحياة فيه تشكل جحيماً لا يُطاق، بقسوتها وشظف عيشها ووفرة الوجع الذي يكتنف ساكنيها.

استبشرنا – مع الكثيرين – خيراً بالوعود التي بذلها الدكتور جبريل إبراهيم، وزير مالية حكومة حمدوك الثانية، بعد أن بشّر الناس بالتخفيف عليهم، وتقليص معاناتهم، ومحاصرة فقرهم، والقضاء على صفوفهم، وتوفير السلع والخدمات لهم، وعدم الإثقال عليهم بالمزيد من الرسوم والضرائب الجديدة.

ساندناه وتوقعنا منه أن يبِر وعوده، سيما وأن بداياته حملت بشرياتٍ جيدةً، اقترنت بالسيطرة على التراجع المُريع في قيمة العُملة الوطنية، تبعاً لقرار تعويم الجنيه، الذي أدى إلى انسياب تحويلات المغتربين عبر المواعين الرسمية، وتحسن الأوضاع في ما يتعلق بتوافر السلع الاستراتيجية، مع غلائها الشديد.

استند مشروع موازنة العام 2021 على دولارٍ جمركيٍ ثابت القيمة، ومع ذلك أقدمت الحكومة على زيادته في منتصف الشهر الماضي من (15) إلى عشرين جنيهاً، قبل أن (تدفره) قبل نهاية الشهر مجدداً إلى (28).

الموجع في الأمر أنه تم في المرتين بلا سابق إنذارٍ، ومن دون إعلان، بسلوكٍ غريب، ينم عن عدم احترام الحكومة لشعبها، واستخفافها بمعاناته، بعد أن استكثرت عليه تنويره بما استجد من أمرها على صعيد الجمارك، التي تؤثر زياداتها سلباً على أسعار كل السلع والخدمات.

ستشيع الزيادة مزيداً من الغلاء في أسواقٍ بات دخولها يمثل بعبعاً مرعباً لمحدودي الدخل، ممن صعُب عليهم معاشهم، وباتوا عاجزين عن توفير خبزهم وحليب أبنائهم، ناهيك عن دوائهم الذي شحَّ وانعدم، بعد أن رفعت الدولة يد الدعم عنه، وزادت دولاره من (55) إلى (120)، ثم أخفقت في توفيره لشركات الأدوية ومصانعها المحلية، فصار الحصول عليه يتطلب مشقةً شديدة.

اقترنت الزيادة الكبيرة في قيمة الدولار الجمركي بزياداتٍ مؤثرةٍ في قيمة الوقود، الذي تصعّد سعر لتر البنزين فيه إلى (150) جنيهاً، ولتر الجازولين إلى (125).

ذلك يعني ببساطة مضاعفة جرعة الوجع للفقراء، ورفع معدلات معاناتهم إلى الحد الأقصى، مع تمام العلم بأنهم ما عادوا يمتلكون طاقةً تعينهم على احتمال المزيد من الغلاء، بعد أن بلغ بِهم الضيق منتهاه.

تزامن ذلك كله من تعثرٍ واضحٍ في تنفيذ برنامج (ثمرات) الذي وضعته الحكومة بغية إعانة الشرائح الضعيفة بِه، إذ توقفت دفعاته؛ على قلتها، وعجزت عن بلوغ غالب الفقراء في ربوع بلادنا الشاسعة المزدحمة بأصحاب الحاجة والمسغبة، ممن قرقر الجوع في أمعائهم، وأذلّ الفقر نواصيهم.

نقول للدكتور جبريل ومن بعده الدكتور حمدوك حنانيكما، فأهليكما يعانون، وفقراء بلادكما يولولون بلسان الحال وجعاً، وتقطر قلوبهم دماً أحمرَ قانياً، بعد أن توالت عليهم ضربات الحاجة، وأثقل الغلاء أكتافهم حتى تقوست منهم السيقان، وانحنت الظهور وأنّت الصدور.

ستزداد المعاناة تبعاً لاقتراب ظهور هلال شهر رمضان المعظم، بموسمٍ تزداد فيه الأسعار حتى في الظروف العادية، وستتضاعف المعاناة تبعاً لكثرة انقطاع التيار الكهربائي عن الناس، بما يفسد طعامهم ودواءهم، فلماذا تثقل الحكومة على الناس؛ مع علمها بوفرة أوجاعهم، ورِقّة حالهم؟

نناشد وزير المالية أن يبِر وعوده، وأن يمنع أي قراراتٍ جديدةٍ تفاقم أوضاعاً بلغت من السوء منتهاها، ودفعت الكثير من أهل السودان إلى بيع ممتلكاتهم، وطرق أبواب المَهاجر، هرباً من الواقع المزري، لبلادهم المنكوبة بالغلاء والفقر وسوء الخدمات.

يا جبريل.. (وقِّف شوية).. وأهدي لفقراء بلادنا الموجوعين (لحظات هنيّة)!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *