اما قبل- الصادق الرزيقي- وأقتربنا من حافة الضياع..!!

السودان

تبدو الصورة أكثر وضوحاً لمِا ستكون عليه الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية بالبلاد عقب اندماج الجبهة الثورة؛ والحركات المتمردة التي حملت السلاح و اندغامها في التركيبة السياسية الحاكمة مع الشروع في تنفيذ اتفاقيات جوبا للسلام؛ وغير ذي بال التوقف عند نقاط بعينها ، مؤداها أن التحولات التي تجري الآن وستجرف معها لا محالة حيطان و أعمدة قوى الحرية والتغيير و تحولها من حاضنة سياسية كانت تحتكر الحكم مع المكون العسكري، إلى مجرد رافد بلا شوكة من روافد الفترة الانتقالية ، فالأمر أكبر من ذلك؛ فما يجري يجب قراءته بعين فاحصة والنظر لما وراءه ، فهل مشروع السلام الجاري تنفيذه هو لضمان أمن وسلامة البلاد ، أم هو مشروع يترافق مع مسارات أخرى ستحول السودان إلى أرخبيل سياسي وجهوي ومناطقي و ربما شظايا يصُعب بعد حين أن ينظمها ناظم.

ويتبدى لكل ذي بصيرة ، أن لا أحد يمتلك رؤية سياسية وإستراتيجية وطنية مكتملة لإعادة بناء وترميم الدولة وصدوعها الراهنة ، بل ستكون المحصلة النهائية اشد وطأة ، فالإتفاقيات التي أبرمت من الحركات المسلحة او الجبهة الثورية هي استنساخ مخل ومبتسر ومرتبك من اتفاقية نيفاشا 2005م واتفاقية ابوجا 2006م وجزء من ثيقة الدوحة 2012 ، و ستقود الاتفاقيات الراهن إلى ما أكثر تمزيقاً للبلاد من اتفاقية نيفاشا ، ويبدو ان الإرادة الوطنية لم تكن حاضرة البتة عندما قدمت دوائر غربية ومراكز متخصصة عبر الوساطة الجنوبية تصميمات للاتفاقيات على ذات النهج النيفاشي السابق ، فقد إلتقم و إلتهم المفاوض الحكومي و أزدرد مفاضو الحركات ما قدم اليهم على طبق لامع و أنتفج بطن الوطن بزيف لايبقى ولا يُذر ، و دون الجميع الاتفاقيات دون تفصيل كثير هنا لمن اراد الاستزادة من القراءة والتدقيق والتمحيص والمقاربات والتحليل.
مع ذلك هو الاهم في هذه اللحظة هل يتوفر الجميع على توافق ضامن لبقاء الدولة السودانية متماسكة وصلدة ؟ ام ان الكل يمضي معصوب الاعين إلى المآل الحتمي و الواقعة التي ستقع لا محالة ..!.

فوسط الضجيج المتعالي اليوم وما جره هذا المشروع من توابع انعكست على المجتمع تقطيعاً وتمزيقاً و أشاعت روحاً عنصرية وجهوية مقيتة ، ستكون الدولة ومؤسساتها القائمة اكثر عرضة للانهيار وفق نصوص الاتفاقية نفسها التي تعطي الحق لازاحة النظم الضابطة والتقاليد العريقة للمؤسسات النظامية المعرضة لزلازل مدمرة تحت دعاوي باطلة فرضت على قيادة هذه المؤسسات وأذعت له ، بجانب الخدمة المدنية التي تقف على شفا جرف هار؛
بما يعتري هياكل الدولة واجهزتها وبنيتها ، فإن المجتمع السوداني نفسه ظهرت عليه عوارض الانقاسامات وارتفعت درجة حرارة الحمى القبلية وعلت اصوات التجزئة والتبعيض والتقسيم ، وانتفشت روح العصبيات والولاءات الدُنيا ويا للعجب دائما ما تكون التحولات الاجتماعية ابطأ من التغييرات والانتقالات السياسية ، وما نشهده الآن يخالف الكثير من القواعد المعروفة في علم الاجتماع وعلم الاجتماع السياسي ، فالمجتمع اليوم تتنامى فيه الدعوات القبلية والعنصرية وتنحدر به إلى القاع قبل ان تبدأ السياسة سقوطها الاخير هي الأخرى في الدرك الأسفل.

ولا يتصورن أحد ، أن مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني والهرولة الدنيئة نحوه امر منفصل ومعزول عن ما جرى ويجري في البلاد ، فالتطبيع مرادف سياسي وتمزيقي للبلد مع زيف السلام ، فلطالما سعى الكيان الصهيوني منذ العام 1952 عندما وضع بن غوريون وعدد من القادة الصهيانة استراتيجية تمزيق الوطن العربي من اطراف خاصة العراق والسودان وبلاد المغرب العربي ، ونشر معهد موشي ديان بجامعة حيفا في العامين 1992 و 1996م مجموعة دراسات وبحوث مهمة تتحدث عن الدور الاسرائيلي الذي بدأ من ذلك التاريخ لتقسيم السودان وبتر اطرافه الجنوبية والغربية والعبث في شرقه وتحفيز شماله لمصير مماثل ، ثم تطورت تلك النظرة إلى نظرية الانشطارات المتتابعة التي وضعتها مجموعات عمل امريكوصهيونية لتفيتيت جغرافية السودان إلى خمس دول ، ولم تك تلك مزحة سياسية ولا خطل من تخاريف السياسة ، بل ظل هذا المشروع يمضي إلى غاياته دون إبطاء؛ ويجب ان لا نغفل عن ان الحركات الموقعة على السلام من لدن حركة قرنق حتى اليوم لا تمثل اي واحدة منها تياراً وطنيا قوميا فهي تنظيمات جهوية تعبر عن مناطق وجهات وقبائل وبعرتها تدل على بعيرها.
من ينعق بتأييد التطبيع مع الحية الصهيونية الرقطاء لا يعلم أن السم الزعاف و العطب المميت يكمن في أنيابها الحادة ، وهي ستسدل الستار على مشروعها التقسيمي للسودان الذي سيكون عما قريب أثراً بعد عين ، وكثير من دعاة التطبيع لا يقرأون التاريخ ولا يطلعون على حقيقة المعلومات التي تنطوي عليها الاستراتيجيات الصهيونية ولا على التفاعلات الداخلية في المجتمع الاستخباري والسياسي الصهيوني وفي امتداداته الاقليمية والدولية ، ولا يطلَعون بدأب وحرص على ما تخبئه دولة الكيان الصهيوني من اهداف لم تكن ابدأ لتغيب عن أعيننا لولا غفلة السياسة وغباء النخب الحاكمة وجهل من يدعون التنوير.
،
خلاصة القول إنه اذا ما تغيرت الخارطة السياسية الراهنة على صعيب التحالفات الحاكمة ، وتهمش دور الحرية والتغيير ، وإستأثر الليبراليون الجدد وحلفاء الصهيانة بالقرار في ما تبقي من الحاضنة السياسية ، ووضع القادمون من الجبهة الثورية مياسمهم على صدر السلطة ، وإستمسك العسكريون المطبعون بخطام وزمام و أعنة الحكم ، سيبدأ العدد التنازلي لذوبان الدولة وسط الغبار الكثيف ومسرح اللامعقول ، فالسودان اليوم غير محصن اجتماعياً ولا سياسياً ، ممزق الاوصال ، ضاعت هيبته ، وخانه ابناؤه ، واخترقت مؤسساته ، واضعف جيشه ومخابراته ، وسلبت ارادته السياسية ، وتدخل في شأنه من لا يسوي شيئاً في ميزان السياسة مثل الدويلات البترودولارية الكرتونية الهشة .. فالويل لمن أضاع وطناً عملاقاً وفرط في حلم يغلو ثمنه ولا يعوض …!

Exit mobile version