المعتقلون السياسيون بين مطرقة الانتقام وسندان حقوق الإنسان

السودان

الخرطوم: طارق عبد الله

تطورات كبيرة يشهدها ملف المعتقلين السياسيين من عناصر النظام السابق، الذين أُوقفوا على ذمة قضايا مختلفة، بعضها تحت طائلة قانون إزالة التمكين الذي قاد للقبض وملاحقة الكثيرين ممن كانت لهم علاقة مع نظام البشير من خلال أعمال تجارية أو شراكات خاصة؛ بيد أن ملف اعتقالهم وجد انتقادات واسعة من قبل القانونيين والسياسيين، باعتبار أن الموقوفين قضوا عاماً ونيف دون أن يُطلق سراحهم أو يُقدموا لمحاكمات، بجانب الشكوى من معاملة سيئة يتعرضون لها، سيما بعد وفاة الشريف أحمد عمر بدر، لتأتي الطامة الثانية بوفاة شقيق الرئيس السابق عبد الله البشير متاثراً بجائحة كورونا؛ بعد عدة أشهر قضاها تحت وطأة المرض، الذي قرر فيه الأطباء العلاج خارج السودان؛ بيد أن سلطات التحقيق تماطلت في تنفيذ قرار الأطباء لحين وفاته ليفتح الباب واسعاً أمام القانونيين للإجابة على السؤال المهم.. هل يتمتع المعتقلون السياسيون بحقوقهم الدستورية؟

 

احتجاجات لاسر المعتقلين

وقفت أسر المعتقلين السياسيين من عناصر النظام السابق عدة مرات أمام بناية النائب العام بشمال الخرطوم، في وقفات احتجاجية تندد بالمعاملة السيئة لذويهم، وطالبت بتقديمهم لمحاكمات أو إطلاق سراحهم، بجانب ذلك كشفت مصادر صحفية عن أمراض يعاني منها المعتقلون داخل السجون التي لا تتوفر فيها الرعاية الطبية التي تتناسب مع الأمراض التي يعانون منها، خاصةً في فترة انتشار جائحة كورونا، التي أعلنت سُلطات التحقيق بنفسها إصابة بعضهم بالجائحة ونقلهم الى مستشفيات خاصة للعلاج، فكان حديث نجل المرحوم عبد الله البشير في فيديو متداول واضحاً بأن لديهم قرار طبي بنقل والدهم للعلاج بالمملكة العربية السعودية، ولكن السلطات رفضت ذلك القرار وأبقته لحين وفاته.. إزاء ذلك الوضع يتساءل الكثير من القانونيين حول الاتهامات التي يواجهها بعضهم، تتطلب بقاؤهم داخل السجن لفترة تجاوزت العام دون أن تُتخذ في مواجهتهم إجراءات جنائية يقدمون حيالها الى المحاكم، لذا يرى محامو المعتقلين السياسيين من عناصر النظام البائد أن موكليهم لا يجدون حقوقهم الدستورية، واعتبروا اعتقالهم عملية انتقامية من النائب العام.

موقف العدالة

يقول يونس حامد عضو سابق بقسم التحقيقات الفيدرالية؛ إن هناك فرقاً بين الاعتقال السياسي والتوقيف الجنائي، موضحاً أن التوقيف يتم عبر النيابة بعد فتح بلاغات جنائية تحقق فيها الشرطة، وان هناك ضوابط تحكم بقاء المتهم داخل الحراسات تصل الى ستة أشهر بتجديد من القاضي المقيم، بعدها يجب أن يقدم للمحاكمة أو أن يتم إطلاق سراحه بالضمانة اذا كان الجرم لا تصل عقوبته الإعدام، وأن طيلة بقائه في الحراسة لديه حقوق ومرور من وكيل النيابة للتاكد من سلامته، وان قانون الحراسات يحدد أكله وشربه بصورة تتسق مع حقوق الانسان، وقال إن العدالة تبدأ من هذه النقطة التي يبدو الاتهام والتحقيقات والحقوق واضحة، موضحاً أن التعامل مع المعتقلين بنص قانون الامن الوطني ايضاً تحدده ضوابط لا تبتعد كثيراً عن إجراءات النيابة، وعزا ذلك بان كليهما محكومان بقوانين مجازة تراعي المواثيق الدولية، واضاف حامد أن المشكلة ليست في القوانين ولكن في طريقة التنفيذ التي لا تخلو من تجاوزات قد تنتهك تلك الحقوق بصورة تُخالف القوانين الدولية والمحلية، وتلك التجاوزات تأتي نتيجة ضعف المراقبة ومتابعة تمتع المعتقل أو الموقوف بحقوقه التي ينص عليها القانون والدستور والمواثيق، وفي حالة الانتهاك فإن الجهة المسؤولة هي المحكمة الدستورية التي يقدم أمامها الطعون.

 

قوانين تحكم الاعتقال

المحامي إسماعيل حامد رحمة يقول لـ(النورس نيوز)، إن حقوق المعتقل بصفة عامة مقدسة ومنصوص عليها في المواثيق الدولية والقوانين الوطنية، فقد أشارت المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن لكل فرد  الحق في الحياة والحرية وسلامته الشخصية، وتلك السلامة تعني عدم الاعتداء عليه بأي نوع من الاعتداءات بما فيها الحرمان من حقوقه القانونية والمعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر من الأمم المتحدة ينص في المادة (9) لكل فرد حق الحرية والأمان ولا يجوز توقيفه أو اعتقاله تعسفياً إلا بأسباب، وذات القانون منح كل فرد حق ممارسة حقوقه سواء كاتت حقوقاً سياسية أو فكرية أو دينية او غيرها، ولا يجوز مضايقته، وأيضاً في الميثاق العربي لحقوق الإنسان نصت المادة (8) على حظر تعذيب أي معتقل نفسياً أو بدنياً، واعطى القانون الفرد حق ممارسة العمل السياسي والاجتماعي، وكذا الميثاق الأفريقي لحقوق الشعوب الذي أفرد (13) مادة تتحدث عن حقوق الإنسان وعدم اعتقال أي فرد إلا بنص قانوني، بل أعطى القانون الفرد حق المشاركة في إدارة شؤون البلاد.

وقال رحمة، إن القانون السوداني سمح بالاعتقال خارج القانون ولكن بنص قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني وهو قانون خاص، ولكن ذات القانون أجاز الاعتقال التعسفي في الظروف التي تهدد السلامة العامة، وحدد فترة الاعتقال بـ(6) أشهر حال أثبتت التحريات وجود مخالفة جنائية يفتح في مواجهته بلاغ جنائي وله حق الضمانة اذا لم تكن الجريمة تصل عقوبتها الإعدام، وسلطات جهاز الامن منصوصا عليها في المةاد (25 و50) وتحدد الاعتقال لمدة شهر لأغراض التحري وتمدد لـ(5) اشهر بواسطة المدير العام، ولكن المادة (51) تحفظ له حقوقه التي من المفترض أن يتمتع بها ومنها عدم إيذائه ورعايته الطبية والسماح له بمقابلة أسرته ومحاميه، بصفة عامة اعتقال السياسيين يحدد إطاره قوانين ومواثيق دولية.

Exit mobile version