السودان : تفاصيل براءة “ثوار بري” من تهمة قتل شرطي “العمليات”

المحكمة يقول إن وجود المتهمين بالمظاهرات غير كاف ليقال بانهم إعتدوا علي المجني عليه

تقرير  : النورس نيوز
إرتسمت لوحة مختلجة بالفرح والدموع والمقالدة والسلام الحار أمس امام محكمة جنايات الخرطوم شمال بعد ان صدر حكماً بتبرئة ثلاث من ثوار بري من مقتل الشرطي شرف الدين باب الله رمياً بالحجارة خلال مظاهرات لتسليم مذكرة لمجلس الوزراء ، حيث غمرت احاسيس مختلفة ذوي المتهمين ودموعهم تسابقهم يصرخون فرحا هستيريا وبينهن نسوة يطلقن ذغاريد متتالية شق لها جنبات ردهات المحكمة ويقدمن الحلوي للجميع ، في المقابل تجمهرت مجموعة كبيرة من أصدقاء وذوي المبرأين من الاتهام وظلوا يرردون باصوات جهورة شعارات الثورة المجيدة (حرية سلام عدالة ) و(ثوار حنكمل المشوار ) فى منظر مهيب تقشعر له الأبدان .
فلاش باك ..
كان المشهد صباح أمس في الصالة المؤدية للقاعة الكبري مقر محاكمة المتهمين يملؤه (الترقب والحذر والصمت ) – لاسيما وأن عقارب الساعة قد إقتربت دورتها لتكون الحادية عشرة والنصف الموعد المحدد للنطق بالحكم ضد المتهمين ، حيث رصدت (الإنتباهة ) حضور ذوي المتهمين باكراً يصطفون على مقاعد الإنتظار بالمحكمة وبينهم كان يقف على حوائط قاعاتها ، وبعدها جاءت شرطة محكمة جنايات الخرطوم شمال على رأسهم رقيب اول حسن عيسي ، وشرعوا في اجراءات دخول المتهمين واحداً تلو الاخر الي قفص الاتهام ثم اعقب دخولهم ذوي المتهمين والاعلاميين وتم اجلاسهم في اماكنهم المخصصة مع الالتزام بالاشتراطات الصحية وارتداء الكمامة ، في المقابل كانت الشرطة تنتشر داخل قاعة المحكمة في وضع تاميني واحترازي ، وبعدها مرت الدقائق متانية حتي اكتملت عقارب الساعة لتشير الي الثانية عشرة منتصف النهار حينها اعتلي القاضي منصة المحكمة وقام بتسجيل حضور اسماء ممثل الاتهام عن الحق الخاص ويدعي المحامي احمد حسن المبارك ، في وقت رصدت فيه (الإنتباهة ) غياب ممثل الاتهام عن الحق العام من الحضور الي جلسة الامس المخصصة للنطق بالحكم ، في ذات السياق قامت المحكمة بتسجيل حضور اسماء ممثلو دفاع المتهمين ، حيث مثل بالمحكمة المحامي لازم جعفر برير ممثلا لدفاع المتهم الاول ، بينما مثل دفاع المتهمين الثاني والثالث بالتضامن المحاميان الشهيران د. رنا عبدالغفار عبدالرحيم / والي الدين محمد علي ، وحينها ظل قاضي المحكمة يسرد حيثيات الحكم حتي توصل الي براءة المتهمين الثلاث من تهمة قتل المجني عليه الشرطي شرف الدين باب الله ، حينها تعالت أصوات البكاء والنحيب من قبل ذوي المتهمين فرحاً لبراءة المتهمين ابناءهم ، وفي المقابل سجدت سيدة علي أرضية القاعة لثلاث مرات متتالية ودموعها تغالبها وتردد (الحمدلله) و(عدالة عدالة ) .
وقائع البلاغ
وعند مستهل انطلاق جلسة النطق بالحكم افاد القاضي بان وقائع البلاغ تتلخص فانه وبتاريخ 30/11/2019م تعرضت عربة دورية ماركة لاندكروزر التابعة لشرطة عمليات ام درمان لاعتداء حصبا بالحجارة من قبل متظاهرين حيث كان وقتها علي متن العربة المجني عليه شرف الدين باب الله ، ومعه شرطيون اخرين ، ولفتت المحكمة الي عربة الشرطة كانت في طريقها لايصال وجبة (الغداء) الي شرطيون يرتكزون بالقرب من مول الواحة التجاري وسط السوق العربي ، وابانت المحكمة الي انه واثناء سير عربة الدورية تم حصبها واصيب خلالها المجني عليه واسعف الي مستشفي الشرطة وقيد بلاغ بتسبيب الاذي الجسيم بقسم الشرطة من قبل نقيب شرطة الا انه وفي تاريخ اليوم الثاني من ديسمبر للعام 2019م توفي المجني عليه متاثراُ بجراحه وعدلت بموجب ذلك النيابة المختصة ورقة الاتهام بالبلاغ الي القتل العمد ومخالفة نص المادة (130) من القانون الجنائي وشرعت في اجراءات التحقيق والقبض علي عدد من المتهمين حيث تم شطب الاتهام في مواجهة العديد من المتهمين المقبوضين انذاك ووجهت النيابة التهمة بالقتل العمد لثلاث متهمين علي ذمة البلاغ واحالت الملف للمحكمة للفصل فيه وفي المقابل شرعت المحكمة سماع الدعوى الجنائية بتاريخ 10/8/2020م .
عناصر الاتهام
وقبيل وصول المحكمة للحكم في الدعوي الجنائي بتبرئة المتهمين الثلاث من الاتهام ، اشارت الي مناقشة عناصر الاتهام تحت نصوص القتل العمد من القانون الجنائي ووضعت تساؤلاً مباشراً بهل قام المتهمين الثلاث بالاشتراك الجنائي في الاعتداء وقتل المجني عليه شرف الدين باب الله ؟ واجابت بالنفي القاطع ، وعللت ذلك الي انه قدم اليها كمحكمة (9)

 

من مستندات الاتهام في القضية متمثلة في اورنيك جنائي للمجني عليه وتقرير تشريح الطبيب وشهادة وفاة وعينة دم تخص حجر بلوك خرصاني للمجني عليه ، اضافة الي مستند اتهام اخر عبارة عن خطاب صادر من مول الواحة التجاري يفيد بتعطل الكاميرات بالجهة التي وقع عليها الحادث ، فيما ابانت المحكمة في قرارها الي انه تم سماع ايضا كبينة اتهام لـ (3) متحريين شرطيون بينهما وكيل نيابة ، بالاضافة الي سماع (8) من شهود الاتهام بالمحكمة ، وافادت المحكمة في حيثيات قرارها الي انه وبالاجابة عن تساؤلها فان المتحري الاول ذكر للمحكمة بان شاهد الاتهام الاول لم يذكر له بانه شاهد المتهمين الثلاث وسط المتظاهرين يوم الحادثة ، بينما افاد المتحري الثاني بانه لم يثبت له من التحريات بان احد المتهمين اعتدي علي المجني عليه الشرطي شريف باب الله ،فيما ذهب المتحري الثالث بانه لم يذكر له شاهد الاتهام الاول بانه شاهد المتهم الاول يعتدي علي المجني عليه.
وشددت المحكمة في حيثيات القرار علي انه لم يثبت لديها من خلال مستندات الاتهام الـ(9) المقدمة من الاتهام ربطها بالمتهمين مباشرة خاصة مستند الاتهام الذي يشير حسب الافادة الي وجود الدماء علي الحجر الخرصاني تخص المجني عليه معروضات البلاغ ،حيث انه لم يثبت للمحكمة بان المتهمين قاموا باستخدامه للاعتداء علي المجني عليه .
اقوال الشهود

فيما تواصلت المحكمة في تلاواة حيثياتها للوصول للحكم العادل في القضية حيث اشارت الي انه وبحسب اقوال شاهد الاتهام الاول فانه افاد للمحكمة بانه لم يشاهد الشخص الذي اعتدي علي المجني عليه – وعلل ذلك الي ان المتظاهرين كانوا وقتها يفوقون (100- 200) شخص متظاهر ، بينما قال شاهد الاتهام الثاني بانه كان ضمن افراد الدورية المعتدي عليها ومن بينهم المجني عليه ، لافتا الي انه لم يشاهد المتهمين يعتدون علي المجني عليه ولايجزم بذلك ، في ذات السياق اوضحت المحكمة في سياق قرارها الي انه وبحسب اقوال شاهد الاتهام الثالث بانه شرطي واول شخص اصيب بالدورية ولايعرف الاشخاص الذين اعتدوا عليهم او المجني عليه لانه وقتها كان مغشياً عليه ، فيما ابانت المحكمة الي انه وبحسب اقوال شاهدة الاتهام الرابعة بانها وفي يوم الحادثة كانت تجلس بالقرب من مول الواحة التجاري بالخرطوم وحضر اليها المتهم الثالث وهو يصيح قائلاً لها (اخدنا حقنا ) وقال لها (دقينا عسكري بالطوب ) ، الا ان ذات الشاهدة اكدت للمحكمة بانها لم تري المتهمين يعتدون علي عربة الشرطة (الدورية ) ، في ذات الوقت نبهت المحكمة في حيثيات قرارها الي انه وبحسب شاهد الاتهام الخامس قد افاد في شهادته للمحكمة بان المتهم الثاني كان حاضراً مع المتظاهرين وكان من ضمن الذين قاموا بقفل الطريق ووضع (المتاريس) عليه – الا انه ورغم ذلك لم يشاهد المتهم الثاني والاخرين معه يعتدون علي المجني عليه ، فيما اوضحت ذات المحكمة بانه وبحسب شهادة الاتهام السادس شرطي امن المعلومات وافاد بانه كان متواجدا بمكان المتظاهرين يجمع المعلومات وشاهد حوالي (7- 8) متظاهراً يقومون بضرب الدورية وسمع وقتها بعض المتظاهرين يقولون هل نقوم برمي المجني عليه في النار ، واشارت المحكمة الي ان الشاهد افاد المحكمة بان احد الاشخاص قد ارشد الشرطة علي احد المتهمين ، في ذات الوقت نبهت المحكمة في قرارها الي ان شهادة شاهد الاتهام السابع بانه لم يشهد واقعة الاعتداء علي المجني عليه ،فيما قال شاهد الاتهام الثامن للمحكمة بانه لم يري من قام بالاعتداء علي المجني عليه الا انه شاهد المتهم الثاني يقوم بقفل الشارع يومها .

لم يؤكدوا الاعتداء

واشارت المحكمة في حيثيات قرارها الي ان شهود الاتهام الـ(8) لم يؤكدوا أن المتهمين الثلاث قاموا بالفعل بالاعتداء علي المجني عليه – فيما اكدت في ذات الوقت بان وجودهم في المظاهرات غير كاف لان يقال بانهم اعتدوا علي المجني عليه ،وشددت المحكمة علي ان ذلك يثير الشك خاصة في مواجهة احد المتهمين لاسيما وانه كان متمسكاً منذ التحريات معه بانه لم يكن متواجداً يوم المظاهرات ، وانما كان مرافقا لاحضار فرقة غناء شعبي لمنزلهم لاحياء حفل زواج ، وشددت المحكمة علي ان ما ذكره المتهم اكد عليه عدد من شهود الدفاع مثلوا بالمحكمة وافادوا بانهم شاهدوا المتهم بمنزلهم في الحفل .

تبرئة وسراح

وأصدرت المحكمة حكماً بتبرئة (3) من ثوار بري بينهما طالبين بمراحل دراسية مختلفة والثالث عامل بمطعم من تهمة قتل شرطى العمليات شرف الدين باب الله رمياً بالحجارة ، أبان إندلاع مظاهرات بالقرب من مول الواحة التجارى وسط العاصمة الخرطوم لتسليم مذكرة إحتجاجية لمجلس الوزراء فى العام 2019م .

وأمر القاضي المشرف علي محكمة جنايات الخرطوم شمال أسامة حسن ، بإطلاق سراح المتهمين الثلاث فوراً مالم يكونوا مطلوبين في بلاغ أخر .
وأرجعت المحكمة تبرئتها للمتهمين الثلاث لفشل وعجز الاتهام في إثبات عنصر الركن المادي الذي يفيد بان المتهمين قاموا بالفعل بالاعتداء علي المجني عليه وقت المظاهرات ، اضافة الي عدم توفر ووجود اي بينات ظرفية تفيد بارتكاب المتهمين للجريمة – وبالتالي فان الاتهام فشل في اثبات ذلك في ظل وجود عدد كبير من المتظاهرين يترواحون بين الـ(100 الي 200) متظاهراً .
اوصاف مخالفة للمتهمين
في ذات السياق نبهت المحكمة في قرارها الي ان شاهدة الاتهام الرابعة لم تؤكد ايضاً واقعة اعتداء المتهم الثالث للمجني عليه ، وبالتالي فان افادتها غير كافية بان المتهم الثالث كان من ضمن المتظاهرين المعتدين علي المجني عليه ، اضافة الي ان عدد من شهود الاتهام لم يجزموا بذلك،واشارت المحكمة في حيثيات القرار الي انه لاتوجد اي بينة مباشرة تشير الي أن المتهمين الثلاث قاموا بالإعتداء علي المجني عليه– إضافة الى أن شهود الاتهام بيومية التحري لم يؤكدوا ذلك بل جاء بعهضم باوصاف للمتهمين بخلاف اوصافهم حيث افاد احد الشهود باليومية بان المعتدي (لونه فاتح وشعره طويل ) ، وشددت المحكمة علي ان هذه الاوصاف لاتنطبق اي منها علي المتهمين الثلاث – وعزت ذلك الي ان المتهمين الثلاث لون بشرتهم داكنة مائلة للسواد .
اجراءات شابها القصور
في خواتيم سرد المحكمة لحيثيات قرارها تسائلت قائلة لماذا لم تقوم السلطات المختصة باجراء طابور شخصية للمتهمين وبالتالي فان اجراءات البلاغ شابها القصور لاسيما وان حدوث الواقعة كان في مطلع ديسمبر للعام 2019م وشرع في التحقيق مع المتهمين في 22/3/2020م ورغم ذلك لم يتم اجراء طابور الشخصية للمتهمين – لاسيما وان شهود الاتهام بيومية التحري قاموا بتحديد وصف المعتدين .
المصدر – صحيفة الانتباهة
Exit mobile version