همس الحروف _ لا تيقظوا مارد الشعب _ الباقر عبد القيوم علي

لعل مشكلة هذا الشعب المعلم، تنحصر في التهميش الممنهج والاستخفاف لدرجة تكاد تعدم وجوده أمام الساسة، الذين يمثلون الدولة على الصعيدين السيادي والتنفيذي، والشعب يعلم بما يحاك له تماماً، والساسة يعلمون أن الشعب يعلم أكثر من ذلك بما يقومون به من تغبيش له في الخفاء، ولكنه على ثقة تامة أن الدولة بالرغم من ذلك تتجاهل وجوده لدجة الإهمال التام الذي يقود إلى تحقير المواطن الذي بات من عدم الأهمية بمكان حتى إن الحكومة بمختلف أجهزتها ما عادت تبذل أي جهد يُذكر في حبك قصصها التي ترويها للشعب أو ضبط تبريراتها التي لا تقنع أطفاله الصغار، أو إحكام الشواهد والأدلة التي يتضح جلياً فبركتها بإهمال شديد ولا يحسبون أدنى حساب لذكاء المتلقي من أفراد هذا الشعب، و ما عاد يهمهم إذا كانت هذه القصص منطقية أو غير منطقية أو هي قابلة لتصديق الكذب الواضح الذي يتم بفقاعة وبياض عين سمج دون أدنى حياء أو اكتراث لذلك.

نجد أن أحد أسوأ الأساليب التي يمكن أن تمارسها أي حكومة أو حتى إدارة حكومية صغيرة هي الاستخفاف بعقل الشارع السوداني صاحب المواقف المشهودة له في العالم أجمع، والاستهانة بفهمه المتقدم من قبل الذين لا يحسنون التقييم الصحيح الذي ينطوي عن عدم احترامه ومعاملته التي تتم بسذاجة وطفولية غير مسبوقة، والأخطر من ذلك أنهم لا يريدون أن يلقوا بالاً للسخط الشعبي الذي يمكن أن يحدث في مثل هذه الظروف، ومن المتوقع ان يقودنا الى انفجار قد يرجعنا إلى المربع الاول، من جراء ما يولده هذا السلوك غير المبرر وخصوصاً إذا كان من يقوم بذلك رجل له مكانةً في قلوب الشعب، ولقد كنت وعلى حسب سير العملية السياسية ذات التعقيد البالغ أتوقع حدوث أي شيء في السودان، إلا أنني لم أجد أي مكان في عقلي يمكن به أن استوعب ذلك التبرير السمج الذي تقدم به سعادة دولة رئيس الوزراء في أمر قضية اكتظاظ السيارات في صفوف البنزين أمام الطلمبات، مؤكداً أن البنزين متوفر للغاية، ولكن ذلك اللكتظاظ يرجع إلى سوء إدارة عملية التوزيع، وهذا ما يثير السخرية التي تظل ألفاظها وأقوالها ملتصقة بذاكرة الشعب والزمن، لكأنه محلل سياسي يريد أن يقرأ للشعب من واقع التحليل أسباب أزمة عبارة وليس مستفحلة، أو قد تكون مفتعلة، ولكن كيف يكون تقييم ذلك إذا كان هذا الكلام صادراً من الموظف الأول في الدولة الذي من أبسط واجباته هو حسم الأمور التي يكون تعقيداتها أكبر من ذلك بكثير.

تعتبر الظروف الحالية تحدّياً قوياً لحكومة الفترة الانتقالية وخصوصاً بعد توسع قاعدة المشاركة بدخول حاضنة سياسية جديدة غير متناسقة البرامج ومتشاكسة مع الحاضنة القديمة التي لم تحقق أي نجاح في كل الأصعدة التي أوكلت إليها وفشلت في إدارة جميع الملفات وخصوصاً الاقتصادي والأمني، لأنها كانت تنقصها الرؤية الواضحة والبرامج ذات الأهداف المحدده، والثوابت التي كان من المفترض عدم التنازل عنها مهما كلف ذلك ، وكما لم يكن منذ بداية تشكيل هذه الحكومة أي رابط يجمع ألوان طيفهم على قلب رجل واحد، ونجدها قد بدأت في آخر أيامها وقبل دخول شريكها الجديد في التشظي والانقسامات ودخولها في تضارب التصريحات وإظهار العنتريات مع إبراز العضلات ضد نفسها والسعي في إحباط الشريك الآخر، وطبعاً هذه هي سمة تشكل طبيعة معظم السودانيين الذين قل أن يتفقوا في أمر قومي واحد يمكن أن تجتمع عليه الأمة، وكان من الممكن أخذ العظة والعبرة في التمرين الجيد الذي شكل نجاحاً باهراً منقطع النظير في وحدة صف الشعب في بداية الثورة التي أسقطت أعتى الأنظمة وهي (نظام الإنقاذ).

لقد بات أمر الاختلاف والخلاف يخيم على مكونات الحكومة بصورة أصبحت ملفتة للنظر وظاهرة خطيرة تهدد (الثورة)، فليس هنالك أدنى اتفاق بين بعض أعضاء السيادي داخل مجلسهم من جهة، وما بين السيادي والوزراء من جهة أخرى، كاشفة بذلك عورة الحكومة والتي لم تسع في أمر ستر نفسها بنفسها، ولهذا نجد أن حرب البيانات قد اشتعلت بين جميع المكونات عند إعلان تكوين مجلس الشركاء الذي لم يخالف الوثيقة الدستورية بنص المادة 80 ، وهذه الخلافات لن تمر مرور الكرام على الشعب، لأن ذلك سوف يضاف إلى جملة الإخفاقات التي تتعمد الحكومة في افتعالها منذ لنطلاقتها وإلى يومنا هذا والتي سوف تحدث شرخاً عظيماً سيسوق إلى إحباط شباب الثورة الذين ضحوا بحياتهم، ليس من أجل تغيير اسم الرئيس فقط، وإنما من أجل تغيير الواقع المرير الذي بدأت مراراته تزيد زيادة مضطردة يوماً بعد يوم، ليخرج لنا مرة أخرى سعادة دولة رئيس الوزراء الذي قام بإحداث ثورة شعواء لا أجد لها ما يبررها ضد تشكيل مجلس الشركاء، ليكشف للشعب الحصيف أنه ليس هنالك أي تناغم بين الشريكين المدني والعسكري كما يدعي ذلك في كل لقاء له، وليس لقاء سعادة الفريق أول البرهان بنتنياهو ببعيد في نفس قصة التضارب في التصريحات التي انكشفت خباياها في ما بعد التطبيع، وكذلك لم يكن أمر الخلاف لسبب جوهري وكان من الممكن معالجته داخلياً بدون هذه الجلبة التي كشفت ضعف الروابط داخل مؤسسات الدولة، في الآخر هو مجلس سياسي استشاري وليس تنفيذياً، فلماذا هذه التقاطعات وحرب التصريحات والبيانات التي يمكن أن تعصف بالجمل بما حمل، وعلى ما يبدو جلياً للشعب أن الأمر تم رفضه من قبل السيد رئيس الوزراء فقط لأن الصفة التي يمثلها فيه قد لا تليق بحجمه، ويجب أن يعلم أن العبرة ليست في المسميات، ونحن نعلم أنه في السابق قد تنازل طوعاً عن رئاسة اللجنة الاقتصادية لسعادة الفريق اول محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة، فالعبرة في الإنجازات وكريم التنازلات يا سعادة حمدوك . فلماذا هذه الفقاعة الهلامية التي أحدثتها باعتراضك؟ فهل كل هذا كان ناجماً من أجل خوفك من توسُّع اختصاصات المجلس فقط؟ .. فيا رجال الدولة استهدوا بالله، فالشعب ينتظركم وهو يمضغ علقم الصبر حتى يرى منكم إنجازاً ينسب إليكم، فلا تجعلوه يعض على أنامله أسفاً على زوال حكومة الإنقاذ ، وللشعب كلمة فأرجو ألا تيقظوا مارده الذي ما زال في ثبات عظيم.
والله من وراء القصد،،،
.

Exit mobile version