الأخبار الرئيسيةتقارير

أثر قانون التحول الديمقراطي الأمريكى على علاقات المدنيين والعسكر بالسودان

الخرطوم: اميرة الجعلي

أجاز الكونقرس قانون دعم التحول الديمقراطى والمساءلة والشفافية المالية للعام ٢٠٢٠ بإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

ويعد هذا القانون مع قرار إزالة اسم السودان من القائمة السوداء و إعادة الحصانة السيادية هو حجر الزاوية لتوجهات سياسة واشنطون الخارجية تجاه السودان خلال الفترة القادمة.

ورغم أن القانون يشتمل علي عدد من بنود الدعم السياسي والمالي والتنموى لإسناد التحول الديمقراطى وتعزيز الاستقرار السياسي، الا انه اشتمل ايضل على شروط قاسية لانفاذ التعهدات المالية . إذ يشترط القانون ان يقدم الرئيس الامريكى للكونقرس شهادة قبل انفاذ اسقاط او تسوية ديون السودان الخارجية يؤكد فيها إخضاع المؤسسة العسكرية وهيئاتها الاقتصادية لسيطرة ومحاسبة المدنيين، بما في ذلك خضوع حساباتها لرقابة وزارة المالية.

وطالب القانون ان تخضع كل شركات الجيش والمؤسسات النظامية والمليشيات لإشراف ومراقبة المدنيين إضافة لإجراء إصلاحات شاملة وسط المؤسسات اانظامية والأمنية كافة.

خصصت واشنطون فى ميزانية التخصيصات المالية وبند الدفاع أكثر من مليار دولار لصالح السودان منها ٧٠٠ مليون دولار للدعم المجتمعى لتعويض الأسر الفقيرة عن رفع الدعم عن السلع والخدمات وأكثر من ١٣٠ مليون دولار لصالح تسديد متأخرات الدين فى البنك الدولي. اضافة لعون تنموى مخصص لمناطق النزاعات ودعم الزراعة وبعض المشروعات الأخرى.

لكن يرتبط تنفيذ هذا الدعم السخى بشروط ومطلوبات متصلة بالعلاقة بين المكون المدنى والعسكري. خاصة ضرورة خضوع كل المؤسسات العسكرية والأمنية لمراجعة ومراقبة وإشراف المدنيين. ومنع ( المليشيات) حسب تعبير القانون من الاستثمار فى قطاع التعدين خاصة الذهب وغيره.

سبق وأن أعلن الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة فى أكثر من تصريح أن مؤسسات الجيش الاقتصادية هى فى الاساس لخدمة الضمان الاجتماعى للجيش لتوفير موارد لما بعد الخدمة والدعم الاجتماعى وهى لا تنافس الشركات الخاصة فى السوق.

فى المقابل ارتفعت نبرة رئيس الوزراء حمدوك وطالب الجيش فى أكثر من مناسبة ضرورة ايلولة شركاته الاقتصادية إلي وزارة المالية.

وقال الفريق البرهان أنه طالب وزارة المالية باستلام أكثر من ١٥ شركة وفتحها لتتحول لشركات مساهمة عامة وان كل إمكانات الجيش الاقتصادية سيتم توظيفها لإنقاذ الاقتصاد لكن حدث تباطؤ من وزارة المالية.

و تكمن الأزمة فى تركيز قانون الكونقرس علي هيئة التصنيع الحربي. التى تمتلك بنية صناعية قوية ولها عدد من الشركات فى مجال الإنتاج المدنى وعلي رأسها شركة (زادنا) للإنتاج الزراعي والبستانى والحيوانى.

وأوضحت مصادر فى التصنيع الحربي أن الإنتاج المدنى يمثل ٢٠% فقط من جملة الإنتاج وان الخلاف مع وزارة المالية أو الوزير السابق ابراهيم البدوى هو إعلانه التزام منظومة الإنتاج الدفاعي دعم الخزينة العامة بمبلغ ٢ مليار دولار سنويا. وهو الأمر الذى رفضته المنظومة الدفاعية وقالت انه اكبر من إمكاناتها.

من جانبه قال السفير خالد موسي السفير السابق بوزارة الخارجية (للانتباهة) إن واشنطون خصصت معظم العون التنموي لدعم الحكومة المدنية ومنظمات المجتمع المدنى ورفع القدرات لتوثيق الجرائم المرتكبة ضد المدنيين، مع تخصيص مبلغ لدعم الإنتاج الزراعى ومصالحات السلام.

لكن الأخطر هو اشتراط القانون قبل إنفاذ عملية إعفاء أو تسوية الديون أن يقدم الرئيس الامريكى شهادته للكونقرس يؤكد فيها اكتمال خضوع أصول و الاجهزة الامنية والاستخبارية للاشراف والمراجعة المدنية، وادخال ميزانيات الامن والدفاع ضمن الميزانية العامة المعلنة للرأي العام بشفافية تامة ، واخراج مؤسسات الجيش والامن والمليشيات من الاستثمار في مجال الذهب والمواد الخام والبترول ، والكشف عن اسهم واصول الشركات التابعة للجيش والامن ووضعها تحت سيطرة المدنيين.

وأضاف قائلا :” تنطلق توجهات الفعل السياسى الأمريكى لرفع اسم السودان من القائمة من قاعدة شديدة الوضوح وهو أن دعم الحكم المدنى وتسهيل التحول الديمقراطى يستوجب إضعاف الجيش وإخراجه من السياسة ، وإكمال عملية السيطرة علي موارده وميزانياته وشركاته واخضاعها كليا لمراقبة ومحاسبة وإشراف المدنيين”. وقال أيضا أن الأهم أيضا اشتراط القانون أن هذا الدعم يرتبط أيضا بتقلد المدنيين رئاسة المجلس العسكري فى ابريل ٢٠٢١ حسب نص الوثيقة الدستورية.

فى ذات السياق حذر مراقبون أن يؤدى إنفاذ القانون إلي هز الشراكة القائمة بين المكون العسكرى والمدني وتعريض البلاد لانقسامات سياسية حادة.

لاشك أن صدور قانون دعم التحول الديمقراطى لتحقيق أهدافه الواضحة وهو تقوية دور المكون المدنى وإضعاف المكون العسكري، يتزامن مع ذلك نشر البعثة السياسية الاممية التي سيكون لها الولاية علي كامل التراب السودانى، و اشرافها علي عملية التحول الديمقراطى وإنفاذ اتفاقية جوبا للسلام خاصة الترتيبات الأمنية ومتابعة الدعم الخارجي واعفاء السودان من الدين بواسطة المؤسسات المالية الدولية خاصة البنك الدولي وصندوق النقد. كل هذه العوامل ستؤدى إلي تقوية دور المكون المدنى لكن هل يملك المكون المدنى القدرة والإرادة السياسية لأحداث التحول الديمقراطى دون دعم وحماية الجيش.

لكن تبدو الشراكة الان بين المكون العسكري والحرية والتغيير وشركاء السلام رغم الخلافات هي الضمان الوحيد للعبور بالبلاد مع التوافق لتوسيع قاعدة التوافق الوطنى. لكن اذا اصر المكون المدنى ممثلا فى الحرية والتغيير علي إنفاذ القانون الامريكى دون النظر لتغيرات الواقع واصرار أمريكا على اضعاف وإقصاء المكون العسكري من التحالف والواقع السياسي أثناء الفترة الانتقالية، فان البلاد ستشهد انقساما عنيفا يتحالف فيه المكون العسكري مع شركاء السلام من الحركات المسلحة العائدة، مقابل التيار المدنى الذي يحاول الحزب الشيوعي اختطاف مواقفه والتعبير بلسانه من اجل اعادة العسكر الي الثكنات قبل نهاية الفترة الانتقالية.

من جانبه اعتبر المحلل السياسي خالد التجاني في حديثه لـ(الانتباهة) القرار بحث عن اداة لالية ضغط تمكن الولايات المتحدة الامريكيه من الاستمرار في توجيه الاوضاع السياسية في السودان بما يخدم مصالحها، واكد انه الغرض الاساسي من القانون.

وقال التجاني لا يمكن ان تقرر واشنطون من يملك ماذا؟ والولايات المتحدة تتعامل مع كثير من الدول واجهزتها العسكريه مسيطره تماما، وتساءل لماذا السودان بشكل محدد؟ واضاف هذا يعني ان القانون مصمم للسودان، وتساءل ايضا لماذا لا تفرض الولايات المتحده مثل هذا القرارات مع دول حليفة لها؟ من ناحية اخري هذا القانون لن يخدم التحول الديمقراطي في السودان لان سياسة امريكا كانت تهدف للتطبيع مع اسرائيل لذلك تعاملت مع العسكريين وليس القوى المدنية لذلك لا يمكن ان تتعامل مع العساكر الان وهذا الامر ليس فيه منطق بالتالي القانون عمليا

ولعل السؤال ما هي الجهة والاليات التي ستنفذ القانون؟ في غياب الاجابة علي هذا السؤال عليهم تعيين حاكم عام للسودان لكي يطبق القانون بالطريقه التي يريدونها وفِي حال لم يطبق القانون اذن سيدخل السودان مره اخري تحت طائله عقوبات بالتالي الطريقه التي عملت بها القانون لن يخدم التحول الديمقراطي في السودان وسيعمق الانقسام لان هذا الاتفاق سياسي بين القوي المدنية والعسكرية وامريكا باركته من قبل.

اذن ما هي التغيرات التي دعت واشنطون للانقلاب علي خطتها السابقة بما يضعف عملية التحول الديمقراطي في الظروف الراهنة.

 

المصدر: صحيفة الانتباهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *