آراء و مقالات

اما قبل – التغييرات القادمة ومصير حمدوك _ الصادق الرزيقي

السودان

على نحو حثيث ، تجري الان مشاورات داخلية و خارجية ، لإطلاق عملية إعادة و فك وتركيب سلطة الفترة الانتقالية الحالية في طورها الجديد ، و إنتاج نسخة معدلة من السلطة الحاكمة على نسق مختلف ، تضم مكوناتها قدامي وقادمين للمجلس السيادي ومجلس الوزراء وبقية مؤسسات الحكم ، لتتغير بموجبها المعادلة السياسية ، و ينتج عنها كسوف وخسوف كثيفين يحتويان ويبتلعان بعض القوى السياسية التي كانت فاعلة ونشطة خلال الفترة الماضية ، و قد تنهض من مرقدها بعض الكيانات الحزبية والتنظيمات الجهوية التي كانت تنتظر دورها بعد أن تجاوزتها محاصصات الحرية والتغيير ، و يبدو حتى هذه اللحظة حسب تقارير دبلوماسية لصيقة الصلة بما يجري في ممرات وغرف صناعة السياسة السودانية أن مصير و وضع الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء لا يزال غامضاً ، فعوامل داخلية و تأثيرات خارجية لا تعضد مجرد فكرة وجوده لقيادة مجلس الوزراء خلال الفترة المقبلة ، لما صاحب أداءه من فشل وضعف ، وقلة تجربته في كيفية ادارة مؤسسات الحكم ، أو إنجاز القليل مما يمكن انجازه ، وخفوت أضأل الامال وأخيب الرجاءات في تحقيق تقدم يذكر في مسار حكومة إنفردت بالسلطة وظلت تقف على قدمين من طين ، كما وصف جهات دوائر أوروبية رئيس الوزراء البريطاني الأشهر ونستون تشرشل في السنتين الأخيرتين من الحرب العالمية الثانية بأنه( ربما يكون بطل و لكن بقدمين من طين ) ….!

لا يختلف إثنان أن تصميم الفترة المقبلة و تركيبتها الحاكمة ليست قراراً حصرياً داخل الخرطوم ، فإرتهان القرار السياسي للخارج ، جعل قوى خليجية وعربية وأخرى غربية تتدخل بشكل سافر في تحديد شكل ومسارات الحكم بالبلاد ، رفضاً لهذا و تأييداً لذاك ، فمع تقاطع مصالح دول و دوائر أجنبية تنتظر سداد فواتير لازمة ، فإن السيد حمدوك مهما تمسح بجلباب المكون العسكري و طأطأ رأسه أمامهم لا يحظى بتأييد قوى تسنده حالياً عاصمة خليجية والغة في الشأن السوداني تريده بكل ضعف أدائه ليكون مطية سهلة لحلفاء الداخل من ذوي الشوكة ، و تحاول هذه العاصمة تسويق ذلك في الجوار السوداني و خاصة العربي و لدي بعض الأوروبيين المعترضين على أداء الرجل في ما تعتقد لندن  أنه الخيار الأفضل لها حالياً ، اما واشنطون فلن يستبين موقفها الا بعد انتقال السلطة للرئيس الجديد .
وتبدي أطراف جوار عربية قريبة من نبض الأحداث تحفظات واضحة على الرجل وحكومته في الفترة السابقة ولا تبد أي حماس يذكر لها بالرغم من إستماعها لأصوات خليجية قريبة من أذنها وقلبها ، تحال إقناعها أن الحفاظ على حمدوك في الفترة القادمة فيه إشارة لرمزية ( الثورة ) ولروح الشارع التي تكاد تزهق ،دون ان تدري هذه الاطراف أن الشارع وفاعليته قد أجهزت عليه حكومة السيد حمدوك نفسها ببؤس الأداء وخيبات المسعى .
يتبع موضوع رئيس الوزراء ويرتبط به ، البديل المقترح و المطلوب من عدة جهات و يكون مقبولاً في الداخل والخارج ، فهل سيكون إختيار رئيس الوزراء من داخل (قحت ) دون الإعتبار لشركاء الحكم الاخرين ؟ أم تغلب الارادات الأخرى وتتوافق مع ما تبقى من الحرية والتغيير على الحد الأدنى متمثلاً في ( الجن المعروف ) ..؟! فحتى اللحظة لا تستطيع قوى الحرية والتغيير في صيغتها القديمة الاستمساك بحمدوك إلا اذا تمت تسوية داخلية حافظت على التوازنات داخل هذا التحالف المهتريء ، بحيث يضمن حمدوك لكل تنظيم سياسي في قحت نصيبة ضمن أنصبة السلطة مقابل البقاء ، ولا يستطيعن أحد القطع جازماً بإتفاق ( قحت ) ومكوناتها على رئيس الوزراء الحالي وإعتباره القاسم المشترك بينها ، فضلاً عن كونه يمثل شارعها المتبدد .
بالطبع لن يكون هناك جديداً يضاف إذا تم التجديد للسيد حمدوك ، فليس لدى الرجل ما يقدمه بعد أن كشفت التجربة الماضية ما لديه من عزيمة خائرة و خلو وفاضه من خطط للاصلاح الاقتصادي والسياسي و تدني كفاءة حكومته في إدارة شؤون الحكم ، فمثالب مجلس الوزراء خصمت من رصيده و تهاوت به الي درك سحيق يجعله يتحمل وزر كل الازمات الراهنة، ايضا قد لا يكون هناك من بين قيادات ( قحت ) من تحثه الرغبة في إستنساخ قلة الحيلة ،و بطء ضعف الاداء ، وخواء الفكرة ، و ضمور التجربة التنفيذية ، وغياب الارادة السياسية الفاعلة ، والفقر المدقع من سمات القيادة . يترافق مع ذلك كله حقيقة تبدو واضحة أنه في حال تم تعيين نائب لرئيس الوزراء من الجبهة الثورية ولو كان د. جبريل إبراهيم ، فلن يفيد ذلك السيد حمدوك للأسباب السالفة ، فلا توجد لدي شركاء الحكم برامج واضحة تعالج الاوضاع الاقتصادية أو تصورات للتنمية السياسية و تطبيق الشعارات التي نادي بها الشارع في أوار و أوج فورانه .
ما بات واضحاً هو حدوث تحولات و تغييرات ستطال أجهزة الحكم الاتحادية و الولايات ، مع نشوء تحالف جديد يمثل (القن )السياسي للحكومة ، فمع الطيف الاعرض قليلاً من التحالف السابق ، الا ان التوقعات لن تكون بأفضل مما سبق اذا لم تتغير قواعد اللعبة السياسية ويحتكم الجميع لدولة القانون ويعاد العمل وفق النظم واللوائح في الخدمة العامة ويتم حل اللجان اللقيطة البلهاء مثل لجنة ازالة التمكين سيئة السمعة ، و أن تعود للقضاء هيبته و ادواره ، وتتولي كفاءات حقيقة ادارة وتسيير دولاب الدولة . فإن البلد ستتنكب الطريق وتكبو كبوة ستكون هي طامتها الكبري .
والراجح ان مركز القرار الذي مال إلي المكون العسكري وحلفاءه الجدد ، سيكون في أزمة حقيقية اذا اصر علي تكرار نفس الاخطاء و أبقي علي الحال كما هو في رئاسة الوزراء و الحكومة وارتضي بالحاق القادمين الجدد ، فالاخفاق في احداث تغيير جذري وملء شراع الحكومة برياح قوية جديدة سيعيد البلاد الي التكرار الدائري لأوضاعها الحالية وتكون لا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت …!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *