الأخبار الرئيسيةتقارير

بين الفضيحة والمال.. ضحايا في مرمى عصابات الابتزاز!

السودان

الخرطوم: طارق عبد الله

حالة نفسية سيئة، تعرّض لها ذلك المهندس نتيجة الابتزاز من قِبل مجموعة تدّعي الانتماء للأجهزة الأمنية ضبطته في اتّهام بممارسة الأعمال الفاضحة مع صبي كان يركب معه داخل السيارة.

وكانت الصدمة عنيفة للرجل، عندما اعترف الصبي بتلك المُمارسات، لتنتهي حجته وإنكاره أنه لا يعرف الصبي وقد صادفه بالشارع عندما أشار إليه أن يُوصِّله في طريقه فتوقف ليرافقه المشوار، كان اعتراف الصبي (القصبة) التي قصمت ظهر الرجل، لتبدأ مساومته بين الفضيحة والرشوة، فاختار الستر حرصاً على سُمعته، فدفع ملايين الجنيهات مقابل إخلاء سبيله؛ ولكن الابتزاز لم يتوقّف، فاستمرت بعض عناصر المجموعة تتردد عليه بشركته وتُذكِّره بالحادثة ليواصل مسلسل الابتزاز! فأسرّ لأحد أصدقائه بذلك السر، فاستعان الصديق برجال المباحث الذين نصبوا كميناً قاد للقبض على المجموعة؛ واكتشفوا أن المتهمين لا علاقة لهم بالقوات الأمنية وبعضهم من الذين تم فصلهم من القوات النظامية، وأن الصبي نفسه أحد عناصر تلك المجموعة ومُهمّته ذلك الاعتراف الخطير لتسقط الفريسة!

تلك واحدة من أعمال عصابات انتحال الشخصية التي تستخدمها في الإيقاع بضحيتها ومُمارسة الابتزاز! وتضاعفت تلك الممارسات في الآونة الأخيرة نتيجة الهشاشة الأمنية والتطور في ارتفاع الجريمة.. فقد أوقفت شُعبة عمليات الخرطوم الفيدرالية التابعة للإدارة العامة للمباحث المركزية، عصابة للنهب والابتزاز والسرقات المُتكرِّرة تحت تهديد السلاح وكان أفرادها يلبسون زيّاً رسمياً، ويستخدمون السلاح في تنفيذ عملياتهم الإرهابية من نهب وابتزاز للمُواطنين، ويقومون بذلك في مناطق مُتفرِّقة بالعاصمة، وكانوا يستأجرون سيارات فخمة تم ضبط (11) سيارة موديلات مُختلفة يقومون باستئجارها من ولاية الجزيرة لتنفيذ عملياتهم بالعاصمة ويعودون في أوقات متأخرة من الليل مُستغلين هوياتهم العسكرية المُزوّرة، الأمر الذي جعل من الصعوبة اكتشافهم! وألقي القبض على (9) متهمين لديهم ثلاثة مسدسات وبندقية كلاشنكوف ونفذت المجموعة (11) عملية استولوا منها على أموال طائلة!
يونس حامد عضو سابق بالمباحث الاتحادية يكشف الظروف التي تظهر فيها مثل هذه العصابات، وقال لـ(النورس نيوز)، إن تلك العصابات التي تعمل تحت غطاء الانتماء للشرطة موجودة وتقوم بعمليات قد لا تكون مؤثرة في حالة السيطرة على الوضع الأمني، ويكون العكس في حالة الانفلات وتعدُّد الأجهزة الأمنية العاملة في مجال مكافحة الجريمة؛ مُشيراً إلى أن الراهن الحالي مناخ خصب لظهور عصابات الابتزاز، ومنها الهشاشة الأمنية وإطلاق سراح العديد من عناصر تلك العصابات من السجون ضمن العفو عن المحكومين في قضايا عامة! ونبّه إلى أن ذلك العفو قد أثّر كثيراً في الوضع الأمني بالإفراج عن تلك العصابات في زمنٍ واحدٍ وفي توقيتٍ غير مُلائمٍ، كانت فيه البلاد مغلقة بسبب جائحة كورونا، موضحاً أن تلك العصابات لا تتهاون في استخدام العنف ضد ضحاياها وتستخدم الفتيات للإيقاع بضحاياهم وتلفيق اتهامات تجعل خيار الرشوة الأفضل من الوصول للشرطة! وقال حامد إن التخوُّف من الوصول للشرطة خطأ كبير، مشيراً إلى أن القانون قادر على التفريغ بين الجريمة (المدبلجة) والحقيقية وفي كليهما ليس هناك خوف من الوصول للشرطة، وأنها تستخدم فقه السترة أيضاً، وله تقديراتها الجيدة، وقال إن تفادي السقوط في يد تلك المجموعة الإجرامية يحتاج لتوعية (الاحتياط واجب)!
ترى الباحثة الاجتماعية نجاة علي يوسف، أن السياسة التي انتهجتها الدولة بالتوسع في التدريب العسكري وأداء الخدمة الوطنية للطلاب منذ المرحلة الثانوية كان له أثر في أن يتعرف أولئك الشباب على العمل العسكري ويمارسونه في طور مهم من حياتهم هو طور المراهقة وهي حقبة حساسة من العمر تنمو فيها رجولة الشاب، وعندما يجد في يده السلطة، فإنه يعتاد عليها.. فهناك الذين يواصلون عملهم في المجال العسكري وآخرون تنتهي خدمتهم فيخرجوا للمجتمع مصابين بداء (حب السلطة) ولا يجدونها بصورة رسمية فيحصلون عليها بطرق ملتوية وتكون لغرضٍ مُعيّنٍ يصل بالمريض للشخصية التي يريدها، وغالباً ما يكون الغرض المرجو من وراء ذلك مُضاداً للمجتمع ولا يستطيع منتحل الشخصية الوصول إليه بطريقة مباشرة، واعتبرت أن انتحال الشخصية حيلة دفاعية لمرض اسمه «تعدُّد الشخصية» وهو نوعٌ من الاضطرابات النفسية تتناوب فيه شخصيات عدة وقد تصل مجموع تلك الشخصيات إلى (19) واعتبرته نوعاً نادراً من الاضطرابات النفسية، وعزته بأنه محاولة أفعال كان يقوم بها إبان عمله الرسمي إذا رجع الناس لخدمة المقبوض عليهم سيجدونه قد فُصل لسُوء السُّلُوك.

ختم مصدرٌ بالشرطة القول بأن عصابات انتحال الشخصية لديها تحركات يومية داخل وخارج ولاية الخرطوم، ولها تشكيلات معروفة لمكاتب المباحث تستخدم طرقاً مختلفة للإيقاع بضحاياها، فمنهم من ينفذ مداهمات بالزي الرسمي، ومنهم من يُمارس الابتزاز الناعم، وأولئك أقلّ خُطُورة من المجموعة الأولى التي تميل للعُنف وقد ترتكب جرائم أكثر خُطُورة من جريمة الابتزاز كالقتل والنهب، مشيراً إلى أن الشرطة الأمنية لديها إدارة مختصة في مُلاحقة عصابات انتحال الشخصية باعتبارها تسيئ للأجهزة النظامية وتقوم بأعمال مخالفة للقانون باسم الشرطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *