همس الحروف _ وكيل قطاع الكهرباء و اللعب على الذقون _ الباقر عبد القيوم علي

في بداية الإسلام قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بابتعاث سيدنا عبد الله بن جحش القرشي رضي الله عنه وأرضاه في مهمة وكان معه بعض الصحابة، و يعتبر هذا الصحابي من أشجع رجال قريش ، و لذلك كان مهاباً بين المشركين ، فأرسله إلى وادي نخلة من جهه مكة ، فاعترضته قافلة لقريش وكان على رأسها عمرو بن الحضرمي، فاشتبكوا معم في معركة حتى استطاع المسلمون قتل قائدهم الحضرمي ، و كان ذلك في شهر رجب ، و هو من الأشهر الحرم ، فثارت قريش لتلك الحادثة وقالت: انظروا كيف يستبيح محمد قتل أحد قادتنا في الأشهر الحرم ؟ و كان ذلك من اجل التبرير السمج الذي يحاولون به تجميل صورة اعتدائهم على المسلمين ، و لكن إذا تحولت هذه الهزيمة لانتصار ضد المسلمين لما تعللوا بهذه الحجة الواهية التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وهي التبرير السمج بالصغائر من أجل كسب الكبائر من الأمور بصورة كانت واضحةً كوضوح الشمس في كبد السماء ، ولهذا نجدهم قد تدثروا بثياب الخديعة حتى يمرروا أجنداتهم الخبيثة بهكذا صورة و يكذبوا بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم، حينما قالوا إن محمداً قد قام يقتل صاحبهم في الشهور الحرم التي حُرٍّم فيها القتال ، ويعتبر ذلك الأمر من الأمور ذات الكسب الرخيص الذي كانت تقودهم إليه أفكارهم الخبيثة ، ولكن الله عز وجل كذب إدعاءهم و أنزل في ذلك قرآناً: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ) .

وقد ساقتنا أحداث تلك القصة إلى قصة مشابهة لها في خلاصتها في ضعف تبريراتها بالحجج الواهية و المسببات الصغيرة و غير المنظورة من أجل أن يحصل فاعلها على مكاسب كبيرة مقابل مبررات صغيرة، وهذا ما أتى به وكيل قطاع الكهرباء السيد خيري عبد الرحمن أحمد الذي لم يكتفِ بقطوعات الكهرباء فقط التي أحدثت اتلافاً في معظم أجهزة الناس التي تعمل بالكهرباء ، وإضافة لذلك تلك الزيادات التي أدخلها هذا الرجل حديثاً على فاتورة الكهرباء ، حتى أبت نفسه إلا أن يأتي بجديد ، و لكن هذه المرة كان ذلك على صهوة جواد الخديعة، فشابهت قصته سلوك قريش مع المسلمين حينما أرادوا التبرير بالصغائر من أجل كسب الكبائر التي تعود لصاحبها بالخير الوفير .

حيث ثبت بما لا يدعو مجالاً للشك أن هذا المهندس خيري قد اكتشف بعد سكوت الناس عن تلك الزيادات التي فآجأ بها الشعب، أن أفضل وسيلة في التعامل مع بساطتهم هي (الضحك على الذقون) ، فاستغل هذا الباشمهدس طيبة وسماحة وسذاجة هذا الشعب المعلم الذي تكاثرت عليه الضربات والطعنات من كل حدب وصوب، وذلك لأنه استبسط عقولهم وسماحة قلوبهم باستخدام معضلة كونية تكمن في دواخلهم و هي (الطيبة) المفرطة التي قوبلت بالاستغلال القبيح، حيث أخرجته بأكمله من حدود الدهشة و الاستغراب حتى أصبح معظم أفراده لا يندهشون أو يتعجبون لأي أمر يحدث معهم، فبالله عليكم هل يستطيع أحد منكم أن يفك لي طلاسم هذه الخدعة التي قدمها هذا الرجل باعتبار أنه يريد أن يقنع هذا الشعب بأنه قدم إليهم خيراً وهم يضمر في نفسه عكس ذلك تماماً، حيث أصدر قراراً بإعفاء الناس من رسوم الإيجار الشهري لعداد الكهرباء وهو عبارة عن خمسة جنيهات، وهذا الإعفاء في حد ذاته أمر إيجابي ولكن قيمته هي فقط خمسة جنيهات لا غير ، وقد يحسبها له البسطاء محمدة ، ليقوم بعد ذلك بذكاء أصطناعي منه ليحمل المواطن كلفة مشوار سيارة الطوارئ ومبلغ تصليح العداد (الشاشة الداخلية) التي يمكن ان تصل إلى حدود عشرة آلاف جنيه في المرة الواحدة ، وما هو معلوم بالضرورة أن شاشة هذا العداد كثيرة الأعطال، فانظروا كيف تمت الخدعة بإعفاء الناس من الجنيهات الخمسة ليتم تغريمهم بعد ذلك بمبلغ يصعب على المواطن دفعه عند صيانته عداده ، إذ يعتبر هذا الرجل بذلك قد دق آخر إسفين في نعش المواطن الذي هو في الاصل ميت سريرياً، و بهذا يكون قد لعب مع الجميع لعبة الموت (أي الذي يموت يتحتم عليه الخروج من اللعبة) وهكذا يكون قد تم الضحك على ذقون البسطاء.

وقد ذكرني السيد خيري بتلك القصةالتي حدثت مع سيدنا عبد الله بن عمر حين أتاه رجل من أهل العراق في الحج، وقال له : يا أبا عبد الرحمن ما حكم قتل البعوضة للمحرم؟ فقال له: من أي بلد أنت؟ قال: من أهل العراق، قال: (قاتلكم الله يا أهل العراق ! لطختم أصابعكم بدم الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألون عن دم بعوضة)، كيف لهم يقتلون الحسين ويسألون عن البعوضة؟ .. فكيف لك يا خيري ان تعفي البسطاء من خمسة جنيهات لتكسب بعد ذلك الآلاف منها من دماء هؤلاء البسطاء الذين لا يستطيعون مجابهة كل ذلك .. فاعلم يا سعادة خيري أن السلطة لا تدوم طويلاً وبريق كراسيها سينطفئ ولو بعد حين، فحاول أن تصنع لنفسك خبيئة مع الله والشعب لتكون لك وجاءة من جور الزمان وعند الحساب حينما ينكفئ بك الكرسي على وجهك، فتصبح بعد ذلك ملاماً من كامل الشعب بعد ان كنت مشكوراً، فلا تكن كمثل الذي أراد أن يحافظ على الإبرة فأضاع الجمل.

Exit mobile version