همس الحروف- تصحيح الصورة الذهنية عن الإستقلال- الباقر عبد القيوم علي

السودان

نحن نعلم يقيناً أن كل الذين يخطون خطوة البداية ، يقطعون نصف الطريق  الذي كانوا ينشدونه ، وخاصةً إذا سبق تلك الخطوة شيئ من التفكير العميق  و التخطيط الإستراتيجي و المشورة الصادقة التي تفيد النفع العام  ،  فحينما تم تشكيل مؤتمر الخريجين في عام 1938 م والذي كان بمثابة الواجهة  الاجتماعية و الثقافية الاولى و الوحيدة لنخب هذا الشعب ، الذي كان يضم في عضويته خريجي المدارس العليا في السودان ،  فهل يا تري كان لهذا الجسم الإجتماعي الثقافي وقتها خطة مدروسة حينما إتجهوا إلى ممارسة العمل السياسي عند قيامهم بالتكتل من أجل إنهاء الاستعمار في السودان  و مناداتهم بحق تقرير المصير ، و كما ظلوا على ذلك الطلب حتى اجتمع البرلمان السوداني في 19 ديسمبر 1955 م و أعلن استقلال السودان من داخل أروقته و قام بمطالبة  دولتي الحكم الثنائي بالاعتراف بالسودان ” كدولة مستقلة وذات سيادة ” ، و قد وافقتا على ذلك الطلب وتم الجلاء و رفع العلم السوداني في 1 يناير 1956.

و لكن بالرغم من ذلك نجد أن معظمهم كانوا  يقومون بنسب  كل ما هو جميل إلى هذا المستعمر  ، فكانوا ينسبون إلى الشخص الذي يحترم وقته فيقولون  عنه هذه مواعيد إنجليز  و كما  يمدحون البناء الذي يتم تشيده بواسطة المستعمر في متانته فيقولن بناء إنجليز ، و نجدهم في مدح الإنسان المنضبط يقولون عنه  هذا خواجة  ، فكانت لهم قيمة خاصة لهذا الخواجة ، فطالما كانت لهذا المستعمر كل هذه القيمة التي بلغت عندهم مبالغ هذا الكمال ، فلماذا كانت مطالبتهم له بالجلاء

ما زال السودانيون يؤيدون تلك القناعات المخملية التي رسخها لهم الأباء في عقولهم عن المستعمر و ما زال الرجل الإنجليزي محط إعجاب الكثيرين منهم و ما زالت معالمهم التي تركوها في فن العمارة في شارع النيل و القصر الجمهوري و كباري الحديد المنتشرة في ربوع مدن السودان ، و خطوط السكك الحديدية و جامعة الخرطوم و شارع الإستبالية  و قطاطي محطات القطار ،  و مشروع الجزيرة  ، و كل ما خلفه الإنجلير من المعالم يعد رمزاً من الرموز التي كانت وما زالت محفورة في وجدان كثير من السودانيين.،  وكما أن الشعب يكن إحتراماً خاصاً للسودانيين من حملة جوازات إنجلترا ، فهذه المعاني ما زالت راسخة تماما عند معظمهم سواء على صعيد الشعب أو الدولة

بالنسبة للشعب السُّوداني، نجده يحيا في أسوأ الظروف المعقدة  ذات الصعوبة القاسية التي لا يمكن أن يحيا فيها الإنسان  ، ولكنه بالرغم من ذلك نجد أغلبهم  يحلمون  ان يحملهم بساط الريح الى عاصمة الضباب و بلد المستعمر  ،  و يتمنون أن يكونوا ناطقين ً بلغتهم ومتمكنين منها أكثر من اللغة العربية

نحنُ بحاجة لتصحيح الصورة الذهنية عن الاستقلال وطريقة  والاحتفاء به، والتي تنحصر الآن فقط  في الأناشيد  والأغاني الوطنية و الخطابات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع و  قصص بطولات الأشاوس   الذين قَدَّموا أرواحهم فداءً  في سبيل هذه السيادة الوطنية ، و ما هو معلوم بالضرورة بأننا  لم نضيف إلى ما تركه الإنجليز شيئاً بل قد يتحسر بعضنا على جلائهم  . فيجب أن يكون استقلالنا الحقيقي ليس بهذه الصورة التقليدية التي درجنا عليها حوالي الـ60 سنة ، و ولكن يكون ذلك بتصحيح وطنيتنا و تقويم مسارنا  ،  و توحيد طاقتنا وذلك بوحدتنا و كما يجب ان نتفق في ما اتفقنا عليه وان يعذر بعضنا البعض فيما إختلفنا فيه ، و لنجلي المستعمر الداخلي و هو من بني جلدتنا ولكنه يأتمر بأمر غيره ، و الذي سعي في تفرقتنا وخراب بيوتنا  ، و لنستفيد من طاقة شبابنا في بناء دولتنا  لانهم  هم من سيكتون بنيران المُستقبل المجهول إذا ما فرطوا في هذا البلد  ” السودان”

Exit mobile version