همس الحروف _ أين موقع الشرطة من جرائم نسخ المفاتيح _ الباقر عبد القيوم علي

هل جرب أحد منكم أن يضع غرضاً ما بعد أن حرزه في مكان بعينه، وحينما عاد ليأخده لم يجده، فهل قدر أحدكم تأثير إسقاط ذلك الإحساس الأليم على صحة الإنسان حينما ينخفض عنده معدل الإيمان بالقضاء والقدر ، ففي بعض الأحيان يصاب الإنسان بالشلل وقد يصل إلى درجة الموت، فمهما كانت درجة أهمية هذا الغرض، فإنها سوف تترك أثراً سلبياً ذا عمق حاد في نفس الفرد نتيجة فقده بغض النظر عن القيمة المادية له، فما بالك لو كان المفقود سيارتك ؟!

انتشرت في الآونة الآخيرة سرقات السيارث بصورة غير مسبوقة، بالرغم من أن الموديلات الحديثة منها تصعب سرقتها، وذلك لأن شركات صناعة السيارات بذلت جهوداً جبارة لزيادة درجات التأمين في هذه السيارات وخصوصاً في الأجيال الحديثة منها ، لكن يبدو أن الشرطة السودانية قد تركت مساحة واسعة أسهمت بها إسهاماً مباشراً في مساعدة لصوص السيارات المحترفين الذين طوروا أنفسهم بنفس درجة الحداثة التي سلكتها شركات صناعة السيارات.

وعطفاً على تلك القضية التي شغلت الرأي العام هذه الأيام التي وردت تفاصيل قصتها في سلسلة مقالات تحت عنوان (القرصنة باسم القانون وتحت حماية الدولة) و التي كان ضحيتها رجل الأعمال نزار علي أحمد الذي كان يشار إلى اسمه ب (ن .ع . أ)، حيث أصبح هذا الرجل بين عشية وضحاها ضحية انشغال الشرطة عن تفعيل القوانين واللوائح التي تنظم وتضبط المحال المتخصصة في طباعة ونسخ المفاتيح بكافة أشكالها وأنواعها، حيث قام الجناة الذين نهبوا سيارات هذا الرجل باستنساخ مفاتيح جديدة لها، كما قاموا أيضاً بتغيير برمجتها لاستخدامها في أغراض كانت تخصهم أو تخص المؤسسة التي يعملون بها، مما جلب الإساءة والسخط الشديدين من جموع الشعب لذات المؤسسة، حيث قاموا باستخدام هذه السيارات في صورة كانت أشبه بالانتقام، وهنا نتوجه باللوم الشديد لإدارة الشرطة ومباحثها الجنائية لأنها حسب غفلتها وانشغالها تراخت عن القيام بواجبها تجاه متابعة أصحاب محال استنساخ المفاتيح وتركت لهم الحبل على الغارب، فوجدوا مجالاً واسعاً أضاعوا به حقوق بعض الناس، لأنهم أمنوا من المساءلة و العقاب فأساءوا الأدب و الاستخدام، فتشكلت من أعمالهم جرائم خطيرة تمثلت في ضياع حقوق كثير من الناس، لأنهم كانوا الأساس في مساعدة المجرمين، وإن لم يكن دورهم مباشراً في الجريمة ولكن بواسطتهم كان يتم تغيير بصمة السيارات بعد إعادة برمجتها ، فساعدوا أو اشتركوا و رفعوا معدل نوعية هذه الجرائم .

كنت مقيماً في إحدى الدول وأردت أن أنسخ مفتاحاً لشقتي، فذهبت الى محل لنسخ المفاتيح، فطلب مني صاحب المحل طلباً كان غريباً على، ولم يكن ضمن أرشيف ثقافتي المعرفية في هكذا مواضيع، فأصابتني الدهشة، حيث طلب مني أن أحضر له موافقة من شرطة المدينة، فاستسهلت بدايةً هذا الأمر لأنه لم تكن لدي معرفة مسبقة به، فكنت أعتقد أن تلبية هذا الطلب في غاية اليسر ، وما زاد تشجيعي لتلبيته القرب المكاني لموقع مركز الشرطة الذي كان ليس بعيداً من هذا المحل، فبعد جدال مع صاحب المحل ذهبت مكرهاً الى القسم وكنت أظن أن طلبي هذا لن يكلفني وقتاً كثيراً، فجلست في الانتظار الممل حتى فرغ الضابط من العمل الذي كان امامه، وخاطبني بأدب جم، وبعد أن عرف ما أطلبه قام بتوجيهي بأن اقدم طلباً مكتوباً بخط اليد وعليه بصمتي، وبعد ذلك صادق على طلبي وتم تحويله الى قسم التحري الجنائي الذين طلبوا مني المفتاح المراد نسخه وصورة من هويتي ونسخة من ملكية الشقة أو عقد إيجارها. وجلست حتى حضور سيارة البحث الميداني التي تخص هذه الإدارة، فقاموا باصطحابي معهم إلى مقر سكني حتى يتأكدوا فعلاً من أن هذا المفتاح يخصني، وبعد ذلك تم منحي خطاب عدم الممانعة الى محل نسخ المفاتيح، ومن رهبة ما حدث لي صرفت النظر عن النسخ و قمت باستبدال القفل بآخر جديد .

فكيف يتم السماح في السودان لمثل هذه المحال التي تساعد وتشارك المجرمين في جرائم سرقة السيارات ، وحتى الموديلات الحديثة لم تسلم من جرمهم، بحيث أنهم يقومون بتصنيع مفتاح وليس استنساخها، وبعد ذلك يتم تغيير البرمجة عبر أجهزة متخصصة في ذلك العمل ومواكبة للتقنيات الحديثة وبدون رقابة من الدولة، مما سهل لهم عمليات السرقة بسرعة شديدة ودون أية ضوضاء، وعليه نناشد وزارة الداخلية تفعيل القوانين الصارمة ابتداءً من الجمارك وألا تسمح بدخول الأجهزة التي تقوم بهذا العمل إلا بعد الموافقة من الجهات المعنية،كما يجب متابعة محال النسخ وإلزامها بعدم العمل إلا بعد صدور الموافقة والعلم من الجهات ذات الاختصاص، حتى يستطيع المواطن العيش تحت مظلة الأمن والأمان .

Exit mobile version