“عصابات الاختطاف بالدّرّاجات”.. السيناريو المُرعب!!

السودان

تقرير: طارق عبد الله
كانت قضية (وفاء مكي) في منتصف الألفينات، من القضايا الشاذة على المجتمع السوداني بعد نشر تفاصيلها عندما كانت (وفاء) تسير على الشارع العام متوجهةً إلى منزلها فاقتربت منها فتاتان، قامت إحداهما باختطاف حقيبتها وجرِّها بالعربة المسرعة، مما أدى لإصابات جسيمة لها، وقد تفاعل المجتمع السوداني الذي انتقد الحادثة واعتبرها سيناريو مرعب، وعدّها من النشاز مع (وفاء) التي دخلت في صدمة عنيفة نتيجة هول ما تعرضت له، ليتضح فيما بعد أن الجناه فتاتان ارتكبتا الحادثة لسداد رسوم دراسية حسبما قالتا في تحريات المباحث الفيدرالية، ومنذ ذلك الحين أضحت جرائم الاختطاف من الجرائم الشائعة في المجتمع السوداني، واتخذت عدة وسائل يتربّع على عرشها استخدام السيارات المؤجرة والدّرّاجات البخارية.

آخر مكالمة
أحمد آدم عبد الله تاجر بسوق ليبيا قال لشرطة دار السلام بأم درمان إنه كان يسير بالشارع العام وفي يده كيس به مليار ومائتان وستون جنيهاً متجهاً لمنزله بالمنطقة، وأثناء سيره اعترضه شابان يقودان دراجة بخارية قام سائقها بدهسه، بينما اختطف الآخر الكيس من يده ولاذا بالفرار، ودونت الشرطة بلاغها تحت طائلة النهب وأخطرت المباحث، فالحادثة على تلك الشاكلة متفشية حتى في وسط الخرطوم، ناهيك عن الأطراف التي ظهرت فيها شوارع أُطلق عليها (آخر مكالمة) نظراً لتفشي ظاهرة اختطاف الهواتف النقالة فيها عن طريق سائقي الدّرّاجات البخارية!!

جريمة مُركّبة
فتح الرحمن فضل المولى عضو سابق بالمباحث الاتحادي، يقول إن ظاهرة اختطاف الأموال والهواتف باستخدام المواتر والسيارات دخلية على المجتمع السوداني فعلاً، ولكنها متفشية خارج السودان بما فيها الدول الأوروبية، مذكراً الناس باختطاف حقيبة مريم الصادق المهدي في بريطانيا وبداخلها جواز سفرها، مشيراً الى أن التطور الذي شهده السودان في مجال التقنية والانفتاح على العالم الخارجي ساهم في استيراد هذا الشكل من أنواع الإجرام وتفشيه بسرعة لما فيه من مُغامرة تتناسب مع أعمار الشباب الذين يرتكبونها، وأنها تزداد كلما ابتعد الإنسان عن قلب المدينة، وأصبحت للبعض مهنة يسترزق منها، بيد أنه نبه إلى أنها جريمة مركّبة أي تدخل فيها مخالفات أخرى مثل النهب والابتزاز وسرقة السيارات والدّرّاجات البخارية والتظليل، وتُرتكب على أنها فعل إجرامي لمُعتادي سرقات أو لعصابات تنتحل صفة القوات النظامية، والأخيرة لا تقوم بجريمتها صدفة، وإنما بمعلومات ومراقبة، أي ما يعرف بين رجال المباحث بمُعتادي (جرائم المُتابعة).

إحصائيات خطرة
نفى مصدر بالشرطة لـ(النورس نيوز)، وجود إحصائيات منفصلة عن جرائم السرقات التي تُستخدم بالدّرّاجات البخارية، وقال إنها تدخل في الإحصاء العام لجرائم السرقة بأنواعها المختلفة، إلا أنه وصفها بأن له إحصائية مقدرة ويتراوح ارتكابها ما بين (10 – 20) حادثة يومياً داخل ولاية الخرطوم ــ حسب تقديره ــ بعضها لا يصل أصحابها للشرطة وفتح بلاغات، خاصةً إذا فشلت الجريمة أو إذا كانت المفقودات بسيطة وقليلة الثمن، ونبّه الى أنّ في ذلك خطورة بحسب إمكانية استخدام الهواتف في أعمال إجرامية أخرى، موضحاً أن شرطة ولاية الخرطوم تُنفِّذ في عمليات البرق الخاطف لمُحاربة مثل هذا النوع من الإجرام بضبط الدّرّاجات والعربات التي تسير بلا لوحات وغير المُرخّصة والمظللة، واعتبره نوعاً من العمل الوقائي لمُضايقة مثل تلك العصابات بالوجود الدائم للشرطة في الطرقات ومُراجعة المركبات.

تشديد عقوبة
قال المحامي إسماعيل رحمة حامد لـ(النورس نيوز)، إنّ تفشي جريمة اختطاف الموبايلات تُعتبر من الجرائم الدخيلة على المجتمع السوداني، خاصةً وأنّ مُعظم ضحاياها العنصر النسائي وهن الأضعف، وقليل من الرجل، وتنشط الظاهرة في أوقات مُعيّنة غالباً ما بين المغرب والعشاء أو أماكن الازدحام بالمواقف أو الاختطاف من داخل العربة أثناء جلوس المجني عليه بالقرب من الشباك ويتحدث بالهاتف، وتلك الفعل قد تنتج عنه جريمة أخرى إذا كان المجني عليه كبيراً في السن أو فتاة أو صبياً، فالمقاومة قد تتسبب في إصابة الشخص حين سقوطه على الأرض أو ينتج عن المقاومة عند استخدام الجاني أو الجناة لأدوات كالسكين أو الساطور أو العصا، وبالتالي يفقد المجني عليه روحه، وأضاف المحامي إسماعيل أنّ هذه الظاهرة أصبحت مُزعجة ويجب أن تجد الاهتمام من أصحاب الاختصاص، خاصّةً وأنّ القانون لم يفرد لها مساحة، حيث يُعامل المُجرمون معاملة جريمة النهب، خاصة وأن الفقرة الأولى من المادة (175) من القانون الجنائي المعدل تعرض لهذه الجريمة باعتبارها جريمة سرقة والتي عرفها بأنها أخذ بسوء قصد مال منقول مملوك للغير لحيازة الشخص دون رضائه، والفقرة الأولى من المادة نفسها ربطت السرقة مع الهروب وهذه العملية من عناصر جريمة النهب ويتعامل معها على أنها جريمة نهب، وعقوبتها لا تتجاوز الـ(3) سنوات وهذه العقوبة مُقارنةً بالفعل الذي يحدثه المجرم من نهب وهروب ورعب لا يتناسب مع الفعل، وعلى المشرع أن يوردها في نص القانوني الجنائي خاصة في اختطاف الحقائب والهواتف، ويشدد على العقوبة بأن تكون زاجرة ورادعة وحافظة للمُجتمع .

Exit mobile version